اسم الله المؤخر 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (المؤخر):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم " المؤخر ".
ورود اسم المؤخر في السنة النبوية:
هذا الاسم كالاسم السابق المقدم لم يرد في القرآن الكريم، ولكن النبي عليه أتم الصلاة والتسليم سمّى ربه به، فقد ورد في السنة الصحيحة في قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء التهجد: " أنتَ المُقَدِّمُ، وأنت المؤخِّرُ " [مسلم].
وورد اسم المؤخر كوصف فعل في القرآن الكريم:
" وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ " [المنافقون:10].
طبعاً الاشتقاق من الفعل مرجعيته إلى النص الأصلي في تسمية النبي صلى الله عليه وسلم: " أنتَ المُقَدِّمُ، وأنت المؤخِّرُ " [مسلم] وليس إلى اجتهادي الشخصي، فدور العلماء حيال الأسماء الحسنى الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء، وليس الاشتقاق والإنشاء، ولهذا فإن اسم " المؤخر " ثابت في السنة الصحيحة.
المؤخر في اللغة:
أما في اللغة فالمؤخر عكس المقدم، قدّم وأخر، لذلك باللغة ظاهرة اسمها التطابق، وهناك التعاكس، الليل والنهار، الحق والباطل، الخير والشر، هذا من باب ذكر الشيء ونقيضه، فالله عز وجل يقدم ويؤخر.
أيها الأخوة، الفعل أخر، يؤخر، تأخيراً، وقد ورد عند البخاري من حديث عمر بن الخطاب: " لمَّا مَاتَ عبدُ اللهِ بن أُبيِّ بن سَلول ـ هذا رأس المنافقين ـ ودُعيَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ عليه، فلما قامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَثَبْتُ إِليه فقلتُ: يا رسولَ الله أَتُصلِّي على ابن أُبَيٍّ وقد قال كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ ! أُعَدِّدُ عليه قولَهُ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرج الأعز منا الأذل، فتبسَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقال: أَخِّرْ عَني يا عُمَرُ ـ أي ابتعد عني ـ فلما أَكْثَرْتُ عليه قال: أما إني خُيِّرْتُ فاخترتُ ـ هذا قراري ـ لو أَعلمُ أَني إن زدتُ على السبعين يُغْفرْ له، لَزِدْتُ عليها: " إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ " [التوبة:80] لو أَعلمُ أَني إن زدتُ على السبعين يُغْفرْ له، لَزِدْتُ عليها، قال: فصلىَّ عليه رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ثم انْصرَفَ، فلم يَمكُثْ إِلا يسيرا حتى نزلت الآيتان: " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ " [التوبة:84] " قال: فعجبتُ بعدُ من جُرْأَتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ والله ورسولُهُ أعلم، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قَبضَهُ اللهُ " [البخاري].
وهذه من موافقات سيدنا عمر، كان يدلي برأي فيأتي الوحي ويؤيده به، هذا ما رواه البخاري والترمذي والنسائي.
أيها الأخوة الكرام: " ما سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيءِ قُدَّمَ ولا أُخَّرَ إلا قال: افْعَلْ، ولا حَرَج " [البخاري] هذه في الحج.
و: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب " [البخاري].
هذا في النصوص الصحيحة التي ورد فيها اسم " المؤخر " صراحة أو وصف فعله.
من معاني المؤخر:
1 ـ الله عز وجل يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها:
أما إذا قلنا الله " المؤخر " هو المقدم وقد تحدثنا عن ذلك مطولاً في الدرسين السابقين، أما إذا قلنا الله جلّ جلاله هو " المؤخر " أي هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها، إما تأخيراً كونياً فعن أم حبيبة أنها قالت: " اللَّهمَّ أَمتعني بِزَوجي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبأَبي أبي سفيان وبأَخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سَأَلْتِ الله لآجالٍ مَضْروبة، وأَيَّامٍ مَعدودةٍ، وأرزاقٍ مقسومة ـ يعني سؤالك لا يقدم ولا يؤخر ـ لن يعَجِّلَ شيئاً منها قبل حِلِّه ولا يُؤَخِّرَ، ولو كنْتِ سألتِ الله أَنْ يُعِيذَك من عذابٍ في النَّار وعذابٍ في القبرِ: كان خيراً وأفضلَ " [مسلم].
إذاً الأولى أن تسأل الله شيئاً سمح لك أن تسأله، هناك من يقول: يا رب لا تسألنا عن شيء، هذا كلام ليس له معنى، لأن الله عز وجل يقول: " فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الحجر:92-93] فأي سؤال متعلق بالقضاء والقدر لا يقدم ولا يؤخر، لا معنى له، بحسب توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.
التأخير نوعان:
1 ـ تأخير كوني متعلق بالآجال: إذاً هناك تقديم وتأخير كوني أو شرعي، الكوني فلان ولد قبل فلان مقدم، مؤخر: فلان جاء بعد فلان، التقديم والتأخير الكوني متعلق بالآجال.
2 ـ تأخير شرعي: أما الشرعي كما ورد من حديث أبي عطية أنه قال: " قال: دخلتُ أنا ومسروق بن الأجدع على عائشةَ أمِّ المؤمنين فقلتُ: يا أمَّ المؤمنين، رَجُلانِ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يعجِّلُ الإِفطار، ويعجِّل الصلاة، والآخرَ يؤخِّرُ الإِفطارَ ويؤخِّر الصلاةَ " [مسلم].
الآن في العبادات الأولى أن نعجل هذه الصلاة أم أن نؤخرها؟ النبي أخر صلاة العشاء، فقضايا العبادات، والصلوات، والصيام، والإفطار، والسحور، هذه أشياء تسمى تأخير تشريعي، هناك تأخير كوني متعلق بالولادة والوفاة، وهناك تأخير تشريعي.
" قالت: أيُّهما الذي يُعجِّل الإِفطار ويعجِّل الصلاةَ؟ قال: قلنا: عبد الله بن مسعود، قالت: كذا كان يصنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " [مسلم].
إذاً هناك تأخير كوني متعلق بالآجال، وهناك تأخير شرعي، والتأخير الكوني متعلق بالأعمال، الله عز وجل قدم فلاناً وأخر فلاناً، قدم فلاناً في المال، وأخر فلاناً في المال، الأول غني والثاني فقير، قدم فلاناً في العلم، وأخر فلاناً، الأول عالم والثاني أقل علماً، قدم فلاناً في المكانة، رفع ذكره، وأخر فلاناً في المكانة، الأول لامع والثاني خامل، فالله فضلاً عن الآجال المكانة، والغنى، والوسامة، والطلاقة، يقدم أناساً ويؤخر أناساً.
أحياناً امرأة قدمها في الجمال، وأخر هذه في الجمال، أما المؤخرة في الجمال قدمها في العلم وأخر الأولى في العلم، يقدم ويؤخر، هذا التقديم والتأخير الكوني، أما الشرعي شرع لنا أن نقدم الإفطار مباشرة، أن نؤخر السحور، قدم الإفطار وأخر السحور.
2 ـ الله عز وجل يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ورحمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه: " المؤخر " الآن معنى جديد، هو الذي يؤخر العذاب، بمقتضى حكمته ورحمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه، قبل أن يستحقوا العذاب، الله حليم يرتكب الإنسان معصية يعطيه فرصة.
يروى أن سيدنا عمر أراد أن يعاقب سارقاً، فقال: والله يا أمير المؤمنين إنها المرة الأولى، قال له: كذبت إن الله لا يفضح من المرة الأولى، الله حليم.
بصراحة الإنسان إذا ارتكب ذنباً وأصرّ عليه، وما تاب منه، وتباهى به، وافتخر به يأتي العقاب، أما ارتكب ذنباً الله يعطيه مهلة، فإذا ندم فالندم توبة، إذا أقلع فالإقلاع توبة، فالله عز وجل لا يسمح بإنزال العقاب على عبد إلا بعد أن يصر على ذنبه.
" وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا " [آل عمران:135].
تأخير الله عز وجل البلاء لحكمة بالغة: إذاً الله عز وجل يؤخر البلاء لحكمة بالغة، ولرحمة بالغةٍ لعباده العصاة.
" ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء " [تفسير ابن كثير].
عباده إن تابوا فهو حبيبهم، وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم، يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عند الله بعشرة أمثالها ويزيد، والسيئة بمثلها ويعفو، والله عز وجل أرأف بعبده من الأم بولدها.
الآية التي تؤكد تأخير العقاب هي قوله تعالى: " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " [النحل:61].
الله عز وجل خلق الإنسان ليرحمه ويسعده:
أحياناً يقول أحدهم: إن الله عز وجل خلقنا للعذاب، هذا كلام يتناقض مع القرآن الله قال: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56].
الله عز وجل قال: " إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " [هود:119] خلقهم ليرحمهم، لكن إذا اقتضت حكمته أن يؤدب عبداً سها ولها، ونسي المبتدا والمنتهى، من الحكمة أن يعالجه الله عز وجل قبل أن يموت.
فلذلك ما يرى الإنسان من مصائب تنزل بالناس هي محض رحمة من الله عز وجل لقوله تعالى: " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة:21].
المصائب خمسة أنواع:
العلماء قالوا: المصائب خمسة أنواع، نوعان يصيبان أهل الإثم والفجور ونوعان يصيبان المؤمنين، ونوع يصيب الأنبياء والمرسلين، أما مصائب الفجار والمشركين مصائب الردع والقصم، ردع وقصم، إذا فيه بقية خير (واحد بالألف خير) الله عز وجل يرسل له مصيبة يردعه بها عن فجوره، وعن عدوانه، وعن طغيانه، فالأولى مصيبة ردع، أما إذا علم الله أنه لن يرتدع، ولن يؤمن، يرسل له مصيبة يقصمه بها، هاتان المصيبتان مصيبة القصم والردع تصيب أهل الكفر والفجور والعدوان والطغيان، الله عز وجل منتقم، يعني ينتقم من الفاجر، ينتقم من المجرم، ينتقم من العابث، يوقفه عند حدّه، هذه مصائب أهل الفسق والفجور، والطغيان والعدوان، مصائب قصم أو مصائب ردع.
أما المؤمنون: " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " [البقرة:155-157] يعني من نعم الله الكبرى أنه يتولانا بالتربية،يتولانا بالعناية المشددة.
مصيبة المؤمن مصيبة دفع إلى باب الله أو مصيبة رفع لمقامه:
أنا أقول أيها الأخوة: دائماً المؤمن في العناية المشددة، بل إن رأيت أن الله يتابعك ويحاسبك حساباً دقيقاً على كل ذلة، وعلى كل كلمة، فاشكر الله عز وجل، لأنك في عنايته المشددة، لأنه مطموع بك، لأن المشكلة التي بينك وبينه تحل.
تماماً كما لو أن طبيباً رأى قريبه المريض يعاني في التهاب في المعدة، هذا المرض قابل للشفاء يعطيه حمية قاسية جداً، ويشدد عليه، لأن مرضه قابل للشفاء، أما لا سمح الله ولا قدر لو أن لهذا الطبيب مريض مصاب بورم خبيث منتشر في أمعائه يقول له: كُلْ ما شئت، لأنه لا أمل في شفائه، وهذا معنى قوله تعالى: " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً " [الأنعام:44] هذه المصيبة تصيب المؤمنين، مصيبة النقص " نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ " مصيبة الدفع إلى باب الله، مصيبة الحث على مزيد من الطاعة.
لكن هناك مصيبة أخرى، مستقيم، وابتلاه الله بمصيبة ليرفع أجره عنده، مصيبة رفع، بإمكان هذا المؤمن أن يكون بوضع أحسن، والآن جيد، ومستقيم، لكن بإمكانه أن يكون بوضع أعلى من ذلك، يعني له عند الله مكانة، لم ينالها بعمله الصالح، ينالها بصبره على هذا البلاء، فإما أن تكون مصيبة المؤمن مصيبة دفع إلى بابه، أو أن تكون المصيبة مصيبة رفع لمقامه، على كلٍ: " عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له " [مسلم].
الآن الله عز وجل إذاً يؤخر العقاب من أجل أن يتوب العباد أو من أجل استحقاق العقاب، قال تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " [إبراهيم:42] إذاً الله عز وجل يؤخر العقاب عن المؤمنين المقصرين، وعن الظلام.
تعاريف أخرى للمقدم والمؤخر:
بعضهم قال: " المؤخر " هو الذي ينزل الأشياء منازلها، يقدم ما يشاء بحكمته ويؤخر ما يشاء بحكمته.
" المؤخر " دلّ على صفة من صفات الذات، ودلّ على صفة أيضاً من صفات الأفعال، في ذاته مؤخر، وفي أفعاله مؤخر.
وقال بعضهم: " المؤخر " في حق الله تعالى هو الذي يؤخر المشركين، ويقدم المؤمنين، يؤخر العصاة، ويرفع الطائعين.
وقال بعضهم: المقدم و " المؤخر " هو الذي يقدم من شاء، ويؤخر من شاء على بابه، يُطرق بابه يفتح لواحد، ولا يفتح للآخر بحسب حكمته.
بعض الأمثلة عن التقديم والتأخير:
أيها الأخوة، بعض الأمثلة، أبو سفيان زعيم قريش، يحتل أعلى مكانة في قريش، لم يؤمن برسول الله، بل حارب رسول الله، كان مقدماً في قومه بالجاه والمكانة، زعيم قريش، فلما أعرض عن ذكر ربه أخره الله.
تروي بعض الحكايات أنه وقف مرة على باب عمر مدة طويلة، ولم يؤذن له يرى صهيباً وبلالاً يدخلان ويخرجان بلا استئذان، فآلمه ذلك، قال: يا أمير المؤمنين أبو سفيان يقف بابك ولا يؤذن له، وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان بلا استئذان، ماذا قال له؟ قال له: أنت مثلهما؟ بلال عبد، وصهيب رومي، لكن لأنهما عرفا ربهما قدمهم الله عز وجل، الله يقدم ويؤخر.
امرأة في قصر العزيز، تعرف يوسف عبداً مملوكاً، وقد دخل السجن، فلما رأته عزيز مصر، قالت: سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته، وسبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيته.
كل مؤمن خطب ودّ الله واستقام على أمره رفع الله ذكره وقدمه على غيره:
الله يقدم إنساناً يرفعه، فأنا أقول دائماً: المؤمن له من آية: " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " [الشرح:4] نصيب، كل مؤمن خطب ود الله، واستقام على أمره، وأناب إليه، وأقبل عليه، يرفع الله ذكره، قبل الإيمان ما كان متقدماً، بعد الإيمان الله قدمه، والإنسان الذي كان على شيء من التدين ثم خرق استقامته، والتفت إلى الدنيا، ولم يعبأ بعباداته، كان مقدماً فأخره الله عز وجل.
اثنان قادمان إلى بلدهما من أوربا، نزلا في فندق في بلد أوربي شرقي (روى لي القصة أحدهما) قال لي: طُرق الباب ليلاً، والأمر معروف أحياناً إذا نزيل بفندق هناك نساء منحرفات هن يتحرشن به، قال لي: أنا ما فتحت الباب، صديقي فتح الباب، أي أحدهما ارتكب الفاحشة، والآخر لم يرتكب شيئاً، الذي ما ارتكب خوفاً من الله، سبحان الله بعد عدة سنوات الأول في عمله صاعد، والثاني في عمله هابط، إلى أن ضاق به الأمر سلم المحل وأصبح بلا عمل، واحد صاعد كان مؤخراً فقدمه الله عز وجل، والثاني كان مقدماً فأخره الله عز وجل.
بلال كان عبداً، كان أمية بن خلف يضربه ضرباً مبرحاً، جاء سيدنا الصديق واشتراه منه، قال له صفوان لسيدنا الصديق: والله لو دفعت به درهما لابعتكه، قال له: والله لو طلبت مئة ألف لأعطيتك إياها، ودفع ثمنه، ووضع يده تحت إبطه وقال: هذا أخي، فكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق قالوا: هو سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً، معقول عبد حبشي يأتي إلى المدينة فيخرج عمر عملاق الإسلام خليفة المسلمين لاستقباله؟! هذه مقاييس الإسلام، كان عبداً حبشياً، وكان صهيب رومياً، فلما أسلما وتعرفا إلى الله رفع الله ذكرهما.
فالله يقدم ويؤخر، وأحياناً يؤخر العقوبة لحكمة بالغة، حكمة بالغةٍ بالغة فالإنسان إذا أُخر فلحكمة بالغة، وإذا قُدم فبفضل من الله عز وجل، والدعاء: " اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا ".
والحمد لله رب العالمين
مختارات