إنفاق الطيب من الأموال
على المسلم أن يكون كسبه المعيشي حلالاً، ورزقه حلالاً، وماله أو ثروته حلالاً، لأن الحلال يبارك الله الله فيه، ويؤدي إلى التنمية أو الإبدال، والسعادة، والصحة والعافية، وأما الحرام فيمحقه الله ولا يبارك فيه لصاحبه، ولا لمن ينفقه عليهم، بل يكون أداة تدمير، ومصدر قلق ومرض، وكلُّ جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
ولا يستجيب الله تعالى دعاءً من كان مطعمه حرماً، وملبسه حرماً، وغُذِي بالحرام، بل ويسأل عن ذلك يوم القيامة، ويعاقب على ما جنته يداه، وعلى ما ارتكب من الإثم الظاهر والباطن، ويزجّ به في النار. ولذا أوصى القرآن الكريم بالإنفاق مما يحب الإنسان، ومن الجيد الحلال الطيب، فقال الله تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92].
أي لا تبلغوا مقصودكم من الخير والفضل، والظفر بالجنة، إلا بالإنفاق مما أحب الإنسان وآثر، لا من الكسب الخبيث (الرديء أو المشبوه أو الحرام)، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267].
إن الجنة عذبة الماء طيبة الرائحة والتربة، نقية الهواء، سائغة المورد والطعم والمنزل، ولا ينال طيبها أو خيرها، إلا من آمن وعمل صالحاً، فأدى الفرائض، واستطاب المطعم والملبس والمسكن، فاكتسب المال من موارد الحلال، وأنفق المال في المشروعات الحلالوعاش حريصاً على تجنب الحرام والمشتبه فيه، كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وأجر البغي (الزانية) والمغنّية والراقصة، والنائحة، ومكافأة الكاهن او الساحر، أو المهرِّج، والرشوة، ومال الربا، واكل أموال الناس بالباطل، واكل مال اليتيم، وغير ذلك من مصادر الحرام.
وإن الله تعالى يبارك في عمر الإنسان لأسباب كثيرة، فيسعد في دنياه، ويبتعد عن المنغّصات والمكاره، ويسلم من الأحداث والمصائب، ومن أهم أسباب البركة في العمر: صلة الرحم، وبر الأبوين، وطيب المكسب، وعمل اليد.
وإن دخول الجنان في الآخرة مرهون بصحة الإيمان والاعتقاد، وصلاح الأقوال والأفعال والأعمال وأكل الحلال، وتجنب الحرام، والإنفاق من طيبات الرزق على النفس والأهل والأولاد والأقارب، واختيار الجيد والأفضل، والأكرم والأدسم، ثبت في الحديث المتفق عليه عن أنس – رضي الله عنه- قال:
كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيِّب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]. جاء أبو طلحة إلى رسول اله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله إن الله تعالى انزل عليك (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]. وإن أحب مالي إليَّ بَيْرحاء وغنها صدقة لله تعالى أرجو بِّرها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله: «بخٍ (كلمة تقال عند الرضى بالشيء والإعجاب به) ذلك مال رابح، وقد سمعتما ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وابن عمه.
دَّل هذا الحديث على استحباب الإنفاق من أحسن الأموال واحبها إلى النفس وعلى ظاهرة طيبة جميلة في الصحابة الكرام ومنهم أبو طلحة وهي سرعة الاستجابة لأمر الله ومرضاته ودَّل أيضاً على التشجيع على فعل الخير بالثناء على فاعله وشكره على عمله كذلك أرشد الحديث إلى أن أولى الناس بالإحسان هم ذوو الأرحام المحتاجون ثم الأباعد المحتاجون.
وما أحوجإلى التشبه بصنيع الصحابية الكرام في الإنفاق على مصالح الأمة واسترداد الحقوق المغتصبة وجهاد العدو بالنفس والمال.
•أهم المصادر والمراجع:
- خلق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.
- الآداب الإسلامية: محمد خير فاطمة.
مختارات