" الوَهَـــن "
" الوَهَـــن "
ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
وردت آيات في القرآن الكريم تنفي صفة الوَهَن عن المؤمنين، وآيات في ذَمِّ الوَهَن، ومِن ذلك ما يلي:
- قال تعالى: " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ " [آل عمران: 146].
قال الطَّبري في تفسير هذه الآية: (يعني بقوله - تعالى ذكره -: " فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ " فما عجزوا لما نالهم مِن أَلَم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل مَن قُتِل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نَكَلوا عن جهادهم: " وَمَا ضَعُفُواْ " يقول: وما ضَعُفَت قواهم لقتل نبيِّهم: " وَمَا اسْتَكَانُواْ " يعني وما ذَلُّوا فيتخشَّعوا لعدوِّهم بالدُّخول في دينهم ومداهنتهم فيه خِيفَة منهم، ولكن مضوا قُدُمًا على بصائرهم ومنهاج نبيِّهم، صبرًا على أمر الله وأمر نبيِّهم، وطاعة لله واتِّباعًا لتنزيله ووحيه) [انظر:جامع البيان].
وقال البيضاوي: ( " فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ " [آل عمران: 146] فما فتروا ولم ينكسر جِدُّهم لما أصابهم مِن قتل النَّبيِّ أو بعضهم، وما ضعفوا عن العدو أو في الدِّين، وما استكانوا وما خضعوا للعدو) [أنوار التنزيل وأسرار التأويل].
(وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة، فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم مِن البلاء والكرب والشِّدَّة والجراح، وما ضَعُفَت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين..
" وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [آل عمران: 146].. الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضَعْضَع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتَّعبير بالحبِّ مِن الله للصَّابرين له وقعه، وله إيحاؤه؛ فهو الحبُّ الذي يأسو الجراح، ويمسح على القَرْح، ويعوِّض ويَـرْبُو عن الضُّرِّ والقَرْح، والكفاح المرير) [فى ظلال القرآن،لسيد قطب].
- وقال تعالى: " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " [آل عمران: 139].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: " وَلاَ تَهِنُوا " أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى " وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيُّها المؤمنون) [انظر:تفسير القرآن العظيم].
(فقوله سبحانه: " وَلاَ تَهِنُوا " (مِن الوَهَن والضَّعف، " وَلاَ تَحْزَنُوا " لما أصابكم ولما فاتكم، " وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ ".. عقيدتكم أعلى؛ فأنتم تسجدون لله وحده، وهم يسجدون لشيء مِن خلقه أو لبعضٍ مِن خلقه! ومنهجكم أعلى؛ فأنتم تسيرون على منهج مِن صنع الله، وهم يسيرون على منهج مِن صنع خلق الله! ودَوْرُكم أعلى، فأنتم الأوصياء على هذه البشريَّة كلِّها، الهداة لهذه البشريَّة كلِّها، وهم شاردون عن النَّهج، ضالُّون عن الطَّريق. ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وِرَاثة الأرض التي وعدكم الله بها، وهم إلى الفناء والنِّسيان صائرون.. فإن كنتم مؤمنين حقًّا فأنتم الأعلون. وإن كنتم مؤمنين حقًّا فلا تهنوا ولا تحزنوا. فإنَّما هي سنَّة الله أن تُصَابوا وتُصِيبُوا، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء) [فى ظلال القرآن،لسيد قطب].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)]صححه الألبانى فى صحيح أبى داود].
قال المناويُّ شارحًا هذا الحديث: (... (إذا تبايعتم بالعينة) أن يبيع سلعةً بثمن لأجَل ثمَّ يشتريها منه بأقلَّ منه، (وأخذتم أذناب البقر) كناية عن الاشتغال بالحرث. (ورضيتم بالزَّرع) أي: بكونه همَّتكم ونهمتكم (وتركتم الجهاد) أي: غزو أعداء الدِّين (سلَّط الله عليكم ذلًّا) ضعفًا واستهانةً (لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) أي: إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الرِّدَّة والخروج عن الدِّين لمزيد الزَّجر والتَّهويل) [التيسير بشرح الجامع الصغير].
#### من آثار الوَهن:
1- سببٌ مِن أسباب التَّعرُّض لبغض الله سبحانه وتعالى وبغض رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- سببٌ لتسلُّط العدوِّ على الأمَّة وتكالبه عليها، وإذلالها، ونهب خيراتها، والتَّعرُّض لمقدَّساتها.
3- الوَهن يقتل الغيرة، ويهوِّن أمرها، ويسهِّل هتك الأعراض واغتصاب الحقوق، والتَّعدِّي على الحرمات والأموال.
4- سببٌ في ضياع الأمَّة وتشرذمها وذهاب ريحها، وتفرُّق أبنائها، واختلاف قادتها.
#### من أسباب الوَهَن:
1- ضعف الإيمان، فهو سببٌ لاستمراء الهوان، والرِّضا بالذُّلِّ.
2- كراهية الموت.. والحرص على حياة، أي حياة كانت، حتى لو غُمِسَت بذُلٍّ، وكُسِيت بعارٍ، وهذه صفةٌ مِن صفات اليهود الأذلَّة، ومَن اتَّصف بها كان مشابهًا لهم فيها، قال الله تبارك وتعالى: " وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ " [البقرة: 96].
3- التَّنازع والاختلاف سببٌ قويٌّ مِن أسباب بثِّ الوَهن والضَّعف في قلب الأمَّة.
4- التَّربية السَّيِّئة، والتَّنشئة الخاطئة، على الرضا بالذُّل والضَّعف والوَهَن.
5- اليأس مِن الوضع المرير الذي تعيشه الأمَّة، والقنوط مِن واقعها مِن الأسباب التي تؤدِّي إلى وهن العزائم وضعف الهمم.
#### من الأسباب المعينة على التخلص من الوهن:
1- تقوية الإيمان وزيادته، فالإيمان جذوة تتَّقد في قلب المؤمن فتطرد منه الوَهن، وتشدُّ مِن عزمه وعزيمته.
قال الواحديُّ في تفسيره: (إنَّ الإيمان يوجب ما ذُكِر مِن ترك الوَهن والحزن، أي: مَن كان مؤمنًا يجب أن لا يَهِن ولا يحزن لثقته بالله عزَّ وجلَّ) [الفسير الوسيط].
2- الزُّهد في الدُّنيا وعدم التَّعلُّق بها، والتَّزوُّد منها بزاد المسافر، فذلك حريٌّ أن يقوِّي القلب، ويُبْعِد عنه الوَهن.
3- الاستعداد للموت بالعمل الصالح، وتحديث النفس بالشهادة في سبيل الله.
4- عدم استعجال النَّصر والتَّمكين، والصَّبر على الابتلاء، واليقين بنصر الله وإعزازه لجنده، وتمكينه لأوليائه.
مختارات