" ذم اتباع الهوى "
" ذم اتباع الهوى "
لقد تظافرت النصوص الشرعية والآثار السلفية في ذم الأهواء المضلة والتحذير من اتباعها.
ومن ذلك ما خاطب الله تعالى به نبيه داود عليه السلام بقوله: " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " [ص: 26] وقال في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [الجاثية: 18] وقال: " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ " [البقرة: 145] وقال تعالى: " قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ " [الأنعام: 56] وقال تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين ومحذرًا لهم من اتباع الهوى: " فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا " [النساء: 135].
وأخبرنا تعالى بأنه لا أحد أضل ممن يتبع هواه بغير هدى ولا علم كما قال – تعالى - " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " [القصص: 50] وقال تعالى: " وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ " [الأنعام: 119] والآيات في ذم الأهواء الباطلة والتحذير من اتباعها كثيرة جدًا.
وأما الأحاديث فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» (رواه الإمام أحمد في مسنده وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد).
وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن اتباع الهوى من المهلكات فقال: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» (الحديث حسنه المحدث الألبانى انظر صحيح الجامع الصغير) ولخطورة اتباع الهوى وشدة مجاهدته على النفس فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاهدة الرجل لهواه أفضل الجهاد فقال: «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه» (الحديث صححه المحدث الألباني انظر صحيح الجامع الصغير).
ولقد حذر السلف – رحمهم الله – من الهوى واتباعه، ورهبوا من مجالسة أهله وأصحابه، ومن ذلك ما ذكر عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق» (رواه الإمام أحمد في الزهد).
ولما قال رجل لابن عباس – رضي الله عنهما -: «الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم» قال ابن عباس: «الهوى كله ضلالة» (رواه ابن بطة في الإبانة) وقال ابن عباس – أيضًا -: «لا تجالسوا أصحاب الهوى فإنهم يمرضون القلوب» (رواه ابن بطة في الإبانة).
وقال معاوية: المروءة ترك اللذة وعصيان الهوى (رواه ابن الجوزي في ذم الهوى).
وقال ميمون بن مهران: إياكم وكل هوى يسمى بغير الإسلام (رواه ابن بطة في الإبانة).
وعن الحسن أنه كان يقول: «اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم»(رواه ابن بطة في الإبانة).
وقال أبو قلابة: «لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون» (رواه الدارمى، وابن بطة في الإبانة ).
وقال إبراهيم النخعي: «لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين» (رواه ابن بطة في الإبانة).
وقال يونس بن عبيد: «أوصيكم بثلاث فخذوها عني حييت أو مت: لا تمكن سمعك من صاحب هوى، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلن على أمير ولو أن تعظه» (رواه ابن بطة في الإبانة).
وقال الشعبي: «إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه» (رواه الدارمي في سننه).
وقال مالك بين دينار: «بئس العبد عبد همه هواه وبطنه» (رواه ابن الجوزي في ذم الهوى).
وقال بشر: «اعلم أن البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه» (رواه ابن الجوزي في ذم الهوى).
ولقد أكثر الشعراء من ذكر الهوى وأحسن كثير منهم في تصويره والتحذير منه: ومما قيل في ذلك:
نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وقال آخر:
إن المرآة لا تريك عيوب وجهك مع صداها
وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها
وقال آخر:
وكل امريء يدري مواقـــع رشـــــده ولكنـــه أعمى أسيــر هـــواه
يشير عليه الناصحـــون بجهدهــــــم فيأبى قبول النصح وهو يراه
هوى نفسه يعميه عن قصد رشدـه ويبصر عن فهم عيوب سواه
والمقصود أن اتباع أهواء النفوس بغير هدى من الشرع مما تضافرت على ذمه النصوص الشرعية والآثار السلفية والحكم الشعرية.
وفي الحقيقة فإن اتباع الإنسان لهواه دليل على نقص عقله وضعف إرادته وإيمانه وقلة مراقبته لربه.
وهو دليل على فساد القلب وخبث النفس وانطوائها على ركام من الحسد والبغي وحب للعلو والرياسة وحرص على قضاء الوطر، وصاحبه شبيه بالأطفال بل بالأنعام، بل هو أضل من الأنعام إذ الهوى يعمي صاحبه ويصمه عن قبول الحق، قال تعالى: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " [الأعراف، 179].
ومما ينبغي أن يعلم أن اتباع الهوى ينتج عن أسباب كثيرة من أهمها أمران:
أحدهما: ضعف الإيمان وما يتبع ذلك من آثار: كالحسد والغرور والتطلع إلى الشهرة والتكالب على الشهوة، وضعف الإرادة والتعلق بالدنيا وغير ذلك.
الثاني: مجالسة أهل الأهواء والتأثر بهم.
مختارات