أنماط: (23) نمط اليائس
ولا ننسى طبعًا نمط من أهم الأنماط وأخطرها.. نمط اليائس أو السوداوي أو تقدر تقول: الأخ المستريح.
فأحيانًا يكون خيار الإحساس باليأس خيارًا مريحًا خصوصًا اليأس من التغيير وفقد الأمل في الإصلاح..
قد يكون نوعًا من الهروب أو الاستسهال أو الركون للخمول والكسل المستتر خلف قناع اليأس..
وقد تكون حيلة نفسية دفاعية يلقي من خلالها المرء تباعات تقصيره أو أخطائه أو ضعفه على شماعة العجز القانظة..
قد يلجأ بعضنا لهذا الخيار دون شعور منه وربما دون تصريح لكن لسان حاله وربما بعض مقاله يصرخ بتلك المحصلة.. التي وصل إليها قبله سعد باشا زغلول في تلك الكلمة المشهورة المنسوبة إليه والتي لا أدري هل صحَّت نسبتها أم لا لكن ما يعنيني هو مسارعة كل يائس إلى ترديدها سابقًا إياها بقوله سعد باشا كان عنده حق..
كلمة: " ما فيش فايدة " !
لا أمل!
ضاعت البلاد والعباد!
انتهى الأمر!
بايظة يايظة!
فليقلها بأي صياغة أو أسلوب لكن النتيجة النهائية لمذهبه هي اليأس..
نعم ربما توجد آلام..
وتتزايد..
وتتضافر إحباطات..
وتتكاثر..
ويغدو الكوكب بالتدريج مكانًا موحشًا..
ولربما يدعوك جُلَّ ما حولك ومن حولك لليأس ويدفعك بيد غليظة للقنوط..
يدعوك جلد الفاجر وبأس المنافق ويدفعك عجز الثقة وأحيانًا حماقته..
دمعات حزينة قد تجد طريقها من قلب مكلوم إلى عين دامية سرعان ما تتحول إلى غصة خانقة تنمو تدريجيًا لتكتم أنفاس الأمل في حلقك الجاف.. كلما تصاعد من حولك عبق الخسة المقزِّز وعصفت بك رياح الكذب المنتنة التي تفوح من أفواه الأوغاد اللزجة كلما فتحوها لينبسوا ببنات سفاح من بين شفاههم الشامتة والحاقدة..
نعم مهما تجلد المرء فإنه يجد كل ذلك أحيانًا..
لكنه يعود ليفكر مليًا..
هل يملك هذا الترف؟!
هل يملك ترف أن ييأس؟!
هل لديه خيار الإحباط؟!
وهل من حقه الهروب من مواجهة واقعه والانكسار أمام مشاكله والاستسلام؟!
هنالك تسارع حروف عثمانية مشكلة رسمها يومًا على قلبه قبل أن يحفظها في صدره لتمثل أمام عينيه زاجرة لنفسه ومذكرة إياها وناهية لها ومبددة لسحائب تلك الخواطر السوداء.. {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف من الآية:87]..
الكافرون؟!
اليأس إذاً ليس مجرد خيانة كما يحلو للبعض أن يُردِّد..
اليأس قرين الكفر..
والكافرون فقط هم من يملكون هذا الخيار الكئيب..
وأنت لست منهم..
وما ينبغي لك..
بل لك ربٌ قريبٌ سميعٌ مجيب..
لك رب قدير مقتدر يقول للشيء كن فيكون..
لك ربٌ فتَّاحٌ نصيرٌ وليٌ عزيز..
إن يكلك إلى نفسك هلكت في غيابات جب اليأس المظلم..
وإن يتولَّ أمرك نجوت بإذنه..
وهو يتولى الصالحين..
هنالك يُشرِق القلب بالأمل من جديد.. وتنسكب على ثنايا الفؤاد عطور الفأل الحسن المفعمة بعبير حسن الظن ممزوجًا برحيق العمل..
وهنالك أيضًا تزول الغصة وتتلاشى الغشاوة ويستطيع المرء أن يكمل بينما يحدو طريقه نداء جليل.. يا رب!
لو فعل لانشرح صدره ولاستيقظ الأمل في قلبه ولتعلَّق ذلك القلب بربه الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم..
لو فعل لقال بلسان حاله ومقاله عكس ما يُردِّده موافقو سعد باشا - لقال: إن كان سعد باشا قد قالها فالحقيقة إنه ما كانش عنده حق..
وبإذن الله.. فيه فايدة.
مختارات