" عهد وميثاق "
" عهد وميثاق "
في الزمن القديم وجدت عهدًا لحكيم من الحكماء قد عاهد به نفسه حتى يصل بها قمة المجد وأعلى مراتب السمو، وهذا العهد سناد قوي لما أفضنا فيه من وجوب تحقيق مطالب وصفات تُهَذِّبُ صاحبها وتأخذ بيده في طريق العز؛ يقول العهد: «هذا ما عاهد عليه أحمد بنُ مِسْكَوَيْه وهو يومئذ آمِنٌ في سِرْبِه معافًى في جسمه عنده قُوتُ يَوْمِه، لا تدعوه إلى هذه المعاهدة ضرورة نفس ولا بدن، ولا يريد بها مراءاة مخلوق ولا استجلاب منفعة ولا دَفْعَ مَضَرَّة؛ عاهد على أن يجاهد نفسه ويتفقد أمره، فيعف ويشجع ويحكم، وعلامة عِفَّتِهِ أن يقتصد في مآرب بدنه؛ حتى لا يَحْمِلَه الشَّرَهُ على ما يَضُرُّ جسمه أو يَهْتِكُ مروءتَه، وعلامة شجاعته أن يحاربَ دَوَاعي نَفْسِه الذَّميمةِ؛ حتى لا تقهره شهوةٌ قبيحةٌ ولا غضب في غير موضعه، وعلامة حكمته أن يَسْتَبْصِرَ في اعتقاداته؛ حتى لا يفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف؛ ليصلح نفسه ويُهَذِّبَها، وعاهد على إيثار الحقَّ على الباطل في الاعتقادات، والصدقَ على الكذب في الأقوال، والخيرَ على الشَّرِّ في الأفعال، والتَّمُسَّكَ بالشريعة ولزومِ وظائِفِها وحِفْظِ المواعيد حتى ينجزها، والصَّمْتَ في أوقات حركات النَّفْسِ للكلام حتى يستشار فيه العقل، والإقدامَ على ما كان صوابًا والإشفاقَ على الزمان الذي هو العمر؛ فيستعمل في المهم دون غيره، وترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد؛ حتى لا يشغل بهم، وذكر المرض وقت الصِّحَّة والهَمّ وقت السُّرور والرضا عند الغضب؛ ليقلّ الطَّغْي والبَغْي وقوة الأمل وحسن الرجاء والثقة بالله».
مختارات