" ثمـار التـوبة "
" ثمـار التـوبة "
ثمار التوبة يتذوق حلاوتها كل من عرف حقيقة التوبة وتعبد الله بها، فهي سبب كل خير، وفلاح، وسبب طمأنينة النفس، واستكانة الروح، وطرب القلب، ونشوته، وفرحته، فإن الله جل وعلا يحب التائب ويفرح بتوبته، ويورثه في قلبه حلاوة، وسعادة، وفرحا. ومن أهم ثمار التوبة:
1- رضى الله تبارك وتعالى:
أخي الكريم: لو لم يكن للتوبة من ثمار إلا أنها طريق محبة الله ورضاه، لكفى بذلك عزا وشرفا، قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [البقرة].
وإذا أحبك الله فلا خوف عليك ولا حزن، قال تعالى في الحديث القدسي: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذنه» (رواه البخاري).
فالتائب إلى الله سبحانه، محبوب عند الله، مؤيد بعونه، مصان محفوظ من كل سوء وبلية، تتنزل عليه الرحمات، وتتغشاه البركات، و تُستجاب له الدعوات، إذا أخذ أخذ بنور الله، وإذا بطش بطش بنور الله، وإذا مشى مشى بنور الله، لأنه لبَّى نداء الله واستجاب لأمره: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ " [التحريم: 8].
فالعاقل من يطمع في رحمة الله ورضوانه، ويقدم بين يدي طمعه التوبة، والانكسار، والرجوع عن المعاصي والخطايا، والإقلاع والندم على ما فات من التفريط في الطاعات والقربات.
ومما يدل على أن التوبة من أجل القربات وأحبها إلى الله وأوجبها لرضاه وفرحه ما رواه أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كانت راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها (الخطام: الحبل الذي يقاد به البعير) ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ; أخطأ من شدة الفرح »(رواه مسلم).
2- طمأنينة النفس:
أخي الكريم: اعلم أن ضرر المعاصي على الأرواح والنفوس أخطر من ضرر الأمراض على الأجساد، بل إن ضرر المعصية يشمل الروح والبدن، فترى العاصي قد اجتمعت عليه أنواع الهموم والغموم، وألوان الوساوس والهواجس، فلا تجده إلا قلقا فزعا خائفا، وما ذلك إلا بسبب ما اقترفه من المعاصي والخطيئات.
بذا قضى الله بين الخلق منذ خلقوا أن المخاوف والإجرام في قرن
ولذلك كانت التوبة طمأنينة للنفس، وسعادة للقلب، قال الحسن البصري رحمه الله: الحسنة نور في القلب وقوة في البدن، والسيئة ظلمة في القلب ووهن في البدن، فالتوبة دواء لأمراض النفس والبدن تقتضي الصبر ومطالعة الثواب من عند الله، فهي دواء يصقل القلوب ويجلي عنها أسباب الضيق والضنك وهو الران قال تعالى: " بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "، والقلوب إذا أزيل عنها الران أصبحت خفيفة مرحة لا تعرف اليأس ولا يصيبها النكد، وما أصاب عبد هم ولا غم ولا اكتئاب إلا بسبب الذنوب.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها نار
قال أبو سليمان الداراني: من صفَّى صُفي له، ومن كدَّر كُدر عليه، ومن أحسن في ليلة كوفئ في نهاره ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله (ذم الهوى).
فاستبق يا عبد الله - إلى الخير، وتب إلى الله، فإنه غفور رحيم، واعلم أن سعادة الدنيا لا تنال إلا بالطاعة والاستغفار والصبر، وأن التوبة تجبر كسر الطاعة وتجدد العزم في النفوس.
3- اجتناب سخط الله عز وجل:
واعلم أخي الكريم: أن التوبة وقاية من عذاب الله وعقابه، ذلك لأن الذنوب موجبة للسخط والنكال والتوبة ماحية للذنوب ناسخة لها، لذلك قال تعالى عن يونس عليه السلام " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " وإنما كان تسبيح يونس: " لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ".
فتفكر وفقك الله في أن الذنوب تنقضي لذاتها وتبقى تبعاتها، وأن التوبة هي فصل ما بين العبد وبين العقاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه»(رواه مسلم).
أخي المسلم: أقبل على الله إقبال القلق الفزع، واسأله سؤال الخائف المضطر، وكن موقنا بقبول توبتك عنده، فإنه سبحانه جواد كريم، واعلم بأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم» (رواه مسلم).
فتذكر أنك بشر، وأن أحكام البشرية جارية عليك، من السهو والغفلة والنسيان والخطاء وغلبة الطبع، وهذا يقتضي أن تكون ملازما للتوبة في كل حين لأنا تجبر ما بدر منك من زلل وما اقترفته من قبيح العمل.
فاسلك طريق المتقيـ ـن وظن خيرا بالكريم
واذكر وقوفك خائفا والنـاس في أمر عظيـم
فاغنم حياتك واجتهد وتب إلـى الرب الرحيــم
مختارات