" من أسباب دفع العقوبات : التوبة من جميع المعاصي "
" من أسباب دفع العقوبات: التوبة من جميع المعاصي "
إن الذنوب حجاب عن الله سبحانه، والانصراف عن كل ما يبعد عن الله واجب، وإنما يتم ذلك بالعلم والندم والعزم، فإنه متى لم يعلم أن الذنوب من أسباب البعد عن الله لم يندم على الذنوب ولم يتوجع بسبب سلوكه طريق البعد وإذا لم يتوجع لم يرجع عن الذنوب.
التوبة: هي الرجوع عن المعصية إلى طاعة الله وهي واجبة من كل ذنب، ولها ثلاثة شروط:
1- الإقلاع عن المعصية.
2- الندم على فعلها.
3- العزم على ألا يعود.
وأما إذا كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فلا يبرأ إلا برد الحق إلى صاحبه أو استحلاله عن ذلك الحق الخاص.
ونحن في هذا المقام نبين أن سبب العقوبة هي المعاصي على اختلاف أنواعها، ولا ترتفع العقوبة إلا بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
فحقيق علينا أن نبادر بالتوبة والإقلاع عن المعصية لأجل أن يرتفع ما نزل من هذا البلاء الذي عم كل فرد من أفراد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تسليط الأعداء وإمالة دولتهم على المسلمين، وتسلم زمام مهام الدولة الإسلامية، وحتى إننا في هذه الأيام رفعت عنا العافية الكافية في عدم ظهور المعاصي والاستتار بها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» [متفق عليه].
فنرى صاحب الدخان قد جاهر بدخانه.
وحالق اللحية قد جاهر بها، وهي ظاهرة.
وصاحب آلات الملاهي قد أفشاها ولا يخفى أن المعصية إذا ظهرت ونزل عقاب.
إنه يعم الطالح والصالح إذا لم ينكر، كما في قصة أصحاب السبت ثم أنه ظهرت في المسلمين ظاهرة سيئة حتى فشت في جميع المجتمعات، وهي أنك إذا دعوت شخصًا للتوبة من أي ذنب تغير وجهه وظهر عليه الغضب، كأنك أخذت منه أعز شيء لديه، ثم يستدل بأن المعصية خفيفة وغيرها أكبر، وغير ذلك، أو استدل بآيات الرحمة والرجاء ونحو ذلك، وهو لا يعلم أن الله سبحانه وتعالى كلما ذكر آية رحمة قرنها بآية عذاب، أو ذكر أصحاب الجنة وصفاتهم أتبعهم بأصحاب النار وصفاتهم.
قال تعالى: " إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " [الأنعام:165] وفي هذا المقام نورد عقاب بعض الأمم التي ذكره الله في القرآن الكريم، مع ذكر المعصية لأجل أن يزول الشك، ويرتفع الحجاب وتستنير البصائر.
قال ابن القيم – يرحمه الله تعالى –: (مما ينبغي أن يعلم أن المعاصي والذنوب تضر وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الآخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي).
ثم قال – يرحمه الله تعالى: فما الذي أخرج الأبوين من الجنة والنعيم واللذة والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ ذكرت قصة الأبوين للاستدلال على أن العقوبة تترتب على المعصية وتأمل قصة إنزال إبليس لعنه الله من ملكوت السماء وطرده، ولعنه، ومسخه، ظاهرًا وباطنًا فجعلت صورته أقبح الصور وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وبدل بالقرب بعدًا، وبالرحمة عذابًا ولعنة، وبالجمال قبحًا وبالجنة نارًا تتلظى، وبالإيمان كفرًا، وبموالاة الولي الحميد عداوة ومشاقة.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رءوس الجبال؟
وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعًا ثم اتبعهم حجارة من السماء أمرها عليهم فجمع عليهم في العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ولإخوانهم أمثالها قال تعالى: " وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ".
وفي هذا نذكر آثار ظهور المعاصي المؤلمة التي تضر بالفرد والمجتمع:
أولًا: ظهور العقاب العام بالخوف والجوع والخسف والمسخ كما قص علينا من نبأ الأمم السابقة السالفة الذكر.
ثانيًا: تسليط أعداء لم يكن لهم تسلط من قبل.
ثالثًا: إفساد العقل فإن العقل نور، والمعصية تطفئ نور العقل.
رابعًا: احتقار المعصية فإن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه.
خامسًا: تعسير الأمور؛ فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه أو متعسرًا عليه.
سادسًا: شماتة الأعداء فإن المعاصي كلها أضرار في الدين والدنيا، وهذا ما يفرح العدو ويسيء الصديق.
سابعًا: أنه توجد في الأرض أنواع الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " [البقرة:155].
والحسنى تضمن للإنسان الفلاح في الدنيا والآخرة، لأن الله شرط الفلاح على التوبة فقال: " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [النور:31].
وبهذا المقدار نكتفي مما ذكر من أسباب رفع العقوبات أو دفعها قبل نزولها في المجتمع، ونحن في كل يوم نعاصر محنة كبيرة وأزمة عظيمة بسبب ما اقترفته أيدينا من المعاصي والذنوب، وعدم الالتزام بأوامر الله ورسوله.
فالعاقل هو الذي يعمل لما بعد الموت، ولا يتبع نفسه الأماني، فكثير من الناس يتمنى على الله الجنة ولا يعمل بعمل أهلها، بل بعد ما بينه وبينهم بعد ما بين المشرق والمغرب.
وقد تكون أعمال شخص واحد مشئومة على مجتمع كامل، كما قال الله تعالى: " وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ " [النمل:48].
وذلك بسبب زعامة السفهاء أو أوامرهم الهوجاء التي لا تتقيد بمبدأ ولا ترتسم على منهج، وهذا كله بسبب تضييع أوامر القرآن الكريم والسنة.
فالواجب علينا جميعًا أن نتدبر كتاب الله وسنة نبيه، ونتقيد بما جاء فيهما لنفوز في الدارين، وليعلم كل مسلم غيور على دينه أن من لم يعمل بما جاء فيهما فإن عمله مردود عليه، ولو قام قيام السارية صلاة وصيامًا بدون فتور فإنه مأزور غير مأجور.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره، وأن يرزقنا القيام بما أوجب علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يرزقنا التوبة النصوح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مختارات