" الترهيب من أكل الحرام "
" الترهيب من أكل الحرام "
وكما رغب الإسلام في طلب الحلال رهب من الوقوع في الحرام؛ وبين سبحانه وتعالى أن المال فتنة، فقال: " إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ " [التغابن: 15].
وحذرنا سبحانه وتعالى من مخالفة أوامره واتباع طريق الشيطان ومنه أكل الحرام، فقال: " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [النور: 21].
وقال: " يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ " [الأعراف: 27].
وفي جمع المال الحرام اتباع لخطوات الشيطان.
وأخرج البخاري والنسائي: عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام».
وزاد رزين: (فإذ ذاك لا تستجاب لهم الدعوة).
ففي الحديث ترهيب من الحرام وبيان عدم مبالاة الناس (آخر الزمان) بجمع المال من أي طريق كان، وفي الرواية الثانية بيان عدم استجابة الله عز وجل دعاءهم إذ ذاك.
وأخرج البخاري عن خولة الأنصارية رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» (راجع ابن الأثير، جامع الأصول).
معناه: أنهم يأخذون المال، ويتخوضون (أي يتملكونه، كما يخوض الإنسان المال يمينًا وشمالًا).
وفي رواية الترمذي: «إن هذا المال خضر حلو، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار»(راجع ابن الأثير، جامع الأصول).
ففي الحديث على الروايتين وعيد بدخول النار، لمن يأخذ المال بغير حقه، ويجمعه من غير حله.
والترهيب في الحديث بتمثيل جعل التراب في الفم خير من أكل الحرام؛ والبعد عنه من أسباب دخول الجنة.
روى مسلم بسنده عن جابر، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخل الجنة، قال: نعم، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئًا».
كما أن أكل الحرام من أسباب دخول النار.
وبنحوه ما ورد في مراسيل أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اكتسب مالًا من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك كله فقذف به في جهنم» ( المنذري في الترغيب والترهيب. وابن رجب الحنبلي: زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين في جامع العلوم والحكم).
ويصدق هذا المعنى قول الله تعالى: " لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " [الأنفال: 37].
والمرء مسؤول يوم القيامة، عن مصدر أمواله وموردها، بل لا تزول قدماه حتى يسأل، من أين آلت إليه هذه الأموال، وفي وجوه الحلال أم في وجوه الحرام أنفقها؟
عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم» (أخرجه الترمذي، كما قال المحدث الألباني وصححه في سلسلة الأحاديث الصحيحة وحسنه في صحيح الجامع الصغير).
فإذا كان مصدر المال من طريق حرام، فإن هذا الجسم الذي نبت من حرام، النار أولى به، وإن اللقمة الواحدة من الحرام تنبت اللحم، كما ورد في عدد من الأحاديث والآثار (راجع علي المتقي، كنز العمال) جاء من عدة طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به» (راجع علي المتقي، كنز العمال ورد بألفاظ متعددة كلها تدور حول هذه المعنى بدرجات مختلفة، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص293. والمنذري في الترغيب والترهيب).
وأكل الحرام يقتضي بالضرورة عصيان الجوارح.
يقول سهل بن سعد رضى الله عنه: «من أكل الحرام عصته جوارحه، شاء أم أبى، علم أم لم يعلم، ومن كانت طعمته حلالًا أطاعته جوارحه، ووفق للخيرات» (الغزالي: الإحياء).
وجاء في بعض الأخبار: أنه مكتوب في التوراة: (من لم يبال من أين مطعمه، لم يبال الله من أي أبواب النيران أدخله) (الغزالي: الإحياء).
وفي الأثر: (أنه يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات، كأمثال جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم، جعلها الله هباء منثوراً، ثم يقذف بهم في النار، قيل: كيف ذلك؟ قال: كانوا يصلون، ويصومون ويزكون، ويحجون، غير أنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط أعمالهم) (ابن حجر الهيثمي: أبي العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي- الزواجر عن اقتراف الكبائر).
وفيه دليل على ضياع ثمرة العمل الصالح، نتيجة أكل الحرام.
مختارات