" العثرة التاسعة عشرة "
" العثرة التاسعة عشرة "
عاطفة الأمومة غريزة أودعها الله سبحانه وتعالى في كل أنثى.. والطفلة الصغيرة تختلف عن أخيها فهي تختار من اللعب ما يكون على شكل عروس صغيرة تلاعبها وتنظفها وتمشط شعرها.. وهذه الأمومة المبكرة هي نداء الفطرة في المرأة الذي أودعه الله جل وعلا في قلبها وعاطفتها وتكوين جسمها..
وإذا كانت جميع الصغيرات يشتركن في محبة هذه اللعب والاهتمام بهما.. فما بالك إذا تجاوزت الطفلة سنين العمر وأصبحت أمًّا لطفل من لحم ودم تسمع صراخه وتستعذب ضحكاته.. ثم تراه يسير أمامها؟!
تبدأ المرأة مرحلة هامة في حياتها عندما تضع طفلاً وتصبح أمًا.. وهذا الاهتمام تشترك فيه كل النساء.. المؤمنة والكافرة.. والبرة والفاجرة.. ولكن أليس هناك ما يميز الأم المسلمة ويخصها بجوانب تنفرد بها وتفخر بها؟!
بلى.. إنها تحتسب كل عمل تقوم به لطفلها - في سبيل الله - فالتربية عمل ديني تطمع فيه بالأجر الجزيل والثواب العظيم إن هي أخلصت النية..
والأمر كذلك في احتسابها.. فقد جمع الله لها بين العاطفة والأجر والثواب..
فهي تؤدي عبادة تحتاج إلى إخلاص وصبر وتحمل مشاق وعناء وسهر.. تحتسب أجر تعليمه وتربيته وتنشئته.. وتنظر بعين المستقبل وهي تفعل ذلك كله، فربما يكون هذا الطفل الذي بين يديها.. عالم الأمة غدًا أو من رجال العلم والتأريخ والأدب أو من قواد المسلمين..
لو جعلت هذا نصب عينيها وأقنعت نفسها بأن هذا الطفل هو ذاك الرجل بعد سنوات، لأحسنت التربية ونمت فيه محاسن الأخلاق ودربته وعودته على نفحات الرجولة المبكرة.. وأرضعته محبة الإسلام وحب الجهاد في سبيل الله.
أختي المسلمة:
لو قلبنا صفحات التاريخ لوجدنا أن المعلم الأول في حياة أعلام الأمة هي الأم التي بدأت الخطوات الصغيرة بين يديها والكلمات المتعثرة تطرق أذنيها..
فأخذت تحوط هذا الصغير بعنايتها.. وضحت من أجله براحتها.. بل وربما سافرت به لطلب العلم في أحد الأقطار البعيدة..
تلك - أختي - هي أم الرجال وصانعة الأبطال..
أختي الكريمة:
الآن تبدلت الأمور وتغيرت الأحوال.. أصبح الطفل يستمد الضعف من أمه..
لقد أوحت إليه أنه زجاجة يخاف عليها أن تنكسر وغرست في نفسه الخوف والوهن حتى من الخيالات؟! فلم تختلف تربيته عن تربية أخته ولم يتميز برجولة وشدة.. بل طغى عليه النوم والراحة والنعومة والرقة..
- أم الرجال - ابنك كيف سيصبر غدًا على الغربة والسفر لطلب العلم..
بل هل غرست فيه خصال الخير والتضحية لهذا الدين..
وهل ألهم صفات القيادة والاعتزاز بالنفس.
بل سمعت كثيرًا عن أمهات ذرفن الدموع ورفعن الأصوات لسفر ابن لها تخرج من الجامعة.. وأرسل هناك ليعمل..
إنه على بعد خطوات منها.. يحادثها كل يوم ولا تبعد المسافة سوى القليل.
ماذا لو توجه للجهاد؟! ماذا لو استنهضت الأمة دينه ورجولته؟! وقال لها: يا أمي إني مجاهد.. ولبس كفنه وسار..بل ماذا سيكون موقفها لو سمعت أنه استشهد؟!
- أختي - إنها عثرات متتالية لا تصيب والدته بمفردها.. أو الأسرة وحدها بل تصاب الأمة كاملة بتلك العثرات..
إذا أصبح رجلاً واهنًا.. ذا خور وضعف.. لم يجمع من العلم إلا أقله ومن الخلق إلا أندره.. ولم تعرف الرجولة إلى قلبه طريقًا..
ثم تصرخين في ذلك الزمن..
من للأعراض؟! من للأرامل؟! من للدفاع عن ديار المسلمين؟!
ما بعد العثرة:
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عما خالفك، فأقول لا أسكت [تذكرة الحفاظ].
مختارات