" القصة الأولى "
" القصة الأولى "
كنت فتاة مدللة في منزل والدي، أحاطني الجميع برعاية خاصة وعناية تامة في ظل إخوة خمسة، فكنت محظية بالمحبة والمودة.
وكان جل اهتمامي نحو الدراسة التي تفوقت فيها تفوقا ملحوظا، وهذا جعل الأعين تنصب علي! والأيدي تدنو مني !
ولما استقر بي المقام في المرحلة الثانوية بدأ قلبي يهتز للمرة الأولى عندما أخبرتني والدتي أن فلانا تقدم لخطبتي، وقلت بصوت فيه عجب وكبرياء...: هذا لعب عيال!وبدأ الخطاب ينهالون علي بمعدل يفوق زميلاتي حتى أني أسررت إلى إحداهن بقولي: يظهر أن شباب مدينتنا كلهم قد تقدموا إلي !
وتكرر الأمر في المرحلة الجامعية مع بعض الإضافات في طريقة الخطبة والسؤال ! وكنت دائما أسأل: ما هي مواصفات الزوج؟!
لا أكتمكم سرًّا.. جميع الموصفات والمهن والأشكال...
بل لو قلت اجتمعت صفات في خاطب اسمه (عبد الله) قل أن تجتمع في عشرة رجال ومع هذا رفضت، فأنا صاحبة المقام والمنزلة والذكاء والجمال.
ولما تخرجت وبدأت العمل كان سيل الخطاب يزداد أيضًا مع اختلاف لاحظته الآن، وهو كبر سن الخطاب فغالبهم يقارب الثلاثين من العمر ! وكان ناقوس خطر يدق في قلبي لم أستمع إليه إلا اليوم. ومرت الأيام.. فإذا بي أفاجأ بخطاب عجيب تدرون من هو؟ إنه مطلق لزوجة ولديه طفل ! صدمت لكني قلت: هذا مسكين لا يعرف حالي ومن أنا ! له عذر !...
الأيام تجري وعمري يجري، وقد انهمكت في عملي وأنا والخطاب في اتجاه واحد، وإن كانت المواصفات من الناحية العمرية بدأت تقل إلا أنها في المقابل زادت من ناحية المركز الوظيفي وتميز التفكير! إلا أنني كنت أرفض وأأمل أن يأتي رجل مثل عبد الله أو يقاربه ! لكن الطيور طارت بأرزاقها - كما يقال - وإذا بعبد الله لديه أربعة أبناء ! ولازلت عانسًا !
قاربت الثلاثين والأمر حرج وخطير، وأصاب أحيانا بالقهر ! فهذه فاطمة زميلتي لديها خمسة أبناء وتلك لديها بنتان كالقمر، وثالثة تستمتع بالحياة مع زوج حالته المادية يسيرة ! أما أنا فأستمتع بالهدوء والراحة كما كنت أكذب علي نفسي ! أدلف للمناسبات والتجمعات لوحدي، وأرى من هم في عمري وكل امرأة معها أطفالها تضاحكهم وتناديهم..
كانت الفتن تلوح أمامي.. ها هي قاب قوسين أو أدنى ولكن الله عصمني من أن أقع في الفاحشة ولعلَّه بدعاء والديَّ ومحافظتهم علي !
عدت يوما من عملي وقد تم ترفيعي لمرتبة أعلى نظرا لتميزي وجهدي، لكن ذلك سقط من عيني ووالدتي تكتب ورقة صغيرة على وسادتي: «يا بنيتي تقدم إليك (فلان) وهو في مرتبة وظيفية جيدة وفي سن الشباب، ولا يمنع أن توافقي حتى وإن كان له زوجة وستة أطفال فالأيام تمر.. فكري، وأخبريني».
قرأت الورقة بتمعن.. وغيظ ! وتأملت في مفرق رأسي وقد بدأت أجعل صبغة سوداء كل حين لأخفي شعرات بيضاء.. ثم بكيت وقلت: أهذه النهاية !؟
سارعت إلي والدي في المساء غاضبة، وقد نفد صبري ! كيف تقبلون بمثل هذا الرجل ولديه ستة أولاد !
فكان الجواب القاتل: لنا شهور لم يتقدم إلا أمثاله من المتزوجين! وأخشى أن يأتي يوم لا يتقدم أحد !
يا بنتي الأجداد كانوا يقولون: البنت مثل الوردة إذا تأخر قطافها ذبلت ! وأرى أنك دخلت هذه المرحلة ! يا بنيتي تقدم لك مئات من الخطاب وكنت تردينهم واحدًا تلو الآخر...
هذا طويل وآخر قصير، وذك، وهذا، حتى لم تجدي أحدًا !
في جلسة قصيرة مع والدي ووالدتي بعد مغرب الغد.. أرى العيون تنظر إليَّ برحمة وشفقة.. فأنا عانس فات قطار الزواج من أمامي بعد أن مر بجواري لكني تركته وسرعان ما بكيت وقلت: ليتك يا أبي فعلت ! قال: ماذا؟ قلت: أخذت بيدي ودفعتني إلي الزوج الذي ترضاه !ٍٍٍٍِ أما ارتضيت عبد الله وأثنيت عليه، أما ارتضيت ابن خالك ومدحته. ياليتك فعلت ولن ألومك ! ياليتك يا أبي ضربتني.. وعندها انفجرت بالبكاء !
واليوم لم يأت ذاك الشاب الطويل ولا القصير، ولم يأت الفقير ولا صاحب الوظيفة البسيطة... لم يأت فارس الأحلام ولا فارس المنام.. فجمعت حسرات الانتظار والعجب وصفتها عظة لأخت مثلي أن تصل إلي ما وصلت إليه !
مختارات