صَيْحَةُ تَحْذِير وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ
الحمد لله العليم بخلقه، القائل في محكم كتابه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]. الرحيم بهم، ون رحمته أنزل شريعته ناصحة لهم، ومُصلحة لمفاسدهم، ومُقوّمة لاعوجاجهم، ومن ذلك ما شرع من التدابير الوقائية، والإجراءات العلاجية التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء، وتُعين على اجتناب المُوبقات رحمةً بهم، وصيانة لأعراضهم، وحماية لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وبيَّن لهم أن غايةَ الشيطان في هذا الباب أن يُوقع النوعين في حضيض الفحشاء!!، لكنه يسلك في تزيينها، والإغراء بها مسلك التدرج، عن طريق خطوات يقود بعضها إلى بعض، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى، وهي المعنيَّة بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [النور: 21].
والصلاة والسلام على الصادق الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين، القائل: «ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء» [رواه مسلم].
والقائل: «فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم]، الذي حذرنا من خطوات الشيطان إلى إشاعة الفساد، خصوصًا ما أضلَّ به كثيراً من العباد من تزيين التبرج، وإشاعة الفاحشة، وإطلاق البصر إلى ما حـرَّم الله، ومصافحة النساء الأجنبيات، وسفر المرأة بدون مَحرَم، وخروجها متطيبة متعطرة، وخضوعها بالقول للرجال، وخلوتها بهم واختلاطها معهم.
وحول هاتين الأخريين: الخُلوة، والاختلاط تدور هذه الرسالة تذكرةً لمن كان له قلب، أو ألقى السمعَ وهو شهيد، وتبصرة لمن خاف عذاب الآخرة، {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود} [سورة هود: 103].
أولاً: الخلوة:
ما هي الخلوة المحرمة؟
هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه، في غيبة عن أعين الناس، وهي من أفعال الجاهلية، وكبائر الذنوب.
ما هو الدليل على تحريمها؟
ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم» [رواه مسلم].
وما رواه عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا لاَ يخلُونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» [صححه الألباني]، وهذا يعم جميع الرجال، ولو كانوا صالحين أو مسنين، وجميع النساء، ولو كنَّ صالحات أو عجائز.
وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان» [صححه الألباني].
وعنه -رضي الله عنه- أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلجُو على المغيبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
أي: لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن، بسفر ونحوه.
وقد تكون القرابة إلى المرأة أو زوجها سبيلاً إلى سهولة الدخول عليها أو الخلوة بها، كابن العم وابن الخال مثلاً، ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنه من مداخل الشيطان، ومسارب الفساد.
فعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: " يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ "، قال: «الحمو الموت» [رواه البخاري ومسلم].
والحمو هو قريب الزوج الذي لا يحل للمرأة، كأخيه وابن عمه، فبينَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفسد الحياة الزوجية، كما يُفسد الموت البدن.
قال الأبِّي-رحمه الله-: " لا تُعرِّضُ المرأةُ نفسَها بالخلوة مع أحد، وإن قلّ الزمن، لعدم الأمن لاسيما مع فساد الزمن، والمرأة فتنة، إلا فيما جُبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب " ا.هـ.
فالحمكة من تحريم الخلوة هي: سد الذّريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها، حتى يظل المرء واقفاً على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].
ثانياً: الاختلاط:
ماهو الاختلاط؟
هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم له اجتماعاً يؤدي إلى ريبة، أو: هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد، يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو البدن من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد.
ما هي أدلة تحريم الاختلاط؟
أولاً: من القرآن الكريم:
قول الله سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، فخير حجاب للمرأة بيتها.
وقوله جلَّ وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
ثانياً: من السنة الشريفة:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها» [رواه ابن خزيمة وصححه الألباني].
وعن أبي أسيد، مالك بن ربيعة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: «استأخِرن، فليس لكنّ أن تَحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلصقُ بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به " [رواه أبو داود وقال الألباني حسن صحيح].
ومعنى تَحْقُقْنَ: أي تذهبن في حاق الطريق، وهو الوسط، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس للنساء وسط الطريق» [السلسلة الصحيحة وقال الألباني حسن بشواهده].
وقد أفرد صلى الله عليه وسلم في المسجد باباً خاصًّا للنساء يدخلن، ويخَرجن منه، لا يُخالطهن، ولا يُشاركهن فيه الرجال.
فعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو تركنا هذا الباب للنساء؟»، قال نافع: " فلم يدخل منه ابنُ عمر حتى مات " [رواه أبو داود].
وعن نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: " كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ينهى أن يُدخَل المسجد من باب النساء ".
ومن ذلك: تشريعه للرجال إماماً ومؤتمين ألاَّ يخرجوا فور التسليم من الصلاة، إذا كان بالصفوف الأخيرة بالمسجد نساء، حتى يخرجن، وينصرفن إلى دورهن قبل الرجال، لكي لا يحصل الاختلاط بين الجنسين -ولو بدون قصد- إذا خرجوا جميعاً.
قال أبو داود في " سننه ": (باب إنصراف النساء قبل الرجال من الصلاة)، ثم ساق حديث أم سلمة -رضي الله عنها-قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما يَنفذ النساء قبل الرجال ".
ورواه البخاري أيضاً، وفيه:
قال ابن شهاب: " فُترى -والله أعلم-لكي ينفذ من ينصرف من النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم " أي الرجال.
وعن أم سلمة-رضي الله عنها- قالت: " كانَ يُسلِّم فينصرفُ النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وروي النسائي: " أن نساء كنَّ إذا سلّمن قمنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام الرجال ".
قال الحافظ ابن حجر: " وفي الحديث... كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات، فضلاً عن البيوت " اهـ.
وعن أم حميد الساعدية، أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله إني أحبُّ الصلاة معك "، فقال: «قد علمت أنكِ تُحبّين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي» [حسنه الألباني].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن» [مسند أحمد].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرّها أولها» [رواه مسلم].
وهذا كله في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه، فكيف بما عداها؟!
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " شهدت الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم- يصلون قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يُجَلِّسُ بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ". الحديث.
وفي رواية مسلم: " يُجَلِّسُ الرجال بيده "، وذلك كي لا يختلطوا بالنساء.
ولقد حرصت الصحابيات على عدم الاختلاط حتى في أشدّ المساجد زحاماً، وفي أشد الأوقات زحامًا، موسم الحجبالمسجد الحرام.
فلقد كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تطوف محجوزاً بينها وبين الرجال بثوب، لا تخالطهم، فقالت لها امرأة: " انطلقي نستلم يا أم المؤمنين "، تعني: هيَّا نقبل الحجر الأسود، فقالت لها: " عنكِ " وأبت، يعني حتى لا تخالط الرجال.
وكانت النساء في عهده صلى الله عليه وسلم إذا أردن دخول الكعبة المشرفة، يقفن إلى أن يخرج الرجال، ثم يدخلن إذا خرجوا.
ودخلت على عائشة -رضي الله عنها- مولاة لها، فقالت لها: " يا أمّ المؤمنين، طُفْتُ بالبيت سبعاً، واستلمتُ الركن مرتين أو ثلاثاً "، فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: " لا آجَرَكِ الله، تدافعين الرجال؟! ألا كبَّرتِ، ومررتِ؟! ".
وعن إبراهيم النخعي، قال: " نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدِّرِّة "، والدِّرِّة: التي يُضربُ بها.
ولقد حطَّ الله عن النساء الجمعة، والجماعة، والجهاد، وجعل جهادهن لا شوكة فيه، وهو الحج المبرور، من أجل أن أفضل أحوالهن الستر والقرار في البيوت، وأداء رسالتهن السامية من وراءِ الحجاب.
من ثمرات الاختلاط:
قال الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله-:
" ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة " اهـ.
أضف إلى هذا شيوع الطّلاق، وتفشّي التبرّج بالزينة، وانعدام الغيرة، واضمحلال الحياء، وفساد الأخلاق، وتعسير غضّ البصر، وتيسير زنا العين، والتسبب في بلاء العشق الذي يتلف الدنيا والدين.
من صور الاختلاط الحرم:
1- اختلاط الأولاد الذكور والإناث ولو كانوا إخوة بعد التمييز في المضاجع، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالتفريق بينهم في المضاجع.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» [حسنه الألباني].
2- اتخاذ الخدم الرجال، واختلاطهم بالنساء وحصول الخلوة بهن، رُوى في بعض الآثار أن فاطمة-عليها السلام- لما ناولت ابنها أنسًا قال: " رأيت كفًّا " يعني أنه لم يَرَ وجهًا، وقد كان أنس -رضي الله عنه- خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يعيش عنده كأحد من أهله.
3- اتخاذ الخادمات اللائي يبقين بدون محارم، وقد تحصل بهن الخلوة.
4- السماح للخطيبين بالمصاحبة والمخالطة التي تجر إلى الخلوة، ثم إلى ما لا تحمده عقباه، فيقع العبث بأعراض الناس بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا.
5- استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، أو أصدقائه في حال غيابه، ومجالستهم.
6- الاختلاط في دور التعليم، كالمدراس والجامعات والمعاهد والدروس الخصوصية.
7- الاختلاط في الوظائف، والأندية، والموصلات، والأسواق، والمستشفيات، والزيارات بين الجيران، والأعراس، والحفلات.
8- الخلوة في أي مكان ولو بصفة مؤقتة كالمصاعد، والمكاتب، والعيادات وغيرها.
فيا أولياء النساء والزوجات والبنات:
تذكروا: أنكم موقوفون بين يدي الله تعالى غداً، ومسؤولون عنهن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
احذروا: " الخلوة، والاختلاط، والتبرج "، فإنها والزنى رفيقان لا يفترقان، وصنوان لا ينفصمان غالباً.
واعلموا: أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة، وأن احترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار، والفضيحة والخزي.
احذروا: أجهزة الفساد السمعية منها والبصرية التي تغزوكم في عقر داركم، وهي تدعو نسائكم وأبناءكم إلى الافتتان، وتُضعفُ منهم الإيمان، وقد قيل: حسبك من شرٍّ سماعُه، فكيف رؤيته؟! صونوا بناتكم وزوجاتكم ولا تتهاونوا فتعرضوهن للأجانب.
إن الرجال الناظرين إلى النســـا *** مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أُكـلت بلا عوضٍ ولا أثمان
إن الأعراض إذا لم تُصنْ بهذه الحصون والقلاع، ولم تحصن بالأسوار والسدود، فتسقط -لا محالة- أمام هذه الهجمة الشرسة، ويقع المحظور، ولا ينفع حينئذ بكاء ولا ندم، والتبعة كل التبعة، واللوم أولاً وأخيراً على وليِّ البنت الذي ألقى الحبل على غاربه، وأرخى لابنته العنان، فيداه أوكتا، وفوه نفخ:
نعبَ الغرابُ بما كرهـ ولا إزالـة للقـــدر
تبكي وأنـت قتلتهـا اصبرو إلا فانتحـــر
أتبكـي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فما أنت صانع؟!
فتش عن الثغرة:
إن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح المشينة، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين.
وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدنيا والدين، لخصها العلامة/ أحمد وفيق باشا العثماني، الذي كان سريع الخاطر، حاضر الجواب عندما سأله بعض عُشَرائه من رجال السياسة في أوربا، في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلاً: " لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال، ويغشين مجامعهن؟ "..
فأجابه في الحال قائلاً: " لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن " !!!
وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر.
ولما وفعت فتنة الاختلاط بالجامعة المصرية، كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين، ولما سئل " طه حسين " عن رأيه في هذا، قال: " لابد من ضحايا (1)!!، ولكنه لم يبين: " بماذا " تكون التضحية؟ و " في سبيل ماذا " لابد من ضحايا؟!
وأي ثمرة ممكن أن تكون أغلى وأعز وأثمن من أعراض المسلمين.
فتبًّا لهؤلاء المستغربين، وسحقاً سحقاً لعبيد المدنية الزائفة الذين أطلقوا لبناتهم ونسائهم العنان يسافرون دون محرم، ويخلون بالرجال الأجانب، مُدَّعين أن الظروف تغيرت، وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم، وما أخذته من الحرية يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها، فما هذا إلا فكر خبيث دَلَفَ إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلا حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنهم رُبُّوا على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق، مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة، ثم ادعوا أن الانفجار لا يكون لأن على البارود تحذيراً من الاشتعال والاحتراق... إن هذا خيال بعيد عن الواقع، ومغالطة للنفس، وطبيعة الحياة وأحداثها.
والآن نستطيع -بكل قوة- أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها، وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض، وذبح العفاف، وأهدر الشرف، ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت الجريمة، وسهَّلت سبيلها، فإنك حتمًا ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة الإسلامية بين الرجال والنساء، ومن خلال هذه الثغرة... دخل الشيطان! وصدق الله العظيم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27-28].
تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين.
وجزى الله خيراً كلَّ من نشرها، وأذاعها نصيحة للمسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله» [صححه الألباني].
مختارات