أهم آفات اللسان 1
وهذه أهم آفات اللسان:
الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني، فمن عرف قدر زمانه، وأنه رأس ماله، حبس لسانه عن الكلام فيما لا يعنيه، واشتغل بذكر ربه والطاعات وأعمال البر المختلفة، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي كذكر مجالس اللهو والخمر، وأحوال الفساق، ونحو ذلك من الجدال والمراء الذي ينتهي غالباً بالسب والفرقة.
الآفة الثالثة: التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، ليُظهر الإنسان نفسه، ويُعجب الناس بحلاوة كلامه، فيفقد الإخلاص.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالَ «الْمُتَكَبِّرُونَ» أخرجه الترمذي (١).
الآفة الرابعة: الفحش في الكلام والسب والبذاء ونحو ذلك مما هو مذموم.
والفحش: هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأكثر ما يكون ذلك في ألفاظ الجماع وما يتعلق به.
وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء.
الآفة الخامسة: المزاح.
أما اليسير منه فلا بأس به إذا كان حقاً وصدقاً، وكان مع الصبيان والنساء الكبار، ومن يحتاج إلى تأديبه من ضعفاء الرجال.
وكثرة المزاح تسقط الوقار، وتوجب الضغائن والأحقاد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمزح ولا يقول إلا حقاً.
الآفة السادسة: السخرية والاستهزاء:
والسخرية الاحتقار والاستهانة بالناس، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول، أو الفعل، أوالإشارة، أو الإيماء.
والضحك على الناس والسخرية بهم من جملة الذنوب والكبائر التي حرمها الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)} [الحجرات: ١١]. الآفة السابعة: إفشاء السر، وإخلاف الوعد، والكذب في القول واليمين، وكل ذلك منهي عنه إلا ما رُخص فيه من الكذب في الحرب، والإصلاح بين الناس، وعلى الزوجة ليراضيها لمصلحة راجحة، وتباح المعاريض عند الحاجة إليها.
الآفة الثامنة: الغيبة.
والغيبة: ذكرك أخاك الغائب بما يكره.
والغيبة محرمة، والمستمع للغيبة شريك فيها إلا أن ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك.
وعلاج الغيبة: أن يعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأن حسناته تُنقل إلى من اغتابه، وإن لم تكن له حسنات نُقل إليه من سيئات خصمه، وإذا عَرضت له الغيبة تفكر في عيوب نفسه، واشتغل بإصلاحها، فيستحي أن يَعيب وهو مَعيب.
وإن ظن أنه سليم من العيوب فليشكر ربه، ولا يلوث نفسه بأقبح العيوب وهو الغيبة، وكما لا يرضي نفسه بغيبة غيره له فينبغي أن لا يرضاها لغيره من نفسه.
وقد تحصل الغيبة بالقلب، وذلك سوء الظن بالمسلمين، ومن آفات سوء الظن التجسس، فإن القلب لا يقنع بالظن فيشتغل بالتجسس، وذلك منهي عنه؛ لأنه يوصل إلى هتك ستر المسلم، وهو محرم كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)}... [الحجرات: ١٢].
أما كفارة الغيبة:
فالمغتاب قد جنى جنايتين:
إحداهما: جناية على حق الله تعالى حيث فعل ما نهاه الله عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم.
الثانية: جناية على عِرض المخلوق، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه واستحله، وأظهر له الندم على فعله.
وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل، أو مات، جعل مكان استحلاله الاستغفار له، والدعاء له، والثناء عليه، ولا يخبره بما لا يعلمه إن كان حياً؛ لئلا يوغر صدره.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» أخرجه البخاري (١).
مختارات