“أنت تساوي جدول يومك”
“أنت تساوي جدول يومك”. سمعت هذه الكلمات من أحدهم، وهي تعبر عن فكرة مهمة في فهم الذات وإدارة الحياة. ينشغل كثيرون منذ مطالع شبابهم بتجميع الشهادات والدورات والخبرات لإنشاء سيرة ذاتية C.V تلفت الأنظار وتثير الإعجاب، ولكن وبرغم قيمة كل ذلك وأهميته، إلا أن الإنسان في نهاية المطاف حزمة من الأعمال والأقوال والمقاصد، فأعمالك التي تلاحق إنجازها، ومواعيدك التي تترقبها، وتلك التي تتشدد في إتمامها، والوفاء بها كل يوم، منذ أن تستيقظ إلى أن تضع رأسك على الفراش في المساء. هذه الأعمال هي أنت. فأحلامك وطموحاتك وخيالاتك عن المستقبل لا تمثلك ولا تعبّر بدقة عن حقيقتك كما تتوهم -إلا بدرجة محدودة- فبعض اللصوص والمجرمين والفساق والظلمة ربما يخطر لهم بين فينة وأخرى خاطر التوبة، وإصلاح الحال، وربما ينوون التحول لتحقيق الفضائل العظيمة، ولكن هذا لا ينفي عنها واقعهم الرديء، فأعمالهم اليومية شريرة، لأنهم أشرار إلى الآن، والأماني المفلسة تخدّر الضمير حين يلّح للنهوض. عُدْ الآن لجدول أعمالك في الأسبوع المنصرم، وتأمل في مجملها فهي “أنت”. آسف، ربما تكون النتيجة مؤسفة بعض الشيء!
البعض يعتقد عن نفسه أنه مثقف أو طالب علم، بينما جدوله الأسبوعي فقير، فلا قراءة ولا حفظ ولا دروس -إلا درس يتيم مثلاً ولا يحضّر له بل يحضره للبركة- ولا بحث، والحقيقة أن من كانت هذه حاله فهو “طالب علم سابق”. وآخر يعتقد أنه قارئ ولا تجد في جدوله سوى سويعة أو اثنتين في الأسبوع، وربما أقل، وثالث يعتقد أنه مؤمن تقي؛ وليس في جدوله عبادة خاصة، ولا صدقة سر، ولا دعوات في جوف الليل، ولا مراقبة للقلب، مع فلتان الجوارح، ورابع يعتقد أنه سامق الهمة واسع الطموح ولديه رغبة في تعلم مهارة ما أو لغة جديدة = بينما جدوله اليومي مملوء بجدول الدوري، وهو مشغوف بمتابعة المنافسات الكروية في أنحاء العالم، فالنتيجة -كما ترى- أنه في واقع الأمر مجرد”ألتراس”، فما أوسع الدعاوى الفارغة!
ربما تبدو هذه المعاني بدهية جداً، ولكن من قال أننا لا ننسى البدهيات؟ لا سيما تلك البدهيات المؤلمة.
مختارات