" معالم على طريق التوفيق : الثامن عشر : بذكره تطمئن القلوب "
" معالم على طريق التوفيق: الثامن عشر: بذكره تطمئن القلوب "
ومن معالم التوفيق لعبده دوام ذكره على كل حال قائمًا وقاعدًا وعلى جنبك، وفي سفرك وإقامتك، وفي كل مكان وزمان، وفي كل شأن من شؤون حياته: " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " [آل عمران: 191].
وقال القائل سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " [الأحزاب: 42].
فالذكر سلاح المؤمن، وهو مفتاح التوفيق والخيرات والبركات، وكاشف الكربات والملمات، وهو قُوت القلوب والأرواح، به يطمئن الفؤاد، وتسعد النفس، وتكثر الحسنات، وتُكفر السيئات، فيا لها من غنيمة !
وتدبر أيها الموفق في قوله تعالى: " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ " [البقرة: 152].
يقول ابن القيم (رحمه الله): لو لم يكن في فضائل الذكر غير هذه لكفتنا فضلًا وشرفًا وفاضت علينا، ذكره لنا برحمته وفضله، ذكره لنا بتأييده ونصره، ذكره لنا بمغفرته وستره، ذكره لنا بتوفيقه وبره، ذكره لنا واحدًا واحدًا بأسمائنا في الملأ الأعلى. ا.هـ. بتصرف.
ورحم الله من قال: لا تطيب الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته جل جلاله، ولا يوفق لهذا إلا الموفق المسدد.
الموفق هو من يملأُ صحائفه ليلًا ونهارًا من ذكره جل وعلا.
إنها عبادة من أجلَّ العبادات وأيسرها، فأين المشمرون؟
تأمل معي يا رعاك الله:
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أُمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، وعذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
أيها الموفق:
أملأ صحائفك بالباقيات الصالحات، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر من الباقيات الصالحات» [السلسلة الصحيحة].
قال ابن عباس رضى الله عنه: الذاكر كثيرًا من يذكر الله في قيامه وفي قعوده وفي حله وترحاله وفي صحته ومرضه: " وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الأحزاب: 35].
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند زوجه جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها) حين صلّى الصبح وهي في مسجد بيتها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فيه فقال: «مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟» قالت: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلت، لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» [أخرجه مسلم].
وصدق الله إذ يقول: " الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرعد: 28].
أيها الموفق، أعد قراءة الآية الكريمة متأملًا لها، حرَّك بها قلبك، أشغل وقتك بذكره.
قال الإمام النووي (رحمه الله): اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتحميد والتكبير، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى. ا.هـ.
فاغرس – أيها الموفق – لنفسك في مزرعة الدنيا هنا؛ لتحصد ما غرست هناك في الآخرة سعادة وعزة وكرامة وأجرًا؛ فإن السبق هناك على قدر التزيد من الفضائل في الدنيا.
إضاءة على الطريق:
لا إله إلا الله كلمة التوحيد، مفتاح الجنة
هي: أفضل ما يذكر به الذاكرون.
مختارات