" تعريف الهوى "
" تعريف الهوى "
الهوى في الأصل هو ميل النفس إلى ما تحب من الخير أو الشر.
ويعرفه ابن الجوزي – رحمه الله – بأنه:
«ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل وإلى المشرب ما شرب، وإلى المنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه، فالهوى مستجلب له ما يفيد، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي، فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق، وإنما يذم المفرط من ذلك وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار ولما كان الغالب من موافق الهوى أنه لا يقف منه على حد المنتفع أطلق ذم الهوى والشهوات لعموم غلبة الضرر» (ذم الهوى لابن الجوزي).
وقال ابن رجب – رحمه الله -: «وقد يطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقًا، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره، وربما استعمل بمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه» (امع العلوم والحكم).
واستدل – رحمه الله – على قوله ببعض الآثار، ومنها ما جاء أنه لما نزل قوله – تعالى -: " تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ " [الأحزاب: 51]. قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» (رواه البخاري).
إذن فالهوى في الأصل ميل النفس إلى ما تهواه، فإن مالت إلى ما يخالف الشرع فهو الهوى المذموم، وإن مالت إلى ما يوافق الشرع فهو الممدوح، وإذا ذكر الهوى مطلقًا أو ذكر ذمه فإنما يراد به الهوى المذموم لأنه الغالب والله أعلم.
واتباع الهوى المذموم قد يكون في أمور الدين وقد يكون في شهوات الدنيا أو بعبارة أخرى قد يكون في الشبهات وقد يكون في الشهوات، وقد يكون في أمر مشترك بينهما.
وهوى الشبهة قد يوصل صاحبه إلى حد الابتداع في الدين وهو المراد في عامة كلام السلف حينما يتحدثون عن أهل الأهواء، فإنما يريدون بذلك أهل البدع.
وأما هوى الشهوة فقد يكون في الأمور المباحة كالأكل والشرب والنكاح والملبس وقد يكون في الأمور المحرمة كالزنا والخمر ومرتكب هذه المحرمات يسمى فاجرًا وفاسقًا وعاصيًا (انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية).
قال ابن رجب – رحمه الله -: «وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء.
وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه» (جامع العلوم والحكم).
وقال الشاطبي – رحمه الله -: «ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء، لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك» (الاعتصام).
ومما ينبغي أن يعلم أن أهواء الشبهات أعظم وأخطر من أهواء الشهوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات فإن الأول حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين كما قال تعالى: " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " [القصص: 50].
ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء، وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله» (انظر مجموع الفتاوى).
مختارات