" الاهتمام بالنفس والدعوة إلى الله "
" الاهتمام بالنفس والدعوة إلى الله "
14- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فالمسلمُ الصادقُ لا يعرف السكون في حياته، ولا يعرف الفراغ في وقته؛ فهو دائب الحركة ملازم السير في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكلما ظهر له منكر أشغل فيه وقته، وبذل له جهده، وراح يغيِّره بما استطاع إلى ذلك سبيلا.
واعلم - أخي الكريم - أن هذا الخُلُقَ النَّبيل هو جهاد وعبادة، وليس مضيعةً للوقت أو فضولا في السلوك؛ بل إنَّ مدارَ الفلاح و النجاة عليه؛ قال تعالى: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [آل عمران: 104]، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رأى منكم منكرًا فَلْيُغَيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم).
وعن جعفر بن سليمان قال: «سمعت مالك بن دينار يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم؛ مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: يا أيها الناس النار النار.
وعن شجاع بن الوليد قال: كنت أخرج مع سفيان الثَّوري، فما يكاد لسانه يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبًا وراجعًا».
الأمر بالمعروف يا عمرو نافلة والقائمون به لله أنصار
فاحرص - حفظك الله جل وعلا - أن تبذل لهذه النافلة وقتَك، وكن داعيةً لله لا يعرف عمرك الفراغ، تدعو إلى الخير في ذهابك وإيابك وفراغك وشغلك وكَدِّك وسعيك، واصبر على ما تجده في هذا الطريق من أوحال؛ فإن طريقَ الدَّعْوَة طويلٌ وشاقٌّ مملوءٌ بالأشواك والصِّعاب، لا تتحمله إلا نفوس الرجال، ولا تقوم به إلا همم الصادقين الأبطال، ولا تقدر على مواصلة السير فيه النفوس المريضة المترهلة ممن أصابها وَهَنُ العزيمة، ونضب وقود الإيمان فيها؛ فهذا الطريق هو طريقُ الأنبياء؛ فيه تعب آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأخرج للذَّبْح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بَخْس، وقاسى المرض أيوب، وكذا سيرة الأنبياء وسيد المرسلين.
15- دلالة الناس على الخير: فكلَّما وجدتَ - أخي الكريم - في وقتك متَّسَعًا فابذله في نصح المسلمين وإرشادهم إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، ودلالتهم على الهدى والتُّقى، وتوجيههم إلى ما يصلح دنياهم وأخراهم.
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» (رواه البخاري ومسلم).
وقد حكي عن الفقيه الشيخ الزاهد محمد بن أحمد الدباهي أنه لازم العبادة والعمل الدائب والجد واستغرق أوقاته في الخير، صلب في الدين، وينصح الإخوان، وإذا رآه إنسان عرف الجد في وجهه.
نحن في ذي الحياة ركب سفار يصل اللاحقين بالماضينا
قد هدانا السبيل من سبقونا وعلينا هداية الآتينا
وعن عبد الكريم بن أمية قال: لأَنْ أَرُدَّ رجلاً عن رأي سيء أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ شهرًا.
وكان الليث بن سعد - رحمه الله - يجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس لا يسأله أحد من الناس فيردَّه؛ كبرت حاجته أم صغرت.
فاجعل من أوقاتك أوقات نصح ومعروف ودلالة على الخير والهدى؛ بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة والقدوة الحسنة، والبيان والبلاغ، والهدية والكتاب والشريط.
فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن دَلَّ على خير فله مثل أجر فاعله» (رواه البخاري ومسلم).
16- الحرص على مجالسة الصالحين: وذلك لأن مجالسةَ الرجل الصالح لا يضيع فيها وقت، ولا يحصل بها فوت؛ فهي من أسباب تحصيل الخير ونيله؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيَك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة» (رواه البخاري ومسلم).
17- الترويح عن النفس: فلا بد بعد الجهد من راحة ولو لوهلة يسيرة؛ ذلك لأن المللَ من معاني الإنسانية في البشر؛ فلا بد من الترويح عن النفس ساعة ساعة، وجعلها تسترجع الهمة والجد من خلال تفكر وتذكر، وانبساط وانشراح؛ فلماذا لا يفكر الشاب المسلم في جمع أفراد أسرته أو خيرة أصحابه وإخوانه في استراحة ولو في ليلة واحدة، ويجعلها وسيلة للترويح عن نفسه وحفظ وقته؛ لا سيما إذا كانت تتخلَّلُها مسابقات وبرامج تعود بالنَّفْع والصلاح.
فمن المؤسف أن ترى الشابَّ المسلم إذا أصابه الملل في طلب العلم أو الدعوة أو غيرها التفت إلى المغريات والشهوات وهدر فيها وقته وجهده، ولم ينل منها سوى الأمراض الفتاكة والوساوس التي تؤدي به إلى الهلاك.
فاحرص - حفظك الله - أن يكون لك وقت راحة حتى لا يعتريك الملل والضجر، واجتنب رفقاء السوء ممن يقضون أوقاتهم في السهرات الماجنة أمام القنوات الهابطة والأفلام الساقطة، ويظنون بذلك أنهم يروحون عن النفس وما هم إلا في أمراض وأخلاط يجنون ثمارها المرة في القريب.
18- ممارسة الرياضات النافعة: ولا يخفى على العاقل ما للرياضة من نفع نفسي وبدني؛ فهي تولِّد النشاط والحيوية وتقوِّي الجسم وتشدُّ أَزْرَه، وتبعث على الشجاعة والإقدام وحسن البلاء حين الاحتدام.
فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عربي وفي عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا.. لم تراعوا..» (رواه البخاري ومسلم).
مختارات