" معالم على طريق التوفيق : السابع عشر : عمرك الذهبي "
" معالم على طريق التوفيق: السابع عشر: عمرك الذهبي "
من معالم التوفيق المحافظة على وقتك الذي هو عمرك الذهبي الحقيقي. والموفق دائمًا يسأل نفسه عن وقته ويحاسبها عليه: ماذا عملت فيه من خير لنفسي ولأهلي ولأمتي؟!
" وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " [العصر: 3].
ويذكر الإمام ابن كثير عن الإمام الحجاج المزني: سمعته يقول على المنبر: إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له، فحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة.
إنه العمر، أنفس الجواهر، وأعلى اللآليء، الكنز الذي لا نعرفه في هذا الزمن الذي كثُر قاتلوه كما يزعمون إلا من رحم بك.
فكيف نقول عمن يُضيع الساعات، بل الأيام، بل الشهور والسنين بلا فائدة ولا عمل يذكر.
إنها الحسرة والندامة وحرمان التوفيق !
يوم يقول ويصرخ قائلًا: " يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي " [الفجر: 24].
تأمل أيها الموفق لنداء رسولك صلى الله عليه وسلم حين قال: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [حديث صحيح رواه الحاكم].
ويقول أبو حامد الغزالي (رحمه الله): إذا أحب الله عبدًا استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال، وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيئ الأعمال؛ ليكون ذلك أوجع في عتابه وأشد لمقته.
يقول الشاعر الحكيم:
واحسرتاه ! تقضي العمر وانصرمت ســـاعـــاته بين ذلِّ العـــزِّ والكســل
والقوم قد أخذوا درب النجـــاة وقـد ساروا إلى المطلب الأعلى على مَهَل
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، الفراغ» [رواه البخاري].
يقول مصطفى الرافعي (رحمه الله): إن يومًا باقيًا من العمر هو للمؤمن لا ينبغي أن يُستهان به.
تأمل في قول ربنا: " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا " [الفرقان: 62].
قال ابن كثير (رحمه الله): أي: جعلهما يتعاقبان توقيتًا لعبادة عباده له عز وجل، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل.
" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " [الملك: 2].
ليبلوكم: ابتلاء واختبار، ماذا قدمنا في أعمارنا من أعمال في حياتنا الدنيا؟
يقول د. أحمد الأميري في كتابه «فن التفوق والنجاح»: إن الفرد الذي لا يُحسن الاستفادة من وقته، لا يُحسن الاستفادة من حياته وعمره، فكيف يمكن أن يكون في الحياة شيئًا مذكورا؟ وإن أول خطوة تخطوها الأمة نحو السيادة والريادة، لا تتم قبل أن يتعلم أبناؤها كيف يحسنون الاستفادة من أوقاتهم.
إضاءة على الطريق:
سأل سائل ابن الجوزي: أيجوز أن أفسِّح نفسي في مباح الملاهي؟
فقال له: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها !
مختارات