" الاهتمام بالأسرة وذوي القربى "
" الاهتمام بالأسرة وذوي القربى "
ومن أسمى وسائل حفظ الأوقات والاستفادة منها في الخير الاهتمام بالأهل وذوي القربى؛ ويشمل ذلك بر الوالدين وخدمتهما والإحسان إلى الأهل وتربية الأبناء، وصلة الأرحام؛ فإن هذه الأعمال من أهم ما ينبغي الاشتغال به وصرف العمر فيه وحفظ الأوقات.
2- خدمة الوالدين: فإن من تمام الإحسان بالوالدين أن يحفظ المسلم وقته في خدمتهما كلما تيسر له ذلك، وإنما يكون ذلك بتفقُّد أحوالهما وما يحتاجان إليه من خدمات مادية واجتماعية؛ وإن لم يصرحا بذلك قولا؛ إلا أن المسلم البار اللبيب هو من يفقه حاجتهما ويلبي رغباتهما ومحابهما من غير سؤال ولا أمر ولا طلب.
قال تعالى: " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [النساء: 36] وقال: " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ " [لقمان: 14].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: " أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ " قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»(رواه البخاري ومسلم).
وهذا الحديث يدلُّ على أمرين عظيمين فيما يخص الأوقات والأعمال وهما:
1- أن حفظ الأوقات يجب أن يكون أوَّلًا في أداء الفرائض وأهمها الصلاة، وهذا الذي أشرنا إليه في الوسيلة الأولى من هذا الكتاب.
2- أن بر الوالدين يأتي في الدرجة الثانية في حفظ الأوقات؛ فلا ينبغي صرف الأوقات بعد أداء الفرائض في عمل يقدم على برِّ الوالدين وخدمتهما. ويشمل حفظ الأوقات في برهما ما يلي:
1- تفقُّد أحوالهما بالزيارة والسؤال.
2- القيام بالأعمال التي تجلب لهما البهجة والسرور.
3- العمل على كسوتهما وإطعامهما متى احتاجا إلى ذلك؛ لا سيما إذا كبرا ولم يكن هناك من يسهر على إطعامهما وكسوتهما؛ فيجب على المسلم الصبر ومجاهدة النفس في التفرغ لمصالحهما أيًّا كان نوعها أو شكلها، دون تأفُّف أو ضجر؛ ما لم يكن في ذلك معصية.
4- امتثال أمرهما واجتناب نهيهما بالمعروف.
5- إجابة دعوتهما وبسط الجناح لهما وتطييب الحديث والكلام معهما.
أخي الكريم: واعلم أن أوقاتك التي تقضيها في هذا البر والإحسان هي أوقات جهاد عظيم، وأن صبرك على هذا الجهاد أعظم من صبرك على صولة العدو وبطشه، وفتنة السيف وطيشه؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال ففيهما فجاهد» (رواه البخاري ومسلم).
3- الاهتمام بالزوج: والعاقل هو من يصرف اهتمامه إلى بيته، فيقتطع من وقته جزءًا كافيًا لتفقُّد أحوال أهله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
وقد كان تفقُّد الأهل والعشيرة دأب النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يتفقد أحوال أزواجه ويجمعهم على طعامهم، ويبذل لهم من وقته وجهده على كثرة أشغاله واهتماماته صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر ينطبق على النساء كما ينطبق على الرجال؛ فإن أهم ما تصرف الأخت المسلمة عمرها فيه أن تسهر على راحة زوجها وخدمته؛ فإن رضا الله عنها في رضاه؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة » (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
4- التربية والتوجيه: والعمل على تربية الأبناء وتوجيههم للخير والفضائل من المهمات الجليلة التي يجب عليك - أخي الكريم - أن تحفظ أوقاتك فيها؛ فهم أمانة استرعاك الله فيها وابتلاك بها؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (رواه البخاري ومسلم).
فاحرص على تعليم أبنائك الصلاة وسائر العبادات ودلَّهم على طريق الخير وحذرهم من منكرات الأفعال والأقوال، وإياك أن تشغل عنهم فينهدم بيتك بعد جهد وبناء.
5- صلة الأرحام: ومن وسائل حفظ الأوقات واستثمارها صلة الرحم وذوي القربى؛ فإنها من أعظم القربات وأجلِّها، ومن أينعها ثمارًا في الدنيا والآخرة؛ فهي مجلبة للرزق مباركة للعمر؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (رواه البخاري ومسلم).
فاحرص - أخي الكريم - على بذل أوقاتك في هذه الطاعات، واجعلها نصب عينيك كلما تيسر لك الأمر.
مختارات