الآفة الرابعة عشرة - عدم التثبت أو التبين
والآفة الرابعة عشرة التي يبتلى بها الكثير من العاملين إنما هي (التفريط في عمل اليوم والليلة). وحتى يتخلص منها من ابتلوا بها ويتقيها من عافاهم الله عز وجل منها فإنه لابد من تقديم تصور يكشف عن أبعادها ومعالمها وذلك على النحو التالي: أولاً: مفهوم التفريط في عمل اليوم والليلة: التفريط لغة: التفريط في اللغة هو: التقصير في الأمر وتضييعه حتى يفوت قال في اللسان (وفرط في الأمر يفرط فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات كذلك التفريط) وفرط في الشيء وفرطه ضيعه وقدم العجز فيه والتنزيل:{ أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله }. أي أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له مخافة أن تصيروا إلى حال الندامة للتفريط في أمر الله، وعمل اليوم والليلة في اللغة هو الوظائف أو الواجبات التي ينبغي للمرء الحفاظ عليها أعم من أن تكون دنيوية أو أخروية وعليه فإن التفريط في عمل اليوم والليلة لغة هو: التقصير أو التضييع للوظائف أو الواجبات التي ينبغي للمرء الحفاظ أو المواظبة عليها دنيوية كانت أو أخروية أو هما معا حتى تفوت. التفريط في عمل اليوم والليلة اصطلاحا: أما مفهوم التفريط في عمل اليوم والليلة في اصطلاحا العلماء والدعاة فإنه التقصير أو التضييع للوظائف العبادية التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها وتفوت مثل النوم عن الصلاة المكتوبة ومثل إهمال النوافل الراتبة أو ترك قيام الليل أو صلاة الوتر أو صلاة الضحى أو تضييع الورد القرآني أو الأذكار أو الدعاء أو المحاسبة للنفس والتوبة والاستغفار أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد وعدم حضور الجماعة بغير عذر ولا مبرر أو عدم فعل الخيرات الأخرى أو إهمال الآداب الاجتماعية: من عيادة المرض وتشييع الجنائز والسؤال عما في الناس ومشاركتهم أحوالهم في السراء والضراء..... إلى غير ذلك من الطاعات أو العبادات. ثانيا: أسباب التفريط في عمل اليوم والليلة: وللتفريط في عمل اليوم والليلة أسباب تؤدى إليه وبواعث توقع فيه نذكر منها: (1) التلطخ أو التدنس بالمعصية: بأن يكون المسلم غير محترس أو متحرز من المعصية لا سيما الصغائر تلك التي يستهين بها كثير من الناس ولا يولونها رعاية أو أهمية وحينئذ فلابد من العقاب ويكون العقاب بأمور كثيرة من بينها التفريط في عمل اليوم والليلة وصدق الله العظيم: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } وجاء عن الحسن البصري مرسلا قوله: لما نزلت هذه الآية { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر) وقال صلى الله عليه وسلم (لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وقرأ: { وما أصابكم من مصيبة }.. وقد وعى السلف مثل هذا السبب وأثره على عمل اليوم والليلة ونبهوا إليه كثيرا: هذا الضحاك يقول: ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن وهذا الحسن يسأله رجل قائلا: (يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهورى فما بالى لا أقوم؟ فقال ذنوبك قيدتك). وهذا الثوري يقول: (حرمت قام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل: وما ذاك الذنب؟ قال: رأيت رجلا يبكى فقلت في نفسي: هذا مراء)، وهذا كرز بن وبرة يدخل عليه بعض الناس وهو يبكى فيقول له: أتاك نعى بعض أهلك؟ فيقول: أشد فيقول له: وجع يؤلمك؟ فيقول: أشد فيقول له وما ذاك؟ فيجيبه: بابي مغلق وسترى مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته. وهذا أبو سلمان الدارانى يقول: (لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب) وهذا عابد عالم يقول: (كم من أكلة منعت قيام الليل وكم من نظرة منعت قراءة سورة وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة وكما أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات). وقد بين الحافظ ابن القيم كيف يؤدى هذا السبب إلى مثل هذا التفريط فقال (ومنها أي من آثار المعاصي حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان). (2) التوسع في المباحات: وقد يكون التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ذلك أن هذا التوسع يورث الركون والنوم والراحة الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى مثل هذا التفريط وقد سبق أن بينا ذلك بالتفصيل عند الحديث عن آفة الإسراف وحسبنا هنا قول الغزالى: (لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتتحسروا عند الموت كثيرا). (3) عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام: وقد يكون عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ذلك أن من لم يدرك أن نعم الله على العباد الظاهر منها والباطن والمعلوم منها وغير المعلوم شئ لا يكون ولا يحصى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } ومن غفل عن أن دوام هذه النعم إنما يكون بالشكر: { لئن شكرتم لأزيدنكم } ومن الشكر المواظبة على عمل اليوم والليلة من العبادات والطاعات من لم يدرك هذا كله وغفل عنه فإنه يقع منه لا محالة التفريط فيعمل اليوم والليلة وصدق الله { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }. قال الحسن البصري وأبوا العالية والسدى والربيع بن أنس: (إن الله يذكر من ذكره ويزيده من شكره ويعذب من كفره). وقال الحسن البصري أيضا في قوله { فاذكروني أذكركم }. قال: (اذكروني فيما أو جبت لكم على نفسي). وقال سعيد بن جبير: (اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي) وفي رواية (برحمتي). (4) الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة: وقد تكون الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة هي السبب في التفريط في هذا العمل فإن من غفل عن أنه بحوله وقوته ضعيف وإنه بحول الله وقوته قوى وأنه لابد له كي ينجح في أداء دوره والقيام بواجبه في هذه الأرض لابد من عون الله وتأييده ونصره وأن المواظبة على عمل اليوم والليلة هي التي تستجلب هذا العون وذلك التأييد والنصر: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } {وتزودا فإن خير الزاد التقوى }. {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا }. (وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذنى لأعيذنه.....ـ}. بل إنها هي التي تكون سببا في سكينة النفس وطمأنينة القلب: { ولقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن }. { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا....} من غفل قلبه عن كل ما قدمنا فإنه سيفرط لا محالة في عمل اليوم والليلة. 5- ضعف أو تلاشى التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة. وقد يكون ضعف أو تلاشى التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة هو السبب في هذا التفريط فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور الصحيح له وللمنافع أو الفوائد المرتبطة به. وعليه فمن لم يكتمل عنده التصور الصحيح لحقيقة الأجر المرتبط بعمل اليوم أو الليلة من أنه نجاة من أهوال وشدائد يوم القيامة. { وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون }. { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }. بل من أنه أي الأجر جنات فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفوق هذا رؤية الله، و التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم: { وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم }، { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }، { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة }، { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }. من لم يكتمل عنده التصور لحقيقة هذا الأجر فإنه يستلذ النوم و الراحة ويضن بالتعب و المجاهدة في سبيل الله و بالتالي يفرط في عمل اليوم و الليلة. وصدق العلامة ابن الجوزى حين قال: " من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف ". 6- نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد: وقد يكون نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة، ذلك أن من نسى أنه ميت لا محالة وإن طال الأجل: { كل نفس ذائقة الموت... }، { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون }. وأن هذا الموت أقرب إليه من شراك نعله: { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون } وأنه سيكون بعد هذا الموت شدائد وأهوال يشيب من هولها الولدان وتنخلع لها القلوب، ولا نجاة منها إلا بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة: { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً }، { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد }، { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع } من نسى ذلك كله كان منه هذا التفريط ولا شك. وقد ألمح إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل مصلاه فرأى ناساً كأنهم يكتشرون فقال: " أما إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى: الموت فأكثروا من ذكر هادم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، و أنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود..... ". 7- ظن بلوغ الكمال: وقد يكون ظن بلوغ الكمال هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة، ذلك أن الإنسان قد ينسى نفسه وينسى أنه مهما عمل وأطاع بالليل و النهار، فلن يستطيع شكر نعمة من نعم الله - تعالى - عليه، ويحمله هذا النسيان مع عوامل أخرى على ظن بلوغ الكمال، وحينئذٍ يقع منه التفريط في عمل اليوم و الليلة. ولعل هذا هو ما نفهمه من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله). ومما جاء عن عمر بن الخطاب-رضى الله تعالى عنه- إذ كان يقول: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا ". ومن قول لميمون بن مهران: " لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه ". 8- كثرة الأعباء و الواجبات: وقد تؤدى كثرة الأعباء و الواجبات إلى التفريط في عمل اليوم و الليلة، ذلك أن الإنسان في زحمة العمل، وفي إلحاح الأعباء و الواجبات قد يهمل في عمل اليوم و الليلة بحجة ضيق الوقت وضرورة الفراغ من هذه الأعباء وتلك الواجبات، ناسياً أو متناسياً أن زاده على الطريق للخروج من كل ما هو مطلوب منه إنما يكون بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة، إذ الوقت و الطاقات والإمكانات كلها ملك لله، وبيده سبحانه، وحين يرى من العبد إقبالاً عليه وتلذذاً بطاعته وذكره يمتن ويتفضل عليه بالبركة في الوقت و القوة في الإرادة و المضاء في العزيمة و السداد في الرأي: { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم }،{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدراً }. 9- التسويف: وقد يكون التسويف هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة، ذلك أن من تعود التسويف أو التأجيل تتراكم عليه الواجبات أو الأعباء، وحين يريد الخلاص أو الخروج منها تصبح ثقيلة أو شاقة عليه، وحينئذٍ لا يكون منه إلا التفريط أو التضييع ولعل هذا هو المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم: " بادروا بالأعمال الصالحات سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ". وقد وعى ذلك سلف الأمة - رضوان الله عليهم - فحرصوا على اقتناص الفرص واغتنام العمر قبل أن يضيع، وحسبنا هنا مقالة عمر - رضى الله تعالى عنه - " القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ". ومن وعظه صلى الله عليه وسلم لرجل بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك). 10- مشاهدة بعض ذوى الأسوة على حال من التفريط: وأخيراً... قد يكون مشاهدة بعض ذوى الأسوة و القدوة على حال من التفريط هي السبب في عدم المواظبة على عمل اليوم و الليلة، ذلك أن المسلم أحياناً ينظر إلى ذوى الأسوة و القدوة على أنهم نمط فريد من الناس، لا يمكن أن يقع منهم تفريط أو تقصير، وحين يطلع منهم أو من بعضهم على شئ من التفريط، فإن هذه النظرة قد تحمله على محاكاتهم، ناسياً أنه لا طاعة ولا محاكاة في المعصية، وإنما في المعروف فقط. ولعل هذا السبب هو المفهوم من تشديد الإسلام على عدم المجاهرة بالإثم، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه). ثالثاً: آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة: وللتفريط في عمل اليوم و الليلة آثار ضارة وعواقب مهلكة سواء على العاملين أو على العمل الإسلامي، ودونك بعض هذه الآثار: أ- آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة عل العاملين: من آثار التفريط في عمل اليوم والليلة على العاملين: 1- الاضطراب و القلق النفسي: ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون في المواظبة على عمل اليوم و الليلة، وعليه فإن من فرَّط في عمل اليوم و الليلة، فقد قطع عن القلب غذاءه ودواءه ومصدر سعادته وطمأنينته، وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً }، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً }. 2- القعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور: وذلك أن زاد المسلم على الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم و الليلة، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فقد بقى بغير زاد، ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب، أو على الأقل الفتور، وذلك فيه من الخطورة و الضرر ما فيه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). 3- الجرأة على المعصية: وذلك أن الطاعة الحقة بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين المعصية { وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر } وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن فلاناً يصلى بالليل فإذا أصبح سرق، فقال: " إنه سينهاه ما تقول "، وعليه فإنه إذا فرط فيها وضيعها أو أداها بشكلها لا بجوهرها وحقيقتها، فقد هدم هذا الحاجز وصارت الطريق مفتوحة أمامه للوقوع في المعاصي و السيئات، بصورة فيها جرأة أو لا مبالاة، ولعل هذا هو ما يشير إليه قول ابن عباس: " من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر،لم يزد بصلاته من الله إلا بعداً ". 4- الضعف أو الانهيار البدني: وذلك أن المواظبة على عمل اليوم و الليلة تكسب الجسم مناعة وقدرة على التحمل، كما قال - سبحانه - على لسان هود عليه السلام { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم }، وكما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة - عليهما السلام، إذ قال علىّ: إن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: " على مكانكما " فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: " ألا أدلكما على خير مما سألتما؟، إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم "، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فسيعتاد الاسترخاء و النوم، وذلك لا يعود على الجسد إلا بما فيه ضعفه وانهياره. 5- الحرمان من العون و التوفيق الإلهي: وذلك أن عون الله وتوفيقه لا يظفر بهما العبد إلا إذا كان على صلة طيبة بربه تتجلى في المواظبة على عمل اليوم و الليلة { إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون }، { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }، وإذا حدث وفرَّط المسلم في هذا العمل، فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذٍ يحرم العون و التوفيق، ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله سبحانه { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون }. 6- فقد الهيبة أو التأثير في الناس: وذلك أن من فرط في عمل اليوم و الليلة فقد ضيع أعظم سلاح يؤثر به في الناس، وسبى قلوبهم، وهذا بدهي لأنه بهذا التفريط ضيع منزلته عند ربه، ومن ضاعت منزلته عند ربه فقد ضاعت منزلته عند الناس. وقد أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العمل الإسلامي: ومن آثاره على العمل الإسلامي: 1- طول الطريق مع كثرة التكاليف: ذلك أن عملاً يضيِّع المنتسبون إليه حق الله - تبارك وتعالى - عليهم ستطول به الطريق وتتضاعف عليه التكاليف وتحيط به المحن و الشدائد من كل ناحية، لاسيما وأعداء الله ماضون في تنفيذ أساليبهم ومخططاتهم، ولا يتوانون عن ذلك لحظة من ليل أو نهار، وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله صالح عليه السلام {... فمن ينصرني من الله إن عصيته }. 2- عدم الثبات في ساعات المحن و الشدائد: وذلك أن المحن بطبيعتها قاسية وشديدة، لا يطيقها البشر بحولهم وقوتهم، وإنما لابد له من العون و التأييد الإلهي، وأنى لمن فرَّطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تحملاً أو ثباتاً، ولعل هذا هو المفهوم من قوله تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }، { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }، ومن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف). رابعاً: علاج التفريط في عمل اليوم و الليلة: وبعد هذا نستطيع علاج التفريط في عمل اليوم والليلة باتباع ما يلي: 1- معايشة الكتاب و السنة ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين، وعقاب العاصين، وماهية هذا الثواب، وذلك العقاب بل فيهما تحريض على ملازمة الطاعة وترك المعصية، من خلال التذكير باطلاع الله - سبحانه - وإحاطة علمه بكل شئ و الرجوع إليه و المساءلة بين يديه و الجزاء وحسب المسلم أن يقرأ هذه الآيات { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين }. 2- التحرر من المعاصي و السيئات لا سيما الصغائر فإنها سم قاتل، ونار محرقة وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها ". 3 - التوسط في تعاطى المباحات لاسيما المطاعم و المشارب، فإنها أساس كل بلية وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه). 4- إدراك دور المواظبة على عمل اليوم و الليلة في النجاح و القدرة على القيام بالأعباء و الواجبات، فإن ذلك يحرر النفس من التفريط ويحملها على المواظبة و الملازمة. 5- تقدير النعمة وإنها لن تدوم إلا بالطاعات، فإن ذلك يحرك النفوس المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم و الليلة، وفاء بحق الله وطمعاً في الاستمرار و الزيادة. 6- محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم و الليلة و القيام بالواجبات الأخرى: (إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، فأعط لكل ذي حق حقه). 7- مجاهدة النفس وأخذها بالحزم و الشدة، مع اتهامها بالتقصير ومع ترك التسويف، ومع تمنيتها بأنها إن تعبت اليوم، ستتمتع غداً بالنعيم المقيم، وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم. 8- تقدير العواقب والآثار المترتبة عل التفريط في عمل اليوم و الليلة، فلعل ذلك يحرك القلوب وتنعكس هذه الحركة على الجوارح فتكون المواظبة على عمل اليوم و الليلة. 9- ملازمة الجماعة، و العيش في وسط صالح مستقيم، فإن ذلك يذكر بالله ويشحذ الهمم و العزائم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخياركم؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: خياركم الذي إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل). 10- الاستعانة التامة بالله - عز وجل - فإنه سبحانه يعين من استعان به ولجأ إلى حماه ولاذ بجنابه، لاسيما في ساعات الاضطرار و الشدة { وقال ربكم ادعونى استجب لكم }، { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون }. 11- إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس وزراعة، وغداً سيكون الحصاد، ومعرفة النتائج، ولئن ضاعت الدنيا بغير طاعة، كانت الخسارة التي لا خسارة بعدها:{... إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين }. { وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم }. 12- مواظبة ذوى الأسوة و القدوة على عمل اليوم و الليلة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة وضياع غيرهم من الناس، فيحتملون إثم أنفسهم وإثم اقتداء غيرهم بهم: (... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). 13- معايشة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته، وكيف كان يصوم النهار حتى يقال إنه لا يفطر، ويقوم الليل حتى يقال إنه لا ينام، ومثل ذلك كان يصنع في باقي الطاعات، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إن هذه المعايشة تحمل كل مفرط في عمل اليوم و الليلة على المواظبة، من منطلق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع ذلك، وقد وعده الله المقام المحمود فكيف بمن لا يعرف عاقبته، وهل سيكون في الجنة أم مع أهل النار؟. 14- دوام النظر في سيرة وأخبار السلف، فإنها مليئة بصور حية مشرقة في المواظبة على عمل اليوم و الليلة، تحمل كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على الاقتداء و التأسي، أو على الأقل المحاكاة و التشبه. 15- تذكر الذنوب والآثام الماضية، فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل اليوم و الليلة تداركاً لما فات، وطمعاً في تكفير هذه الذنوب، وتلك الآثام، وخير ما يصدق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم وردهم عليه: { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى }. 16- تذكر أن الموت يأتي بغتة، وإذا لم يأت بغتة فسيسبقه المرض ثم يكون الموت، ويكون الندم ولكنه بعد فوات الأوان وضياع الفرصة.
مختارات