" التقليد والتبعية "
" التقليد والتبعية "
ذمُّ التقليد والتبعية والنهي عنهما:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ " [البقرة: 170-171].
قال السعدي: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله - ممَّا تقدَّم وصفه - رغبوا عن ذلك، وقالوا: " بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا " فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة - لردِّ الحقِّ - واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا.
ثمَّ قال تعالى: " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ " [البقرة: 171].
لـمَّا بيَّن تعالى عدم انقيادهم لِمَا جاءت به الرُّسل، وردَّهم لذلك بالتَّقليد، عُلِم مِن ذلك أنَّهم غير قابلين للحقِّ، ولا مستجيبين له، بل كان معلومًا لكلِّ أحدٍ أنَّهم لن يزُولُوا عن عنادهم، أخبر تعالى أنَّ مَثَلَهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان، كمَثَل البهائم التي ينعِق لها راعيها، وليس لها علمٌ بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرَّد الصَّوت الذي تقوم به عليهم الحجَّة، ولكنَّهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم، فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحقَّ سماع فهمٍ وقبول، عُمْيًا لا ينظرون نظر اعتبار، بُكْمًا فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم [تيسير الكريم الرحمن].
وقال القرطبي: (قال علماؤنا: وقوَّة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التَّقليد، ونظيرها: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا " [المائدة: 104] الآية) [الجامع لأحكام القرآن].
- وقال تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ " [المائدة: 104].
أي: إذا دُعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرَّمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِن الطَّرائق والمسالك، قال الله تعالى: " أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا " أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم والحالة هذه؟! لا يتَّبعهم إلَّا مَن هو أجهل منهم، وأضلُّ سبيلًا [تفسير القرآن العظيم].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن عدي بن حاتم: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ألق هذا الوثن من عنقك، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ " [التوبة: 31] قال: قلت: يا رسول الله، إنا لم نتخذهم أربابًا، قال: بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرموه عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ فقلت: بلى، قال: تلك عبادتهم) [حسنه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى].
#### أقوال السَّلف والعلماء في التقليد والتبعية:
- عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه كان يقول: (اغْدُ عالما أو متعلِّمًا، ولا تَغْد إمَّعة فيما بين ذلك) [صححه ابن القيم فى إعلام الموقعين].
- وعنه - أيضًا - قال: (أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر ؛ وإن كنتم لا بدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة) [قال الهيثمى فى مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح].
- وعنه - أيضًا - قال: (لا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قالوا: وما الإمَّعة؟ قال: يجري مع كلِّ ريح) [ذكره الغزالى فى إحياء علوم الدين].
- وقال الخلَّال: وأخبرني حرب بن إسماعيل الكِرْماني، قال: (قلت لإسحاق - يعني ابن راهوية - ما معنى قوله: (لا يكون أحدكم إمَّعة)؟ قال: يقول: إن ضلَّ النَّاس ضللت، وإن اهتدوا اهتديت) [شرح السنة].
- قال عبد الله بن مسعود: (ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ) [المعجم الكبير،للطبرانى].
- وفي رواية: (إذا وقع النَّاس في الفتنة فقل: لا أسوة لي بالشَّرِّ) [المعجم الكبير،للطبرانى].
- وعن الفضيل بن عياض قال: (اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرُّك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين) [الصواعق المرسلة،لابن القيم].
#### من آثار التقليد والتبعية [انظر:التقليد والتبيعية فى القرآن الكريم،لجمال سعد أحمد].
1- التفرق والميل عن سبيل الله:
قال تعالى: " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأنعام: 153].
2- الخذلان وفقدان النصير:
قال تعالى: " وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ " [البقرة: 120].
3- التلاعن بين الأتباع والمتبوعين:
قال تعالى: " قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ " [الأعراف: 38-39].
4- التبرؤ والحسرة:
قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " [البقرة: 165-167].
#### من صور التقليد والتبعية:
1- الذي يقلِّد غيره في أصل عقيدته، كما فعل قوم إبراهيم وغيرهم:
قال تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ " [المائدة: 104].
2- الذي يقلِّد غيره في أخلاقه ولو ساءت، كما ذكر الله تعالى عن أهل الجاهلية في قوله: " وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " [الأعراف: 28].
3- الإمَّعة في فروع الدِّين، ومِن ذلك: التَّعصُّب المذهبي:
كالذي يقلِّد غيره في العبادات حتى لو أخطأ وظهر له الدَّليل على خطئه، كما في التَّعصُّب المذهبي.
4- التَّشبُّه بالكفَّار في عاداتهم وتقاليدهم، وهذا واضح في تقليد كثير مِن المسلمين لغيرهم في كثير مِن العادات والتَّقاليد، حتى حقَّقوا في ذلك وصف الإمَّعة، إليك بعض الأمثلة:
عيد الأمِّ، عيد شمِّ النَّسيم، عيد الحبِّ... وغيرها. فكلُّ ذلك مِن العادات التي غالبًا ما يُسأل عنها فاعلوها، فيقولون: هكذا يفعل النَّاس !! وقد سُئل محمَّد بن صالح العثيمين السُّؤال التَّالي: (انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحبِّ -خاصة بين الطَّالبات- وهو عيد مِن أعياد النَّصارى، ويكون الزيُّ كاملًا باللَّون الأحمر - الملْبَس والحذاء -، ويتبادلن الزُّهور الحمراء، نأمل مِن فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور، والله يحفظكم ويرعاكم؟. فأجاب: الاحتفال بعيد الحبِّ لا يجوز؛ لوجوه:
الأوَّل: أنَّه عيدٌ بدعيٌّ لا أساس له في الشَّريعة.
الثَّاني: أنَّه يدعو إلى العشق والغرام.
الثَّالث: أنَّه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التَّافهة المخالفة لهدي السَّلف الصَّالح - رضي الله عنهم -.
فلا يحلُّ أن يحدث في هذا اليوم شيء مِن شعائر العيد، سواءً كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التَّهادي، أو غير ذلك، وعلى المسلم أن يكون عزيزًا بدينه، وأن لا يكون إمَّعة يتبع كلَّ ناعق) [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين].
#### من أساب الوقوع في التقليد والتبعية:
1- تربية الأبناء على التَّبعيَّة لغيرهم في كلِّ شيء، وعدم مشاركتهم في شيء.
2- فقدان الثِّقة بالنَّفس.
3- الجهل.
4- الغلوُّ في الأشخاص.
5- اتباع الهوى والشبهات.
#### الوسائل المعينة على ترك التقليد والتبعية [التقليد والتبيعية فى القرآن الكريم،لجمال سعد أحمد].
1- الاعتبار بمصارع القرون الأولى:
قال تعالى: " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا " [العنكبوت: 40].
2- اتباع القدوة الحسنة:
قال تعالى: " أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ " [الأنعام: 90].
3- إظهار الصورة المنفرة للمقلدين:
قال سبحانه: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " [الأعراف: 179].
مختارات