" صلاح القلب وحلاوة الإيمان "
" صلاح القلب وحلاوة الإيمان "
إن صلاح القلب سبب وجود حلاوة الإيمان: ولذة الطاعة، والسعادة في الدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» (أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (21) ومسلم في كتاب الإيمان (43) واللفظ له).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا» (أخرجه مسلم).
والمحبة والرضا من أعمال القلوب.
وما يعيشه كثير من الناس اليوم من قلق وآلام نفسية، وفقدان للسعادة من أعظم أسبابه ضعف محبة الله، والتوكل عليه في نفوسهم.
يقول ابن القيم رحمه الله: (فإنه لا نعيم للعبد ولا لذة ولا ابتهاج ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره، والفرح والابتهاج بقربه، والشوق إلى لقائه، فهذه جنته العاجلة، كما أنه لا نعيم في الآخرة ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة).
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة.
وقال بعض المحبين: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وكل ما له قلب حي يشهد هذا، ويعرفه ذوقا) (تهذيب مدارج السالكين).
ومن لم يجد هذا فليبك على نفسه، وليسع في طلب أسباب حياة قلبه، وليعلم أن فقد حلاوة الطاعة أمارة دخل فيها.
يقول ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك فاتهمه؛ فإن الرب تعالى شكور، يعني أنه لا بد أن يثيب العامل عن عمله في الدنيا حلاوة يجدها في قلبه وقوة وانشراحًا وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول) (تهذيب مدارج السالكين).
وقد يقول قائل: لماذا لا يحصل الانشراح وقرة العين إلا بالإقبال على الله ظاهرًا وباطنًا؟
يقول ابن تيمية: (والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين من جهة العبادة وهي العلة الغائية ومن جهة الاستعانة والتوكل وهي العلة الفاعلة.
فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات، لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذات إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة) (العبودية).
ويقول ابن القيم: (ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه.. وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها، لم تسد تلك الفاقة منه أبدًا) (تهذيب مدارج السالكين).
مختارات