معركه مع الشيطان
من أهم العوائق التي تعيق السائر في الطريق إلى الله؛ عــائق الشيطـان.. ولكننا لا نفقه حقيقة معركتنا مع هذا العدو بشكلٍ صحيح..
فبعض الناس يعتقد إن الأمر يسير؛ لأن كيد الشيطان ضعيــف فيكتفي بمجرد الاستعاذة منه.. والبعض الآخر يستسلم للشيطان، ويظن إنه لابد أن يكون له نصيبًا في جميع أعماله.
والأمر بين هذا وذاك.. فعلينا أن نتعرَّف على طبيعة معركتنــا مع الشيطان والعقبات التي سيضعها في طريقنا؛ كي نتخذ الإحتياطات اللازمة لتجـاوز تلك العقبات والفوز بالمعركة..
حقائق ثابتة في معركتنا مع الشيطان
الحقيقة الأولي: عداوة الشيطان عداوة ثـابتة..
فالشيطان عدوٌ حسودٌ حاقدٌ بطبعه، يسعى ليُفْسِد عليك حالك والتخلُّص منك بأي طريقة.. وإذا وجدك على طاعة الرحمن اشتد غيظه، وأخذ في ترقب أي فرصة لينفث سمومه في قلبك ويُفْسِده.
يقول الله تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]
فالله عزَّ وجلَّ يأمرنا بأن نتخذ الشيطان عدوًا، ومن لم يتخذه عدوًا وتعايش معه تعايشًا سلميًا يأثم بذلك.. فعلينا جميعًا أن نتوب الآن من عدم اتخاذنا الشيطان عدوًا.
والشيطان داعٍ إلى جهنــم.. فهو حريص على غواية بني آدم، لذلك لا يأمرهم إلا بالشر ولا يعدهم إلا باليــأس والقنوط من رحمة الله عزَّ وجلَّ..
كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ "، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ " وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ " [صحيح مسلم]..
وهذا العدو يتربص بك في كل لحظــة.. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ.. " [صحيح مسلم]
الحقيقة الثانية: لزوم الاحتراس منه؛ لأنه سيقعد لك على كل صراطٍ مستقيم..
وهذا مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى على لسان الشيطان {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]
فالشيطان قاعدٌ لك على كل خطوة تخطوها في الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ؛ فينبغي ألا تستهين بعداوته..
وقد أوضح لنا الله تعالى الداء والدواء في قوله تعالى علي لسان إبليس {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17]
فالداء هو.. الغفلة والجحود.
والدواء هو.. الذكر والشكر.
الحقيقة الثالثة: ضعف الشيطان..
قال تعالى {.. إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]
فينبغي عدم التهويل من كيد الشيطان، ولا ينبغي التهوين منه في نفس الوقت.. يقول الرسول " لا تقل: تعس الشيطان؛ فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول: بقوتي صرعته، ولكن قل: بسم الله؛ فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يصير مثل الذباب " [رواه النسائي وصححه الألباني، صحيح الجامع (7401)]
فإذا استعنت بالله واعتصمت به، كفاك أمر الشيطان.. أما إذا ركنت إلى نفسك واعتمدت على قدراتك وإمكانياتك، سيصرعك الشيطان ويتمكن منك.
الحقيقة الرابعة: سلاح المؤمن:: الاستعصام بالله والتوكُّل عليه..
يقول الله جلَّ وعلا {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]
فالله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.. لا يستعيذ به أحد إلا وأعاذه، ولا يستجير به أحد إلا وأجاره.. فهو أكرم مجيـر، فلا يُخلِّي بين العدو وبين عبده المؤمن الذي لجأ إليه ورجا عنايته..
فالاعتصام بالله، يُخلِّصك من كيد الشيطان،،
الحقيقة الخامسة: أنه لص الإيمان، ولكن لصٌ فاشل..
وظيفته إن ينتظر ساعات الغفلة ولحظات الذهول، حتى يسرق شيئًا من حسناتك وطاعاتك.. لكن هذه الوساوس سرعان ما تتلاشى، إذا انتبهت وتذكرت وأخذت سلاحك مرةً أخرى فأدميته وصرعته بعد أن كاد أن يصرعك..
يقول الله جلا وعلا {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]
الحقيقة السادسة: وجوب معرفة مداخل الشيطان..
لأن الله عزَّ وجلَّ أمرنا أن نتخذ الشيطان عدوًا، وكل ما يؤدي إلى الواجب فهو واجب..
يقول الإمام الغزالي " اعلم أن مثال القلب مثال حصن، والشيطان عدوٌ يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه.. ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه.. فحماية القلب من وسواس الشيطان واجبة وهي فرض عين على كل عبدٍ مكلف، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو أيضًا واجب.. ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله، فصارت معرفة مداخله واجبة " [إحياء علوم الدين (3:32)]
فحراسة الأبواب فرض عين..
مختارات