" الصحابة والعالم "
" الصحابة والعالم "
ظهر المسلمون وتزعموا العالم وعزلوا الأُمَمَ المريضة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملَها، وساروا بالإنسانية سيرًا حثيثًا متزنًا عادلاً، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم، وتُضْمَنُ سعادتُها وفلاحُها في ظِلِّهم وتحت قيادتهم.
أولًا: أَنَّهم أصحابُ كتابٍ مُنَزَّلٍ وشريعة إلهية؛ فلا يُقَنِّنُون ولا يُشَرِّعون من عند أنفسهم؛ لأن ذلك منبعُ الجهل والخطأ والظلم، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملاتهم للناس خبط عشواء، قد جعل الله لهم نورًا يمشون به في الناس وجعل لهم شريعة ومنهاجًا يحكمون به بين الناس؛ قال سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " [المائدة: 8].
ثانيًا: أنهم لم يتولَّوا الحكمَ والقيادةَ بغير تربيةٍ خلقية وتزكية نفس؛ بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر؛ بل مكثوا زمنًا طويلاً تحت تربية محمد صلى الله عليه وسلم وإشرافه الدقيق يؤدبهم ويؤهلهم ويدربهم على الزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار على النفس والأهل والقرابة ويعلمهم خشية الله في السر والعلن، ويحذرهم من الاستشراف للإمارة والحرص عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله أو أحدًا حرص عليه» [متفق عليه] ولا يزال يقرع أسماعهم قولُ الله عز وجل: " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [القصص: 83] فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب وتعظيم الكراسي تَهافُتَ الفَرَاشِ على الضَّوْء؛ بل كانوا يتحرجون من قبولها وتقلُّدِها، فضلاً عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة ويُزَكُّوا أنفسهم وينشروا الدعايات لها.
ثالثًا: أنهم لم يكونوا خدمة جنس أو رسل شعب ووطن يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده ويفضلونه على جميع الأقطار؛ فلم يُخْلَقوا إلا ليكونوا حُكَّامًا، ولم تخلق إلا لتكون محكومة لهم، ولم يخرجوا حبًا للسيطرة وتأسيس دولة لا تغرب عنها الشمس يتكبرون تحت ظلها وفي حمايتها، وإنما حكموها ليعبد الله وحده وليخرجوا الخلق من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وأن يُخْرِجوهم من ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، لا فَضْلَ لعربيٍّ على عجمي إلا بالتقوى.
قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص فاتح مصر وحاكمها وقد ضرب ابنُه مصريًا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، فلم يبخلوا بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة نسبًا ولونًا ووطنًا؛ بل كانوا سحابة رحمة هطلت على البلاد وعمت العباد وانتفعت بها الأرض على قدر قبولها وصلاحها، في ظل هؤلاء وتحت حكمهم نال كل فرد منهم نصيبه من الدين والعلم وتهذيب الأخلاق وجميع حقوقهم من الدنيا والدين (انظر كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين/ لأبي الحسن الندوي فصل عهد القيادة الإٍسلامية بتصرف واختصار).
حبذا أن يقرأ هؤلاء الملاحدة ما كتبه العلماء بأحوال صحابة محمد صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم حين يَصِفون نهجهم وسيرتهم النقية الطاهرة، هذا وصف الرعيل الأول من أصحاب محمد فماذا يفهم العلمانيون المارقون وعملاء التبشير الصليبي الحاقد؟!.
مختارات