الأمير وعلبة التونة ..
كانت الساعة في تمام الثانية ظهراً عندما كنت واقفاً أمام ستاند عرض المجلات، في تموينات الأمل، كنت أبحث عن مجلة أقضي بها وقتي. أمسكت بإحدى المجلات التي تعنى بشؤون الفن، وبينما أنا أتصفحها على عجل إذ انفتح باب المحل ليطلّ منه شاب في الثلاثين من العمر، لاحظت أنَّ أسارير وجهه انبسطت بمجرد دخوله للمحل !.
أعدت نظري إلى المجلة ليقع بصري على صورة ملساء جداً للأمير الوليد بن طلال ! لاحظت انبساط أسارير وجهه وهو جالس على أريكة فخمة، أجزم أن لو كانت هذه الأريكة في جازان لوضعت في إحدى الدوارات للزينة !! وجدت تفسيراً لانبساط أسارير وجه الأمير، إذ أنه يشعر براحة تامة ؛ لأن الأريكة التي يجلس عليها من النوع الذي لا يساعد على تفاقم آلام الروماتيزم، أو أنها من النوع الذي يعمل المساج بمجرد أن تضغط على إحدى الأزرار التي تحت الزرابي المبثوثة عليه.
ولكن الذي مازال سراً هو انبساط أسارير ذلك الشاب الذي رأيته يدخل المحل بمجرد دخوله!!
سمعت الشاب يسأل الهندي: وين التونة.
_في هناك آخر الرف.(قالها الهندي بلغة مكسرة!)
بدا لي شكل عقال ذلك الشاب وكأنه كان في حين من الدهر عجلة سيارة! توجه الشاب إلى رف التونة وهو ممسك سلة مشتريات؛ لا أدري لماذا ابتسمت وأنا أرى علبة الصلصة الوحيدة في تلك السلة وهي تترنح ذات اليمين وذات الشمال لدى أدنى حركة من ذلك الشاب!! تساءلت:
لماذا لا يشترى كرتون صلصة خصوصاً وأن عليها عرض خاص؟ وكم تراها ستبقى في مطبخهم تلك العلبة الوحيدة؟ هززت رأسي منتبهاً، وقلت بهمس:
صادقة أم أحمد يوم تقول لي إني أدخل عصي في شيء ما يخصني!!!
كان وجه الوليد بن طلال الصافي يزيد من ملاسة تلك الصفحة الصقيلة التي لمستها بيدي وكأني أتأكد من أن درجة ملاستها كما توقعتها!.
قرأت الخبر بطريقة شاقولية استفدتها من كتاب " القراءة السريعة " كان مضمون الخبر: أن الأمير قد منح كل فنان متعاقد مع شركة روتانا سيارة نوع " بي إم " ! وعددهم أكثر من سبعين فناناً !! وفي أسفل الصفحة صورة لمجموعة من الفنانين والفنانات؛ يأتي في مقدمتهم " عبد المجيد عبد الله " الذي يبدو أنه يريد أن يضاهي نظرة المطربة أنغام بنظرته الرومانسية!!.
وفي عملية حسابية سريعة قدرت أن المبلغ الإجمالي للسيارات يتجاوز الأربعة عشر مليوناً!! بلعت ريقي ثم تأملت في نفسي وأنا أتذكر صوتي الذي عادة ما أترنم به وأنا أغتسل في الحمام:
هل من الممكن أن أصبح مغنياً أتعاقد مع شركة روتانا؟؟
التفت إلى ذلك الرجل القابع أمام رفوف التونة وقد ارتفعت نغمة جواله. خمنت بسرعة كما هي عادتي أن يكون جواله: هو العنيد خمسة استمرت النغمات والرجل كمن يجري عملية خلع ضرس في محاولة إخراج ذلك الجهاز من جيبه. ارتفعت حواجبي مباشرة عندما لاحظت أن ذلك الجوال من نوع أريكسون القديم الذي عندما تحمله تستشعر أنك تحمل كبينة هاتف!! أتم المكالمة بسرعة وكأنه هو من سيدفع فاتورة الجوال، كادت أن تهرب من شفتي ابتسامة لما لمحت الأنتل في أعلى الجوال وقلت في نفسي:
" قدييييييييييييييم "
استغربت من طول وقفته أمام رفوف التونة راقبته فإذا به يمسك بالتونة نوع (علالي) فينظر في سعرها فيعيدها ليتناول الأخرى نوع (قودي) ثم يتأكد من وزنها ويقارن بينهما وبين الثالثة التي من نوع (أمريكانا) استغربت من هذه العملية الصعبة التي يقوم بها وجزمت أني لن أستطيع أن أكون بدقته في شراء الأشياء،
أعدت المجلة، لتقع عيني على كتاب بعنوان " صراع الطبقات عند لينين " !شعرت باحتقار شديد للمؤلف الذي يبدو انه مازال يعيش بعقلية ما قبل اكتشاف آبار النفط!، وكأن ذلك الكتاب قد فرض علي شعوراً بالقرف!!، فابتعدت عن ذلك المكان خطوتين ذات اليمين لأمسك بمجلة أخرى، لعلها أن تكون هي مجلتي التي أقضي بها وقتي.
وأخيراً تحرك ذلك الشاب من أمام رفوف التونة، كانت ملامح وجهه المنبسطة وفرحته بعلبة التونة تشبه ما أتخيله لوجه سراقة بن مالك عندما أعطاه عمر سواري كسرى أنو شروان.
سمعت الهندي يقول له أربعة ريال. بينما هو يدخل يده في جيبه الأيمن ثم الأيسر ثم العلوي ثم سمعت الشاب يقول بجراءة:
خلاص رجع الصلصة ما أبيها!!. لم أر وجه الشاب وهو يقولها؛ ولكن رأيت وجه الهندي وهو يهز رأسه بطريقة جانبية موافقاً. شعرت بانكسار من نوع خاص وتساءلت:
هل يعقل أنه لا يملك معه الآن سوى ثلاثة ريالات؟
تذكرت وجه عبد المجيد عبدالله...
سمعت صوت الباب وهو ينفتح ليخرج ذلك الشاب ذو العقال الكبير.. وعندما لمحته من خلف زجاج السيارة يفتح شباك السيارة ؛لتصفع وجهه لفحات السموم المحرقة، وجدت تفسيراً مناسباً لانبساط أسارير وجهه عندما دخل المحل ذو التكييف الجيد.
وعلى صوت إطارات سيارته القديمة عدت خطوتين ذات الشمال. وتناولت كتاب صراع الطبقات عند لينين وبدأت أتصفحه بجدية؟
مختارات