" النزاهــة "
" النزاهــة "
النزاهة في الكتاب والسنة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " [المدَّثر: 4].
قال ابن عبد البر: (تأوَّلوا قوله تعالى: " وثيابك فطهِّر " على ما تأوَّله عليه جمهور السَّلف، من أنَّها طهارة القلب، وطهارة الجيب، ونزاهة الـنَّفْس عن الدَّنايا والآثام والذُّنوب) [الاستذكار،لابن عبد البر].
- قال تعالى: " ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [البقرة: 222].
قال الرَّازي: (أمَّا قوله تعالى: يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ففيه وجوه أحدها: المراد منه الـتَّنْزِيه عن الذُّنوب والمعاصي؛ وذلك لأنَّ التَّائب هو الذي فعله ثمَّ تركه، والمتَطَهِّر هو الذي ما فعله تَنَزُّهًا عنه، ولا ثالث لهذين القسمين، واللَّفظ مُحْتمل لذلك؛ لأنَّ الذَّنب نجاسة روحانيَّة، ولذلك قال: " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ " [التَّوبة: 28] فتركه يكون طهارة روحانيَّة، وبهذا المعنى يُوصَف الله تعالى بأنَّه طاهر مُطَهَّر؛ من حيث كونه مُنَزَّهًا عن العيوب والقبائح) [تفسير الرازى].
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مُشَبَّهات، لا يعلمها كثير من النَّاس، فمن اتَّقى المشَبَّهات، استبرأ لدينه وعِرْضه، ومن وقع في الشُّبهات، كرَاعٍ يرعى حول الحِمَى، يوشك أن يُوَاقعه، أَلَا وإنَّ لكلِّ ملك حِمَى، أَلَا إنَّ حِمَى الله في أرضه محارمه، أَلَا وإنَّ في الجسد مُضْغة، إذا صَلُحَت، صَلُح الجسد كلُّه، وإذا فَسَدَت، فَسَد الجسد كلُّه، أَلَا وهي القلب) [رواه البخارى ومسلم].
قال ابن رجب: (من اتَّقى الأمور المشْتبَهة عليه، التي لا تتبيَّن له: أحلال هي أو حرام؟ فإنَّه مُسْتَبرئ لدينه، بمعنى: أنَّه طالبٌ له البَرَاء والـنَّزَاهَة مما يُدَنِّسه ويُشِينه) [فتح البارى].
- وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما (أنَّ صفيَّة - زوج النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم - أخبرته: أنَّها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة، ثمَّ قامت تَنْقلب، فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم معها يَقْلِبها، حتى إذا بلغت باب المسجد - عند باب أمِّ سَلَمة - مرَّ رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النَّبي صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِكما، إنَّما هي صفيَّة بنت حُيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله ! وكَبُر عليهما، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدَّم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا) [رواه البخارى ومسلم].
قال الماوردي: (هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبعد خلق الله من الرِّيَب وأصونهم من التُّهم... فكيف من تخالجت فيه الشُّكوك، وتقابلت فيه الظَّنون؟ فهل يَعْرى مَن في مواقف الرِّيَب مِن قادح محقَّق، ولائم مُصدَّق؟) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
#### أقوال السَّلف والعلماء في النَّزَاهَة:
- قال عمر بن عبد العزيز: (إذا كان في القاضي خمس خصال، فقد كَمُل: علمٌ بما كان قَبله، ونَزَاهةٌ عن الطَّمع، وحِلْمٌ عن الخَصْم، واقتداءٌ بالأئمة، ومُشَاورة أهل العلم والرأي) [العقد الفريد،لابن عبد ربه].
- وقال ابن حزم: (نَزَاهة النَّفس، وهذه صفة فاضلة مُتَرَكِّبة من النَّجدة والجود والعدل والفهم؛ لأنَّه فَهِم قلَّة الفائدة في استعمال ضدِّها، فاستعملها، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزَّة نفسه، فتنزَّه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس، فلم يهتمَّ لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل، حببت إليه القُنوُع وقلَّة الطَّمع) [رسائل ابن حزم].
- وقال ابن الجوزي: (دليل كمال صورة الباطن، حُسن الطَّبائع والأخلاق، فالطَّبائع: العِفَّة والنَّـزَاهَة والأنَفَة من الجهل، ومُبَاعدة الشَّرَه، والأخلاق: الكَرَم والإيثار وسَتْر العيوب، وابتداء المعروف، والحِلْم عن الجاهل. فمن رُزِق هذه الأشياء، رَقَّته إلى الكمال وظهر عنه أشرف الخِلال وإن نقصت خُلَّة أوجبت النَّقص) [صيد الخاطر].
#### من فوائد النَّزَاهَة:
1- النَّزَاهَة طاعة لله سبحانه وتعالى.
2- النَّزَاهَة تحفظ النَّفس عن الانزلاق والانحراف.
3- النَّزَاهَة خُلُق يثمر أخلاقًا أخرى، كالقناعة والورع.
4- النَّزاهَة من ثمارها: محبَّة الله للعبد، ومِن ثَمَّ محبَّة النَّاس له.
5- المتحلِّي بالنَّزاهَة، يتحلَّى بخُلُق تحلَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- النَّزاهَة سبب من أسباب التَّقوى.
#### أقسام النَّزَاهَة:
قَسَّم الماوردي النَّزَاهَة إلى قسمين، فقال: (النَّزاهة نوعان: أحدهما: النَّزاهة عن المطامع الدَّنيَّة.
والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة.
#### من صور النَّزاهَة:
1- التَّنَزُّه عن المال المشبوه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر غلام يُخْرج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل من خَراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِن الكَهَانَة، إلَّا أنِّي خدعته، فلقيني، فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه) [رواه البخارى].
2- التَّنَزُّه عن مواقف الرِّيبة:
وقد تقدم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتته صفية تزوره في المسجد، وهو معتكف، ثم خرج ليوصلها، فرآه رجلان من الأنصار، فسلما عليه، فقال لهما النَّبي صلى الله عليه وسلم: (على رِسْلِكما، إنَّما هي صفيَّة بنت حُيي) [رواه البخارى ومسلم] خوفًا من أن يقذف الشيطان في قلبيهما شيئًا فيهلكا.
#### من موانع اكتساب النَّزَاهَة:
1- الطَّمع في الدُّنْيا ونسيان الآخرة.
قال ابن حزم: (ولولا الطَّمع، ما ذلَّ أحدٌ لأحدٍ) [رسائل ابن حزم].
2- الشَّرَه، وحبُّ التَّوسُّع في جمع الأموال.
3- الجبن؛ لأنَّه يُولِّد المهَانَة والذُّلَّ.
4- البخل والشُّحُّ؛ لأنَّه يُوَلِّد الطَّمع.
#### من الوسائل المعينة على اكتساب النَّزَاهَة:
1- الدُّعاء:
كان من دعائه صلى الله عليه وسلم الهِدَاية إلى أحسن الأخلاق، فكان يقول: (واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنِّي سيِّئها، لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت) [رواه مسلم].
2- القناعة والبُعْد عن الطَّمع:
عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقَنَّعه الله) [رواه مسلم].
وقال ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَه) [فتح البارى].
3- النَّجدة والجود والعدل:
قال ابن حزم: (نَزَاهة النَّفس، وهذه صفة فاضلة مُتَـرَكِّبة من النَّجدة والجود والعدل والفهم؛ لأنَّه فَهِم قلَّة الفائدة في استعمال ضدِّها، فاستعملها، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزَّة نفسه، فتنزَّه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس، فلم يهتمَّ لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل، حبَّبت إليه القُنوُع وقلَّة الطَّمع. فإذًا نَزَاهة النَّفس مُتَـرَكِّبةٌ من هذه الصِّفات) [رسائل ابن حزم].
#### نماذج للنَّزَاهة من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنِّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التَّمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثمَّ أخشى أن تكون صدقة، فألقيها) [رواه البخارى ومسلم].
#### نماذج للنَّزَاهة من حياة السلف:
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: (لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال: يا عائشة، انظري اللَّقحة التي كنَّا نشرب من لبنها، والجَفْنة التي كنَّا نصْطَبح فيها، والقطيفة التي كنَّا نلبسها، فإنَّا كنَّا ننتفع بذلك حين كنَّا في أمر المسلمين، فإذا مِت فاردديه إلى عمر، فلمَّا مات أبو بكر رضي الله عنه، أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: رضي الله عنك يا أبا بكر، لقد أتعبت من جاء بعدك) [رواه الهيثمى فى مجمع الزوائد،رجاله ثقات].
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن عمر رضي الله عنه قال: (إنَّه لا أجده يحلُّ لي أن آكل من مالكم هذا، إلَّا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزَّيت، والخبز والسَّمن، قال: فكان ربَّما يُؤْتى بالجَفْنة قد صُنعت بالزَّيت، وممَّا يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم، ويقول: إنِّي رجل عربي، ولست أستمري الزَّيت) [الورع،لابن أبى الدنيا].
- وعن زيد بن أسلم: (أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا اللَّبن؟ فأخبره أنَّه ورد على ماء قد سمَّاه، فإذا نَعَمٌ من نَعَمِ الصَّدقة، وهم يسقون، فحلبوه لي مِن ألبانها، فجعلته في سقائي، وهو هذا، فأدخل عمر يده فاستقاءه) [رواه الهيثمى فى مجمع الزوائد،رجاله ثقات].
سالم بن عبد الله بن عمر:
- دخل هشام بن عبد الملك إلى الكعبة، فإذا هو بسالم، فقال له: سَلْني حاجتك. فقال: إنِّي أستحي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلمَّا خرجا منها، قال: الآن قد خرجت منها فاسأل، فقال: والله ما سألت الدُّنْيا ممن يملكها، فكيف أسأل فيها من لا يملكها؟ [الورافى للوفيات،للصفدى].
مختارات