" الجدال والمراء "
" الجدال والمراء "
ذم الجدال والمراء والنهي عنهما:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى: " فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ " [البقرة: 197].
وعن ابن مسعود في قوله: " وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ " قال: (أن تماري صاحبك حتى تغضبه) [رواه الطبرى فى تفسيره] وعن ابن عباس: (الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك) [رواه الطبرى فى تفسيره] وعن ابن عمر: (الجدال المراء والسباب والخصومات) [رواه الطبرى فى تفسيره].
وقال السدي: (قد استقام أمر الحجِّ فلا تجادلوا فيه) [جامع البيان].
وقال الطبري: (اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدًا، ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه) [رواه الطبرى فى تفسيره].
- وقال جلَّ شأنه: " وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ " [البقرة: 204].
قال العيني: (أي: شديد الجدال، والخصومة، والعداوة للمسلمين) [عمدة القارى].
قال مقاتل: (يقول جدلًا بالباطل) [تفسير مفاتل].
وقال الطبري: أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك [رواه الطبرى فى تفسيره].
- وقال تعالى: " هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [آل عمران: 66].
قال الطبري: (يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ها أنتم: هؤلاء القوم الذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل الله من عنده، وفي غير ذلك مما أوتيتموه، وثبتت عندكم صحته، فلم تحاجُّون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علم) [جامع البيان].
قال الشوكاني: (وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحقِّ) [فتح القدير].
وقال السعدي: (وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأنَّ من تكلَّم بذلك فهو متكلِّم في أمر لا يمكَّن منه، ولا يسمح له فيه) [تيسير الكريم الرحمن].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ " [الزخرف: 58]) [حسنه الألبانى فى صحيح الجامع].
قال القاري: (والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال، وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عنادًا أو جحودًا، وقيل: مقابلة الحجة بالحجة، وقيل: المراد هنا العناد، والمراء في القرآن ضربُ بعضه ببعض؛ لترويج مذاهبهم، وآراء مشايخهم، من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق، وذلك محرم، لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحقِّ فإنه فرض كفاية) [مرقاة المفاتيح].
وقال المناوي: (أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعًا، إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم، ولا يقضى فيه بضرس قاطع، وليس فيه اتباع للبرهان، ولا تأول على النصفة، بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حقٍّ وباطل) [فيض القدير].
وقال البيضاوي: (المراد بهذا الجدل العناد، والمراء، والتعصب) [قوت المغتذى،للسيوطى].
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم) [رواه البخارى ومسلم].
قال الصنعاني: (أي: الشديد المراء، أي الذي يحجُّ صاحبه) [سبل السلام].
وقال المهلب: (لما كان اللدد حاملًا على المطل بالحقوق، والتعريج بها عن وجوهها، والليِّ بها عن مستحقيها، وظلم أهلها؛ استحقَّ فاعل ذلك بغضة الله وأليم عقابه) [شرح صحيح البخارى،لابن بطال].
وقال النووي: (والألدُّ: شديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنَّه كلما احتجَّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حقٍّ، أو إثبات باطل) [شرح النووى على مسلم].
#### أقوال السلف والعلماء في الجدال والمراء:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا تمارِ أخاك؛ فإنَّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تُؤمَن غائلته [جامع الأصول،لابن الأثير].
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء، والمرء صادق) [الزهد،لهناد].
- وقال أبو الدرداء: (كفى بك إثمًا أن لا تزال مماريًا) [رواه الدارمى].
- وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء، وهو يعلم أنَّه صادق، ويترك الكذب في المزاحة) [الرهد،لأحمد بن حنبل].
- ورُوي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: (إذا أحببت أخًا فلا تماره) [صحح إسناده الألبانى فى صحيح الأدب المفرد].
- وقال مالك بن أنس: (المراء يقسِّي القلوب، ويُورث الضغائن) [إحياء علوم الدين،للغزالى].
- وقال أيضًا: (كلما جاء رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد عليه السلام لجدله) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
- وقال أيضًا: (ليس هذا الجدل من الدين بشيء) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
#### من آثار الجدال والمراء:
1- الجدال والمراء غير المحمود من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
2- قد يؤدي الجدال الباطل إلى تكفير الآخرين أو تفسيقهم.
3- يدعو إلى التشفي من الآخرين.
4- يذكي العداوة، ويورث الشقاق بين أفراد المجتمع.
5- يقود صاحبه إلى الكذب.
#### أقسام الجدال:
ينقسم الجدال إلى قسمين:
1- الجدال المحمود:
وهو الذي يكون الغرض منه تقرير الحقِّ، وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه، وقد جاءت نصوص تأمر بهذا النوع من الجدال، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الجدال في قوله تعالى: " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " [النحل: 125] وقال جلَّ في علاه: " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ " [العنكبوت: 46].
- الجدال المذموم:
هو الجدال الذي يكون غرضه تقرير الباطل بعد ظهور الحقِّ، وطلب المال والجاه، وقد جاءت الكثير من النصوص والآثار التي حذَّرت من هذا النوع من الجدال ونهت عنه، ومن هذه النصوص:
قوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ " [الحج: 3].
وقوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ " [الحج: 8].
وقوله سبحانه: " مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ " [غافر: 4].
وقال صلى الله عليه وسلم: (المراء في القرآن كفر) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع].
وقال ابن عثيمين: (المجادلة والمناظرة نوعان:
النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء، ويجاري العلماء، ويريد أن ينتصر قوله؛ فهذه مذمومة.
النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه؛ فهذه محمودة مأمور بها) [العلم].
#### من آداب الجدال المحمود [وسائل الدعوة،لعبد الرحيم المغذوى،بتصرف]:
هناك جملة من الآداب ينبغي لمن أراد الجدال أن يتحلَّى بها، ومنها:
1- النية الصادقة في نصرة الحق، والدعوة إلى دين الله تعالى، وترك الرياء والسمعة، أو طلب الجاه والرفعة.
2- العلم الصحيح المستفاد من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح.
3- رد الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله.
4- تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.
5- التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال؛ من القول المهذب، واحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص، أو لمزهم والاستهزاء بهم.
6- أن تكون غايتك إظهار الحق، وإقناع الناس به، مع الابتعاد عن الباطل أو تلبيسه على الناس.
7- تقديم الأهم فالأهم من الحجج، والبينات، والأدلة المفحمة للخصم، بقصد الإقناع وإظهار وجه الصواب.
8- مجانبة إطالة الكلام، وغرابة الألفاظ، أو خروجها عن صلب الموضوع.
نماذج من الجدال المحمود:
#### أولًا: من القرآن الكريم:
1- مجادلة نوح عليه السلام قومه في دعوتهم إلى عبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، قال تعالى: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ " [هود: 25-33].
2- مجادلة إبراهيم لأبيه وقومه لإثبات الحق، وإظهار بطلان الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وأنها لا تضرُّ ولا تنفع، قال الله تعالى: " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ " [الأنعام: 74-83].
#### ثانيًا: من السنة النبوية:
والأمثلة من السنة على الجدال المحمود كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال:
1- المجادلة التي دارت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين أبي بكر رضي الله عنه، في صلح الحديبية: فعن شقيق بن سلمة قال: (قام سهلُ بنُ حنيفٍ يومَ صفِّينَ فقال: أيها الناسُ ! اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ الحديبيةِ. ولو نرى قتالًا لقاتلنا. وذلك في الصلحِ الذي كان بين رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبين المشركين، فجاء عمرُ بنُ الخطابِ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟ قالا (بلى) قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟ قال (بلى) قال: ففيمَ نُعطي الدنيَّةَ في ديننا، ونرجعُ ولما يحكم اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال (يا ابنَ الخطابِ ! إني رسولُ اللهِ. ولن يُضيِّعني اللهُ أبدًا) قال: فانطلق عمرُ فلم يصبر متغيِّظًا. فأتى أبا بكرٍ فقال: يا أبا بكرٍ ! ألسنا على حقٍّ وهم على باطلٍ؟ قال: بلى،قال: أليس قتلانا في الجنةِ وقتلاهم في النارِ؟ قال: بلى. قال: فعلام نُعطي الدنيَّةَ في ديننا، ونرجعُ ولما يحكمُ اللهُ بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابنَ الخطابِ ! إنَّهُ رسولُ اللهِ ولن يُضيِّعَه اللهُ أبدًا، قال: فنزل القرآنُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالفتحِ، فأرسل إلى عمرَ فأقرأَه إياهُ، فقال: يا رسولَ اللهِ ! أو فتحٌ هوَ؟ قال (نعم) فطابت نفسُه ورجع.) [رواه مسلم].
2- الجدال الذي دار بين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وبين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، قال ابن كثير: قال ابن إسحاق: (فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطًا، وأقام المشركون يحاصرونه بضعًا وعشرين ليلة قريبًا من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل، فلما اشتدَّ على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بدَّ لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كلِّ جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرًى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزَّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا) [انظر السيرة النبوية،لابن كثير].
#### حكم وأمثال في الجدال والمراء:
- دع المراء لقلَّة خَيره [جمهرة اللغة،لابن دريد].
-دع المراء، وإن كنت محقًّا [مجمع الأمثال،للميدانى].
- من ترك المراء سلمت له المروءة [مجمع الأمثال،للميدانى].
#### من أقوال الحكماء:
- قال محمد بن الحسين: (وعند الحكماء: أنَّ المراء أكثره يغيِّر قلوب الإخوان، ويُورث التفرقة بعد الألفة، والوحشة بعد الأنس) [أخلاق العلماء،للآجرى].
وصايا ونصائح في التحذير من الجدال والمراء:
- قال لقمان: (يا بنيَّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصاحب الصالح يغنم) [مكارم الأخلاق،للخرائطى].
- وقال أيضًا: (لا تمارينَّ حكيمًا، ولا تجادلنَّ لجوجًا، ولا تعاشرنَّ ظلومًا، ولا تصاحبنَّ متَّهمًا) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
- وقال أيضًا: (يا بني، من قصر في الخصومة خصم، ومن بالغ فيها أثم، فقل الحق ولو على نفسك، فلا تبال من غضب) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
- ويقال: (لا تمارِ حكيمًا ولا سفيهًا؛ فإنَّ الحكيم يغلبك، والسفيه يؤذيك) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
مختارات