الرشد العاطفي
عن الاكتفاء الروحي، والرشد العاطفي.. قرأت اقتباس حلو لخورخي لويس بورخيس -سأنقله بعد قليل-، وهو يذكرني بمقطع شهير للشيخ علي الطنطاوي يتحدث فيه عن أمه وكيف رحلت، ثم يقول بنبرة مؤثرة أنه لا يبقى للإنسان إلا الله، كل العلاقات تنقطع. كل حب يبرد، أو يذوي. كل محبوب يموت. وكل الصداقاتتندثر. يوماً ما قيل للنبي ﷺ:”…أحبب من شئت فإنك مفارقه”. أذكر قرأت قديماً في بعض كتب المجاميع الأدبية عن رجل بليغ يتظّلم لدى أحد الولاة، فلم ينصفه، فقال له ما معناه: إن الإنسان يزعجه الشيء في أول حياته فيفزع إلى أمه، فإذا كبُر قليلاً فزع إلى أبيه، فإذا أصبح رجلاً فزع إلى الوالي، فإذا كَبُر أكثر فزعإلى الله. وهذا تلخيص مكثّف للمسيرة الوجودية لاتصال الإنسان بمنابع المساندة الروحية.
قد يبدو العيش صعباً مع الوحدة أو الجفاء. أن تفشل في العثور على توأم لروحك، أن لا تجد حضناً دافئاً ينتظرك أو تنتظره في مكان ما، هذا مؤلم بلا شك، لكن النفس تتدرب على أي شي في نهاية الأمر. فحقائق الوجود أقوى من خيالات الوجدان.
حسناً، يقول بورخيس:”بعد فترة تتَعلم الفرقَ الواهي بين الإمساكِ بيد، وبين تكبيلِ روح، وتتعلم أنَّ الحُبّ لا يعني الإتكاء، وأنَّ الصُحبة لا تعني الأمان. وتبدأ بالتعلم أنَّ القُبَل لا تعني اتفاقات مُبرمَة، وأنَّ الهدايا ليست وعودًا، وتبدأ بتقبُّل هزائِمك، ورأسكَ مرفوع، وعينيكَ مفتوحتين، بسموِ إمرأة، وليسَ بحُزنِ طفلٍ. وتتعلمبناء كُلّ دروبك على يومِك الحاضر، لأنَّ أرضَ الغدِ غير جديرة بالثِقة بالنسبة إلى الخِطط. بعد فترة تتعلم.. أنَّ حتى أشعة الشمسِ تَحرق إذا بالغت في الاِقتراب. لذا تقوم بزرعِ حديقتك، وتُزيّن روحِك بدلاً مِن انتظار شَخص ما ليحضر لك الزهور. وتتعلم أنَّ بمقدورَك حقًا الاِحتمال.. أنكَ حقًا قوي وأنك تطوي قيمتَك بداخِلك.. وتتَعلم وتتَعلم.. مع كلّ وداعٍ تتَعلم..”
مختارات