تابع " البسملة لدى القراء والفقهاء والمحدثين وعلماء عد الآي "
تابع " البسملة لدى القراء والفقهاء والمحدثين وعلماء عد الآي "
المطلب الثالث: البسملة عند الفقهاء والمحدثين
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name: " جدول عادي " ; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent: " " ; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family: " Times New Roman " ; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} # أولًا: هل البسملة آية من القرآن أم لا؟
اختلف الفقهاء في عد البسملة آية من سورة الفاتحة، ومن أول كل سورة في القرآن، على أقوال أربعة:
الأول: مذهب مالك أنها ليست آية من القرآن، لا من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما هي للتبرك.
الثاني: مذهب أبي حنيفة أنها آية من القرآن، أُنزلت للفصل بين السور.
الثالث: مذهب أحمد أنها آية من أول الفاتحة دون غيرها من السور.
الرابع: مذهب الشافعي أنها آية في القرآن كله، من الفاتحة ومن غيرها في بدايات السور.
ولا خلاف في عدم وجود البسملة في أول سورة براءة، وأنها جزء من آية في سورة النمل.
ثانيًا: حكم قراءة البسملة في الصلاة سرًا وجهرًا:
للفقهاء في قراءة البسملة في الصلاة والإسرار بها أو الجهر ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب مالك أنها لا تُقرأ في الصلاة المفروضة، لا سرًا ولا جهرًا، لا في الفاتحة ولا في غيرها، ويجوز قراءتها في النوافل.
الثاني: مذهب أبي حنيفة وأحمد أنها تقرأ سرًا في الصلاة ولا يجهر بها، وقد يجهر بها عند أحمد لمصلحة راجحة.
الثالث: مذهب الشافعي أنه يُجهر بها في الصلاة الجهرية، ويُسر بها في الصلاة السرية.
وسبب الخلاف في ذلك هو: هل البسملة آية من الفاتحة ومن كل سور القرآن أم لا؟ فمن ذهب إلى أنها آية أوجب قراءتها، ومن ذهب إلى أنها ليست آية، منع قراءتها، وإليك دليل كل منهم:
ثالثًا: أدلة الجهر بالبسملة في الصلاة، وكونها آية:
(أ) دليل الشافعية: استدل الشافعية على أن البسملة آية من الفاتحة وغيرها، ويجهر بها في الصلاة الجهرية بأحاديث منها:
1- حديث أم سلمة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " وعدها آية، وفي رواية: كان يقطع قراءته آية آية: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " (أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي والدار قطني وأحمد والحاكم وابن خزيمة وغيرهم، انظر: تصحيحه وتخريجه للشيخ الألباني في «إرواء الغليل»).
وعد البسملة آية وقطعها عما بعدها لا يُعلم إلا من الجهر بها، وقد نص الحديث على أن ذلك كان في الصلاة، ولفظ (في الصلاة) نص عليه من سمعت البسملة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أم سلمة (رضي الله عنها) راوية الحديث.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأتم " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " فاقرؤوا " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» (رواه الدار قطني والبيهقي بإسناد صحيح، انظر: «صحيح الجامع الصغير» و«سلسلة الأحاديث الصحيحة»).
وفي لفظ له: « " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " سبع آيات، إحداهن " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " [» (عن عبد الحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن الدار قطني).
ويُفهم من الحديث إطلاق لفظ " الْحَمْدُ " على سورة الفاتحة، وأن البسملة آية منها.
3- حديث أنس رضى الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت قراءته مدًا، ثم قرأ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " » (أخرجه البخاري).
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المدود الطبيعية حقها، وضرب المثل على ذلك بسورة الفاتحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد " الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " مدًا طبيعيًا بمقدار حركتين.
ولا يُعلم كون البسملة آية إلا من الجهر بها، وقد نص الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة.
4- أخرج الحاكم وغيره بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " (قال الحاكم: رواته عن آخرهم ثقات، وأقره الذهبي، ينظر: «المستدرك في الصحيحين»).
5- حديث أنس أيضًا قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفي إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفًا سورة، فقرأ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ " (أخرجه الستة، «جامع الأصول» وانظر: «صحيح الجامع» وهو في مسلم وأبي داود).
فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم البسملة في أول سورة الكوثر، وهو دليل ثبوتها آية في أول السور، وغير ذلك من الأحاديث.
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الدار قطني عن علي رضى الله عنه أنه سئل عن السبع المثاني فقال: " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " فقيل: إنما هي ست، فقال: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " أي: أن البسملة هي الآية السابعة (سنن الدار قطني).
فهذه الأحاديث تدل على أن البسملة آية من أول كل سورة، وأنه يُجهر بها في القراءة الجهرية في الصلاة وغيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها جهرًا ونقلها عنه الصحابة كما سبق بيانه.
وقد أثبت الجهر بالبسملة أحاديث أخرى جاءت من طرق كثيرة لم أذكرها؛ لأن معظمها لا يخلو من مقال، وهي أكثر من طرق الإسرار بالبسملة في الصلاة.
هذا: وقد كُتبت البسملة في المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية، في أول كل سورة من القرآن، ما عدا براءة، وتواتر ذلك وثبت بالإجماع، ولم يُكتب في المصحف ما ليس منه مع تشدد الصحابة في ذلك، بمنع كتابة الأعشار، وأسماء السور، ونقط الإعجام، وما وُجد من ذلك أخيرًا كتب بمداد مختلف، والجهر بالبسملة أخذ به الشافعي ومن وافقه، وهو الطريق الثابت في الرسم بين دفتي المصحف.
(ب) أدلة الجمهور (الأحناف والحنابلة والمالكية): في الإسرار بالبسملة:
حجة المالكية في عدم قراءة البسملة أصلًا في الفريضة، وحجة الأحناف والحنابلة في قراءتها سرًا في الصلاة الجهرية أو السرية، أحاديث؛ جاء منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بالحمد؛ من ذلك:
1- حديث أنس قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين " وفي رواية مسلم: لا يذكرون " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " (أخرجه البخاري ومسلم).
2- حديث عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ " الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (أخرجه مسلم وأبو داود).
3- حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله سبحانه وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي» (أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي) ولم يذكر البسملة.
وقال الأحناف: إن كتابة البسملة في المصحف يدل على أنها قرآن، ولا يدل على أنها آية من كل سورة.
ورأى مالك أن أهل المدينة لا يقرؤون البسملة في صلاتهم في مسجد المدينة، فلو كانت آية من الفاتحة لوجب قراءتها معها في الصلاة، ولكنها كُتبت للتبرك وليست بقرآن.
والأحاديث المذكورة تدل على عدم قراءتها في الصلاة، وأنها ليست من الفاتحة، وإنما نزلت للفصل بين السور (نقلاً عن الشيخ محمد علي الصابوني في «تفسير آيات الأحكام» بتصرف).
4- وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غُفر له " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " » (أخرجه النسائي في «الكبرى»، وأبو داود والترمذي وابن ماجة و«المسند» وابن حبان ).
والبسملة ليست منها، وكذلك سورة الكوثر ثلاث آيات، ليست منها البسملة.
قلت: لعل الأرجح أن البسملة آية معدودة من سورة الفاتحة، وأنها نزلت للفصل بين كل سورتين كما قال الأحناف، ويؤيده حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت (أخرجه أبو داود بإسناد صحيح انظر: «صحيح سنن أبي داود» للشيخ الألباني).
وعن سعيد بن جبير أنهم كانوا لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت ونزلت أخرى ([22]).
وعليه: فإنه يجوز الجهر بالبسملة في أول سورة الفاتحة في الصلاة وغيرها في القراءة الجهرية لعدها آية منها، وللأدلة الواردة في ذلك، وهي أحاديث صحيحة وصريحة في الحكم.
وتقرأ جهرًا كذلك للفصل بها بين السورتين كما هي في المصحف؛ ولحديث ابن عباس السابق؛ وللتيمن والتبرك؛ ومعرفة أول السورة من آخرها، وذلك حال وصل السورة بالسورة في الصلاة وغيرها.
ويجهر بها كذلك عند البدء بالسورة في الصلاة وغيرها لإجماع القراء على ذلك، ولأحاديث الجهر بها.
ويمكن تلخيص حالات الجهر فيما يأتي:
1- عند البدء بأول السورة في القراءة الجهرية.
2- عند وصل السورة بالسورة للفصل بينهما؛ حتى لا يكون القرآن كله سورة واحدة، وللتيمن والتبرك، كما في صلاة التراويح وغيرهما.
3- في أول سورة الفاتحة على سبيل الجواز في القراءة الجهرية، في الصلاة المكتوبة المسنونة، وفي غير الصلاة.
مختارات