" الخُبْــث "
" الخُبْــث "
ذَمُّ الخُبْث والنهي عنه:
#### أوَّلًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ " [النور: 26].
قال قتادة في تفسير هذه الآية: (الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل) [جامع البيان،للطبرى].
وقال مجاهد: (القول السيئ للخبيثين من الرجال والنساء، والقول الحسن للطيبين من الرجال والنساء) [تفسير مجاهد].
(وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه:
الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال، عن ابن عباس ومجاهد والحسن.
والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال.
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال) [تفسير ابن فورك].
- قوله تعالى: " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ " [الأعراف: 157].
قال ابن عباس: (هو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله) [جامع البيان،للطبرى].
#### ثانياً: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى) [رواه البخارى ومسلم].
قال ابن القيم: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الخبث؛ لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه، وإن كان بمعناه تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال) [الطرق الحكمية].
- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ، انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا) ( [رواه البخارى ومسلم].
قال ابن حجر: (قوله: (خبيث النفس) أي: رديء النفس غير طيبها أي مهمومًا، وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي) كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون) [فتح البارى،لابن حجر].
#### أقوال السلف والعلماء في الخُبْث:
- قال أبو الدَّرداء: (ما لكم عباد الله لا تحابُّون وأنتم إخوانٌ على الدِّين، ما فرَّق بين أهوائكم إلَّا خُبْث سرائركم، ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم، ما هذا إلَّا مِن قلَّة الإيمان في صدوركم، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرِّها، كما توقنون بأمر الدُّنيا، لكنتم للآخرة أطْلَب، فبئس القوم أنتم إلَّا قليلًا منكم، ما حقَّقتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ، فنبرأ منكم) [رواه بنحوه ابن أبى الدنيا فى ذم الدنيا].
- وقال ابن جماعة الكِنَاني: (لا يصحُّ العلم -الذي هو عبادة القلب- إلَّا بطهارته عن خُبْث الصِّفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها) [تذكرة السامع والمتكلم].
- وقيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله) [الذريعة إلى مكارم الشريعة،للراغب الأصفهانى].
- وقيل: (آفة الملوك سوء السِّيرة، وآفة الوزراء خُبْث السَّريرة، وآفة الجُنْد مفارقة القادة).
- وقيل - أيضًا-: (أربعة لا يثبت معها مُلْكٌ: غِشُّ الوزير، وسوء التَّدبير، وخُبْث النِّيَّة، وظُلْم الرَّعيَّة).
#### من آثار الخُبْث:
1- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ) [إحياء علوم الدين].
2- الخُبْث سببٌ للحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه) [فيض القدير].
3- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
(وأمَّا خُبْث النَّفس وشُحُّها على عباد الله، فإنَّك تجد مِن النَّاس مَن لا يشتغل برئاسة ولا تَكَبُّر، وإذا وُصِف عنده حُسْن حال عبدٍ مِن عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شَقَّ عليه ذلك، وإذا وُصِف له اضطراب أمور النَّاس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويَبْخَل بنعمة الله على عباده، كأنَّهم يأخذون ذلك مِن ملكه وخزانته.
وقد قال بعض العلماء: البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته) [مختصر منهاج القاصدين،لابن قدامة المقدسى].
4 - الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
قال أبو طالب المكي: (مع الخبث والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة) [قوت القلوب].
#### من الوسائل المعينة على التَّخلُّص مِن خُبْث النَّفس:
1 - الدُّعاء بأن يرفع الله منه هذا الخُلُق السَّيِّئ:
والدُّعاء مِن أقوى الأسباب المعينة للتَّخلُّص مِن هذه الصِّفة المذمومة.
2 - الرَّغبة في الأجر والثَّواب الذي يحصل بسبب سلامة الصَّدر:
وقد جاء الحديث في فضل سلامة الصدر ونقاء الطوية، من كون صاحبها من أهل الجنة.
3 - أن يجاهد نفسه على أن يكون نقيَّ القلب:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله ! أيُّ النَّاس أفضل؟ قال: (كلُّ مَخْمُوم القلب صدوق اللِّسان، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْمُوم القلب؟ قال: هو التَّقيُّ، النَّقيُّ، لا إثم فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ) [صححه الألبانى فى صحيح ابن ماجه].
4 - التَّربية منذ الصِّغر على حبِّ الخير للنَّاس.
5 - مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة.
#### أقسام الناس من حيث الطيب والخبث:
قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض) [الوابل الصيب].
مختارات