" السعادة الأبدية "
" السعادة الأبدية "
وبعد النجاة من النار ما ثمَّ إلا الدخول إلى الجنة دار الأبرار، وذلك هو الفلاح العظيم والفوز الكبير والنجاة العظمى " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ " [آل عمران: 185].
ولا شك أن سعادة المؤمنين لا تعدلها سعادة عندما يساقون معززين مكرمين زمرًا إلى جنات النعيم، دار غرسها الله بيده وجعلها مقرًا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص، اقرءوا إن شئتم " فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ " [السجدة: 17].
حتى إذا ما وصلوا إليها فتحت أبوابها، واستقبلتهم الملائكة الكرام مهنئة بسلامة الوصول بعد ما عانوه من الكربات وشاهدوه من الأهوال.
" وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " [الزمر: 73].
فيتمتعون بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نعيم يحير العقول خبره ويذهلها؛ لأن تصوّر عظمته يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه.
فيا عجبًا ممن باع نعيمًا هذا وصفه بحياة فانية أشبه بأضغاث أحلام، ووا عجبًا ممن آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس، ومن باع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق ينتهي بلحد.
فاعلمي – أختي الحبيبة – على أن تلقي الله – عز وجل – وهو راضٍ عنك غير غضبان، وشمري ساعد الجد حتى تفوزي بالدرجات العليا؛ لأن سلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة.
ثم إن هناك في الجنة يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهة المنزَّه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، فاستمعي يوم ينادي المنادي: «يا أهل الجنة.. إن ربكم – تبارك وتعالى – يستزيركم فحيَّ على الزيارة فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدًا، وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحدًا، أمر الرب – تبارك وتعالى – بكرسيه فنصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، ما يرون أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة... سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب – تبارك وتعالى – ويضحك لهم، ويقول: يا أهل الجنة.. فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة.. إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة: (أرنا وجهك ننظر إليه) فيكشف الرب – جل جلاله – الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله – سبحانه وتعالى – قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه – تعالى – محاضرة حتى إنه ليقول: يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى: بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المخاطبة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة.
" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ " [القيامة: 22-25].
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بطاعته، وأن ينجينا من النار بمنِّه وكرمه، وأن يدخلنا الجنة برحمته وفضله إنه سميع مجيب قريب.
مختارات