اسم الله المؤخر 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المؤخر ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " المؤخر " .
ورود اسم المؤخر في السنة النبوية :
وورد اسم المؤخر كوصف فعل في القرآن الكريم :
طبعاً الاشتقاق من الفعل مرجعيته إلى النص الأصلي في تسمية النبي صلى الله عليه وسلم : " أنتَ المُقَدِّمُ ، وأنت المؤخِّرُ " [مسلم] وليس إلى اجتهادي الشخصي ، فدور العلماء حيال الأسماء الحسنى الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء ، وليس الاشتقاق والإنشاء ، ولهذا فإن اسم " المؤخر " ثابت في السنة الصحيحة .
المؤخر في اللغة :
هذا في النصوص الصحيحة التي ورد فيها اسم " المؤخر " صراحة أو وصف فعله .
من معاني المؤخر :
1 ـ الله عز وجل يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها :
إذاً الأولى أن تسأل الله شيئاً سمح لك أن تسأله ، هناك من يقول : يا رب لا تسألنا عن شيء ، هذا كلام ليس له معنى ، لأن الله عز وجل يقول : " فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الحجر:92-93] فأي سؤال متعلق بالقضاء والقدر لا يقدم ولا يؤخر ، لا معنى له ، بحسب توجيه النبي عليه الصلاة والسلام .
التأخير نوعان :
1 ـ تأخير كوني متعلق بالآجال : إذاً هناك تقديم وتأخير كوني أو شرعي ، الكوني فلان ولد قبل فلان مقدم ، مؤخر : فلان جاء بعد فلان ، التقديم والتأخير الكوني متعلق بالآجال .
إذاً هناك تأخير كوني متعلق بالآجال ، وهناك تأخير شرعي ، والتأخير الكوني متعلق بالأعمال ، الله عز وجل قدم فلاناً وأخر فلاناً ، قدم فلاناً في المال ، وأخر فلاناً في المال ، الأول غني والثاني فقير ، قدم فلاناً في العلم ، وأخر فلاناً ، الأول عالم والثاني أقل علماً ، قدم فلاناً في المكانة ، رفع ذكره ، وأخر فلاناً في المكانة ، الأول لامع والثاني خامل ، فالله فضلاً عن الآجال المكانة ، والغنى ، والوسامة ، والطلاقة ، يقدم أناساً ويؤخر أناساً .
أحياناً امرأة قدمها في الجمال ، وأخر هذه في الجمال ، أما المؤخرة في الجمال قدمها في العلم وأخر الأولى في العلم ، يقدم ويؤخر ، هذا التقديم والتأخير الكوني ، أما الشرعي شرع لنا أن نقدم الإفطار مباشرة ، أن نؤخر السحور ، قدم الإفطار وأخر السحور .
2 ـ الله عز وجل يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ورحمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه : " المؤخر " الآن معنى جديد ، هو الذي يؤخر العذاب ، بمقتضى حكمته ورحمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه ، قبل أن يستحقوا العذاب ، الله حليم يرتكب الإنسان معصية يعطيه فرصة .
يروى أن سيدنا عمر أراد أن يعاقب سارقاً ، فقال : والله يا أمير المؤمنين إنها المرة الأولى ، قال له : كذبت إن الله لا يفضح من المرة الأولى ، الله حليم .
بصراحة الإنسان إذا ارتكب ذنباً وأصرّ عليه ، وما تاب منه ، وتباهى به ، وافتخر به يأتي العقاب ، أما ارتكب ذنباً الله يعطيه مهلة ، فإذا ندم فالندم توبة ، إذا أقلع فالإقلاع توبة ، فالله عز وجل لا يسمح بإنزال العقاب على عبد إلا بعد أن يصر على ذنبه .
تأخير الله عز وجل البلاء لحكمة بالغة : إذاً الله عز وجل يؤخر البلاء لحكمة بالغة ، ولرحمة بالغةٍ لعباده العصاة .
الله عز وجل خلق الإنسان ليرحمه ويسعده :
المصائب خمسة أنواع :
العلماء قالوا : المصائب خمسة أنواع ، نوعان يصيبان أهل الإثم والفجور ونوعان يصيبان المؤمنين ، ونوع يصيب الأنبياء والمرسلين ، أما مصائب الفجار والمشركين مصائب الردع والقصم ، ردع وقصم ، إذا فيه بقية خير ( واحد بالألف خير ) الله عز وجل يرسل له مصيبة يردعه بها عن فجوره ، وعن عدوانه ، وعن طغيانه ، فالأولى مصيبة ردع ، أما إذا علم الله أنه لن يرتدع ، ولن يؤمن ، يرسل له مصيبة يقصمه بها ، هاتان المصيبتان مصيبة القصم والردع تصيب أهل الكفر والفجور والعدوان والطغيان ، الله عز وجل منتقم ، يعني ينتقم من الفاجر ، ينتقم من المجرم ، ينتقم من العابث ، يوقفه عند حدّه ، هذه مصائب أهل الفسق والفجور ، والطغيان والعدوان ، مصائب قصم أو مصائب ردع .
أما المؤمنون : " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " [البقرة:155-157] يعني من نعم الله الكبرى أنه يتولانا بالتربية،يتولانا بالعناية المشددة .
مصيبة المؤمن مصيبة دفع إلى باب الله أو مصيبة رفع لمقامه :
الآن الله عز وجل إذاً يؤخر العقاب من أجل أن يتوب العباد أو من أجل استحقاق العقاب ، قال تعالى : " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " [إبراهيم:42] إذاً الله عز وجل يؤخر العقاب عن المؤمنين المقصرين ، وعن الظلام .
تعاريف أخرى للمقدم والمؤخر :
بعضهم قال : " المؤخر " هو الذي ينزل الأشياء منازلها ، يقدم ما يشاء بحكمته ويؤخر ما يشاء بحكمته .
" المؤخر " دلّ على صفة من صفات الذات ، ودلّ على صفة أيضاً من صفات الأفعال ، في ذاته مؤخر ، وفي أفعاله مؤخر .
وقال بعضهم : " المؤخر " في حق الله تعالى هو الذي يؤخر المشركين ، ويقدم المؤمنين ، يؤخر العصاة ، ويرفع الطائعين .
وقال بعضهم : المقدم و " المؤخر " هو الذي يقدم من شاء ، ويؤخر من شاء على بابه ، يُطرق بابه يفتح لواحد ، ولا يفتح للآخر بحسب حكمته .
بعض الأمثلة عن التقديم والتأخير :
أيها الأخوة ، بعض الأمثلة ، أبو سفيان زعيم قريش ، يحتل أعلى مكانة في قريش ، لم يؤمن برسول الله ، بل حارب رسول الله ، كان مقدماً في قومه بالجاه والمكانة ، زعيم قريش ، فلما أعرض عن ذكر ربه أخره الله .
تروي بعض الحكايات أنه وقف مرة على باب عمر مدة طويلة ، ولم يؤذن له يرى صهيباً وبلالاً يدخلان ويخرجان بلا استئذان ، فآلمه ذلك ، قال : يا أمير المؤمنين أبو سفيان يقف بابك ولا يؤذن له ، وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان بلا استئذان ، ماذا قال له ؟ قال له : أنت مثلهما ؟ بلال عبد ، وصهيب رومي ، لكن لأنهما عرفا ربهما قدمهم الله عز وجل ، الله يقدم ويؤخر .
امرأة في قصر العزيز ، تعرف يوسف عبداً مملوكاً ، وقد دخل السجن ، فلما رأته عزيز مصر ، قالت : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ، وسبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيته .
كل مؤمن خطب ودّ الله واستقام على أمره رفع الله ذكره وقدمه على غيره :
الله يقدم إنساناً يرفعه ، فأنا أقول دائماً : المؤمن له من آية : " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " [الشرح:4] نصيب ، كل مؤمن خطب ود الله ، واستقام على أمره ، وأناب إليه ، وأقبل عليه ، يرفع الله ذكره ، قبل الإيمان ما كان متقدماً ، بعد الإيمان الله قدمه ، والإنسان الذي كان على شيء من التدين ثم خرق استقامته ، والتفت إلى الدنيا ، ولم يعبأ بعباداته ، كان مقدماً فأخره الله عز وجل .
اثنان قادمان إلى بلدهما من أوربا ، نزلا في فندق في بلد أوربي شرقي ( روى لي القصة أحدهما ) قال لي : طُرق الباب ليلاً ، والأمر معروف أحياناً إذا نزيل بفندق هناك نساء منحرفات هن يتحرشن به ، قال لي : أنا ما فتحت الباب ، صديقي فتح الباب ، أي أحدهما ارتكب الفاحشة ، والآخر لم يرتكب شيئاً ، الذي ما ارتكب خوفاً من الله ، سبحان الله بعد عدة سنوات الأول في عمله صاعد ، والثاني في عمله هابط ، إلى أن ضاق به الأمر سلم المحل وأصبح بلا عمل ، واحد صاعد كان مؤخراً فقدمه الله عز وجل ، والثاني كان مقدماً فأخره الله عز وجل .
بلال كان عبداً ، كان أمية بن خلف يضربه ضرباً مبرحاً ، جاء سيدنا الصديق واشتراه منه ، قال له صفوان لسيدنا الصديق : والله لو دفعت به درهما لابعتكه ، قال له : والله لو طلبت مئة ألف لأعطيتك إياها ، ودفع ثمنه ، ووضع يده تحت إبطه وقال : هذا أخي ، فكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق قالوا : هو سيدنا وأعتق سيدنا ، يعني بلالاً ، معقول عبد حبشي يأتي إلى المدينة فيخرج عمر عملاق الإسلام خليفة المسلمين لاستقباله ؟! هذه مقاييس الإسلام، كان عبداً حبشياً ، وكان صهيب رومياً ، فلما أسلما وتعرفا إلى الله رفع الله ذكرهما .
فالله يقدم ويؤخر ، وأحياناً يؤخر العقوبة لحكمة بالغة ، حكمة بالغةٍ بالغة فالإنسان إذا أُخر فلحكمة بالغة ، وإذا قُدم فبفضل من الله عز وجل ، والدعاء : " اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا " .