" النَّمِيمَـــة "
" النَّمِيمَـــة "
ذم النَّمِيمَة والنهي عنها:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ " [القلم: 10-13].
قال ابن كثير في قوله تعالى: ( " مَّشَّاء بِنَمِيمٍ " يعني: الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة) [تفسير ابن كثير].
- وقال تعالى: " وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ " [الهمزة: 1].
(قيل: اللُّمزة: النَّمَّام، عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب) [جامع البيان، للطبرى].
وقال مقاتل: (فأما الهمزة فالذي ينمُّ الكلام إلى الناس، وهو النَّمَّام) [تفسير مقاتل بن سليمان].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) وفي رواية (قتَّات) [رواه مسلم].
وبيَّن ابن الملقن المراد بعدم دخول الجنة للنَّمام بقوله: (وحمل على ما إذا استحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم، أو لا يدخلها دخول الفائزين) [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام،لابن الملقن].
قال ابن بطَّال: (قال أهل التأويل: الهمَّاز الذي يأكل لحوم الناس، ويقال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت،والقتَّات: النَّمام عند أهل اللغة) [شرح صحيح البخارى].
- وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أُنبئكم ما العضة؟ هي النَّمِيمَة القالة بين النَّاس) وإنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الرَّجل يصدق حتَّى يكتب صدِّيقًا، ويكذب حتَّى يكتب كذَّابًا) [رواه مسلم].
قال المناوي: (... (القالة بين النَّاس) أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكى للبعض عن البعض، وقيل: القالة بمعنى المقولة، وزعم بعضهم أنَّ القالة هنا جمع، وهم الذين ينقلون الكلام، ويوقعون الخصومة بين الناس) [فيض القدير].
وقال ابن عثيمين: (هي النَّمِيمَة: أن ينقل الإنسان كلام النَّاس بعضهم في بعض، من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب) [شرح رياض الصالحين].
#### أقوال السلف والعلماء في النَّمِيمَة:
- قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟ قال: الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه) [رواه البيهقى فى السنن الكبرى].
- وقيل لمحمد بن كعب القرظي: أي خصال المؤمن أوضع له؟ فقال: كثرة الكلام، وإفشاء السرِّ، وقبول قول كلِّ أحد [إحياء علوم الدين للغزالى].
- وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت، فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا، فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام [إحياء علوم الدين للغزالى].
- وقال الحسن: من نمَّ إليك نمَّ عليك [إحياء علوم الدين للغزالى].
- وعن عطاء بن السَّائب، قال: قدمت من مكَّة، فلقيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ ! أطرفنا ممَّا سمعت بمكَّة، فقلت: سمعت عبد الرَّحمن بن سابطٍ يقول: لا يسكن مكَّة سافك دمٍ، ولا آكل ربًا، ولا مشَّاءٍ بنميمةٍ، فعجبت منه حين عدل النَّمِيمَة بسفك الدَّم وأكل الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يعجبك من هذا؟! وهل يسفك الدَّم وتركب العظائم إلَّا بالنَّمِيمَة؟! [المجالسة وجواهر العلم،لأبى بكر الدينورى].
#### من آثار النَّمِيمَة:
1- طريق موصل إلى النَّار.
2- تُذْكي نار العداوة بين المتآلفين.
3- تؤذي وتضرُّ، وتؤلم، وتجلب الخصام والنُّفور.
4- عنوان الدَّناءة، والجبن، والضِّعف، والدَّسُّ، والكيد، والملق، والنِّفاق.
5- مزيلة كلُّ محبَّة، ومبعدة كلُّ مودَّة، وتآلف، وتآخ [نضرة النعيم].
6- عار على قائلها، وسامعها.
7- تحمل على التجسس، وتتبع أخبار الآخرين.
8- تُؤدي إلى قطع أرزاق الآخرين.
#### حكم النَّمِيمَة:
النَّمِيمَة محرَّمة في الكتاب، والسُّنة، والإجماع، وهي من كبائر الذنوب.
قال تعالى: " وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نَمَّام).
وقال ابن باز: (هي من الكبائر ومن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، فالواجب الحذر منها) [فتاوى نور على الدرب،ابن باز،جمع محمد الشويعر].
وقال ابن عثيمين: (النَّمِيمَة من كبائر الذنوب، وهي سببٌ لعذاب القبر، ومن أسباب حرمان دخول الجنة) [جموع فتاوى ورسائل بن عثيمين،جمع وترتيب: فهد السليمان].
#### من أقسام النَّمِيمَة:
1- النَّمِيمَة المحرمة:
هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم، دون وجود مصلحة شرعية في نقل الكلام.
2- النَّمِيمَة الواجبة:
وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره.
وقال ابن الملقن وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة) [لإعلام بفوائد عمدة الأحكام].
قال النووي: (وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه) [فتح البارى،لابن حجر].
3- النَّمِيمَة المباحة:
قال ابن كثير وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (فأمَّا إذا كانت على وجه الإصلاح بين النَّاس وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: (ليس بالكذاب من يَنمَّ خيرًا) [رواه بمعناه البخارى ومسلم] أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث: (الحرب خدعة) [رواه البخارى ومسلم] وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت، وإنَّما يحذو على مثل هذا الذَّكاء والبصيرة النافذة) [تفسير القرآن العظيم].
قال النَّووي: (فلو دعت إلى النَّمِيمَة حاجةٌ فلا منع منها، كما إذا أخبره أنَّ إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولايةٌ بأنَّ فلانًا يسعى بما فيه مفسدةٌ، ويجب على المتولِّي الكشف عن ذلك) [الزواجر عن اقتراف الكبائر،لابن حجر الهيتمى].
#### من أسباب الوقوع في النَّمِيمَة:
1- أن ينشأ الفرد في بيئة دأبها النَّمِيمَة والوقيعة بين الناس، فيحاكيها ويتأثر بها.
2- الإساءة للآخرين وإيقاع الإيذاء بهم.
3- الخوض في الباطل وفضول الحديث، للترويح عن النفس.
4- عدم ردع النَّمام وزجره بل استحسان عمله ومسايرته.
5- وجود الفراغ في حياة الفرد، فيشغل وقته بالحديث عن الآخرين وذكر مساوئهم.
6- الغضب والرغبة في الانتقام.
7- تتبع عورات الناس.
من الوسائل المعينة على ترك النَّمِيمَة:
1- توعية النَّمام بخطورة النَّمِيمَة.
2- استشعار عظمة هذه المعصية وأنَّها من الكبائر.
3- حفظ اللسان.
4- تصور خطر المصيبة التي يقترفها بإفساده للقلوب وتفريقه بين الأحبة.
5- التَّقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
6- استشعار الفرد أنَّ حفظ اللسان عن النَّمِيمَة يكون سببًا في دخوله الجنة.
7- تقوية الإيمان بالعلم النافع، والعمل الصالح.
#### موقف المسلم من سماع النَّمِيمَة:
عندما نسمع أحدًا يتكلم في أعراض الناس، وينمُّ عليهم فيجب علينا نصحه وزجره عن ذلك، فإن لم ينته فعلينا عدم الجلوس معه؛ لقول الله تعالى: " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [الأنعام:68].
وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم].
(ثم احذر النَّمِيمَة وسماعها، وذلك أنَّ الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء فيوهمونهم النصيحة، وينقلون إليهم في عرض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرَّفة مموَّهة، حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المختلق يصرحون لهم، بما يفسد مودَّاتهم ويشوه وجوه أصدقائهم، إلى أن يبغض بعضهم بعضًا) [تهذيب الأخلاق،لابن مسكويه].
#### ماذا يفعل من حملت إليه النَّمِيمَة؟
قال الغزالي: (كل من حملت إليه النَّمِيمَة وقيل له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، أو فعل في حقك كذا، أو هو يدبر في إفساد أمرك، أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك، أو ما يجري مجراه؛ فعليه ستة أمور:
الأوَّل: أن لا يصدقه؛ لأنَّ النَّمام فاسق، وهو مردود الشهادة، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ " [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له، ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى: " وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ " [لقمان: 17].
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنَّه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا تظنَّ بأخيك الغائب السوء، لقول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ " [الحجرات: 12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعًا لقول الله تعالى: " وَلا تَجَسَّسُوا " [الحجرات: 12].
السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النَّمام عنه ولا تحكي نميمته؛ فتقول: فلان قد حكى لي كذا وكذا، فتكون به نمَّامًا ومغتابًا، وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت) [إحياء علوم الدين].
(جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فنمَّ له عن شخص، فقال: اذهب بنا إليه، فذهب معه، وهو يرى أنه ينتصر لنفسه، فلما وصل إليه قال: يا أخي، إن كان ما قلت فيَّ حقًّا يغفر الله لي، وإن كان ما قلتَ فيَّ باطلًا يغفر الله لك) [الزواجر عن اقتراف الكبائر،لابن حجر الهيتمى].
#### قصَّة نمَّام:
قال حماد بن سلمة: باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة، قال: رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك، ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك. فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين [إحياء علوم الدين،للغزالى].
مختارات