تابع " عواقب المنحرف عن الاستقامة "
تابع " عواقب المنحرف عن الاستقامة "
خامسًا: البشارة بالنار والعذاب عند الوفاة:
ولهذا فالملائكة تبشر المنحرف بالنار والعذاب عند نزع روحه، ويكون نزعها لروحه شديدًا جدًا وكذلك يكون استقبال الملائكة له بعكس استقبال المستقيم؛ فلا ترحيب ولا تهنئة؛ وإنما ضرب للوجوه وتقبيح لأعماله ومناداة له بأقبح أسمائه عافانا الله وإياكم من ذلك، قال تعالى: " وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " [الأنفال: 50، 51].
سادسًا: على عرصات أرض المحشر:
(وما أدراك ما أرض المحشر بالنسبة لهم؛ حر شديد، وعرق كثير يغطي أجسامهم أو بعضها على حسب الذنوب والمعاصي والانحراف عن منهج الله، وإذا كان من نوقش الحساب عذب (كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق عليه) فكيف بمن عذَّب؟! لا ظل ولا ظليل، ولا شرب من الحوض؛ بل الطرد والبعد عن ذلك !!
يأتون للشرب بعد العطش والحر الشديدين، فيُردّون عن الحوض فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمتى ! أمتي ! أصحابي !» فيقال له: «لا تدري ما أحدثوا بعدك» ثم بعد ذلك يكون المرور الصعب وتكون المرحلة الحاسمة الخطيرة، ألا وهي: العبور على جسر جهنم، جسرٌ أحدّ من السيف، وأدق من الشعرة، فأحدهم يحبو، والآخر يسقط، والثالث يريد الفرار؛ فتخطفه الكلاليب وتلقي به في نار جهنم والعياذ بالله، ويسيرون في ظلمات بعضها فوق بعض، فلا نور ولا ضوء؛ قال تعالى: " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " [الحديد: 13].
ويحرمون النظر والبصر فيصابون بالعمى، قال تعالى: " وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " [طه: 124] لأنه أعرض عن ربه ونسي آياته، نسأل الله الثبات على دينه (وأنصح بقراءة كتيب «أهوال يوم القيامة» لعبد الملك الكليب).
سابعًا: الخسارة العظيمة:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " [المنافقون: 9].
وقال تعالى: " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " [آل عمران: 185] فالخسارة كل الخسارة هي الحرمان من جنة الله... والمصيبة الدهماء كل المصيبة الوقوع في جهنم والعياذ بالله، فما أعظمها من خسارة، وما أكبرها من مصيبة، الوقوع في نار جهنم، وما أدراك ما جهنم؟
يقول عنها الله – عز وجل -: " وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [التحريم: 6].
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ " [النساء: 56].
وقال تعالى: " لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ " [الأعراف: 41].
وقال تعالى: " قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ " [التوبة: 81].
وقال تعالى: " لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " [الحجر: 44].
وقال تعالى: " وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا " [الإسراء: 97].
وقال تعالى: " وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ " [الكهف: 29].
وقال تعالى: " هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ " [الحج: 19-22].
وقال تعالى: " إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا " [الفرقان: 12].
وقال: " أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ " [الصافات: 62-68].
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم» (رواه مسلم) وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة (أي سقطة) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا»(رواه مسلم).
ويكفي أن تعلم بأن أهون أهلها عذابًا رجل تحت قدميه جمرتان من نار يغلي منها دماغه، كما في حديث النعمان بن بشير رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا» (رواه مسلم) عياذًا بالله، وهذا يظن أنه أشدهم عذابًا !! فكيف بأشدهم عذابًا؟!
أخي الحبيب: ألا تكفينا هذه النصوص؟! ألا تؤثر في قلوبنا؟! ألا نخاف من الله، ونخشاه، ونتقي عذابه؟!
وصدق الله: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ق: 37] وقال في ختام السورة نفسها: " فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ " [ق: 45].
نسأل الله أن يصلح قلوبنا، ويرزقنا حبه وخوفه ورجاءه وخشيته في السر والعلن.
مختارات