" ليغيظ بهم الكفار "
" ليغيظ بهم الكفار "
رحم الله الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة حين استنبط من قوله تعالى: " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " قوله: مَنْ أصبح مِنَ الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية، ذكره أبو بكر الخطيب ونقله ابن كثير والقرطبي في تفسيريهما، إن المولى عز وجل رسم للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين صورة مشرقة من الثناء العطر والمحامد الكريمة في وصف بديع شيق؛ حيث وصفهم سبحانه بالشدة على أهل الكفر والإلحاد، والرحمة لإخوانهم أهل التقوى والإيمان؛ حيث عَدَّد سبحانه من صفاتهم الخضوع لله في ركوعهم وسجودهم وقيامهم وقعودهم لطلب العفو من الله والفوز برضوانه، رسمها لهم في ملامح التقوى التي تنير بها وجوههم من أثر السجود في منظر يُشَوِّق النفس ويبتهج له الفؤاد، بحيث لا يحقد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منحرف، ولا يُكِنُّ لهم الكراهية إلا كافر عدو لله ولرسوله ولكتابه وسنة نبيه وشرعه القويم، قال جل جلاله وهو أصدق القائلين: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الفتح: 29].
يطعن العلمانيون المنافقون المارقون على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم صفوة الخلق بعد الأنبياء عليهم الصلاة وأتم التسليم، وما تأثير طعن الأقزام مع مدح الله وثنائه عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صحبه الذين معه؛ حيث قال سبحانه وتعالى: " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [التوبة: 88] وقال عز وجل: " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [التوبة: 100] وأعلن الرضوان والسكينة والوقار على محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار من أهل بيعة الرضوان، قال عز وجل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا " [الفتح: 18] هذه صفاتهم وهذه صورتهم المشرقة الحقيقية، أثبتها الله في كتابه لأحبابه ومن اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك تستمر الحملة المسعورة تُحَرِّكُها عواصفُ الحقد الغربي لِسَبِّ الدين ورسوله رب العالمين في صلف جبان مكشوف.
وقد أنزل الله في أمثالهم: " إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ " [محمد: 25] ثم قال بعد ذلك: " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ " [محمد: 29، 30] ثم يُوَجِّهُ اللهُ الخطابَ بعد ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ولصحابته الكرام يخبرهم أنه سيمتحنهم بالمنافقين والمرتدين بقوله عز وجل: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " [محمد: 31] نعم قد كان القرآن واقفًا لهم بالمرصاد ليفضح نواياهم ويكشف مخططاتهم ويحذر حزبه المتقين وأولياءه الصالحين من غَدْرِهم وعمالتهم المستمرة لأعداء الملة الإسلامية في طول الزمان وعرضه " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ " [الرعد: 17].
مختارات