" معاناة الآباء في تربية الأبناء "
" معاناة الآباء في تربية الأبناء "
لا يستطيع إنسان أن يحصي حق الآباء على الأبناء أو يقدره فهو أمر فوق الوصف أو الحصر، خصوصا الأم لما تحملته من آلام كثيرة، فقد حملته في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن، حملته كرها ووضعته كرها، ولا يزيدها نموه إلا ثقلا وضعفا، وعند الوضع ترى الموت بعينيها، ولكن إذا بصرت به إلى جانبها سرعان ما تنسى كل آلامها وتعلق عليه جميع آمالها بعد الله، ترى فيه بهجة الحياة وزينتها، ثم تشتغل بخدمته ليلها ونهارها، طعامه درها وبيته حجرها، ومركبه يداها وصدرها وظهرها، تحيطه وترعاه، تجوع ليشبع هو وتسهر لينام، فهي به رحيمة وعليه شفيقة، وتميط عنه الأذى وهي تتمنى بقائه، تذبل لذبول وليدها، وتغيب بسمتها إن غابت ضحكته، وتذرف دموعها إن اشتد توعكه، وتحرم نفسها الطعام والشراب إن صام عن لبنها، وتلقي نفسها لتنقذ وليدها، وتتحمل من الذل والشقاء أمثال الجبال كي يحيى ويسعد.
هذه هي الأم وما تعانيه من أجل وليدها لذلك جعل الله الجنة تحت قدميها، وجعل حقها على الأبناء ثلاثة أضعاف حق أبيهم عليهم.(انظر: السلوك الاجتماعي ـ حسن أيوب) فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك»(متفق عليه).
أما الأب فالولد له مجبنة مبخلة، يكد ويسعى ويدفع عنه الأذى يتنقل في الأسفار يجوب الفيافي والقفار يتحمل الأخطار بحثا عن لقمة العيش له، لينفق عليه، ويصلحه ويربيه، إذا دخل عليه هش، وإذا أقبل إليه بش.
ثم بعد ذلك صياح بالليل يحرم والديه النوم وكذلك بالنهار يقلق راحتهما ويتعب قلبيهما ويذرف دموعهما لما يلاقيانه منه من شقاوة وأذى، ومرض قد يعتري الولد من وقت لآخر تنخلع له قلوبهما انخلاعا وتنهد به أبدانهما هدا. (انظر: صوت المنبر ـ صالح الونيان ).
لقد كان الولد في صغره ضعيفا فقوياه بعنايتهما، وفقيرا فأغنياه بمالهما، وآثراه بالغذاء والكساء وأعطياه ما يريد من غير ملل ولا اشمئزاز، فلما بلغا الكبر آن له أن يرد لهما بعض دينهما، (انظر: بر الوالدين ـ عبد الرؤوف الحناوي) ومهما بلغ من بر الأبناء لوالديهم فلن يفوا ببعض حقهم يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه»(متفق عليه).
مختارات