تابع "" ثمار نكاح الصالحات "
تابع " " ثمار نكاح الصالحات "
الحادي والعشرون: ذكر الله عز وجل بعض صفات الصالحات، فقال تعالى: " فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ " [النساء: 4] أي فالصالحات من النساء مطيعات لأزواجهن، تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله، وتعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنها: «رعاية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها» بل حتى في نوافل الطاعات تستأذنه وتطيع أمره، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» [رواه البخاري].
الثاني والعشرون: الزوجة الصالحة امرأة عاقلة تتبع مواضع الرضا من زوجها؛ فلا تشوش ذهنه ولا تكدر خاطره، وإليك هذه القصة لتعلم ذلك: قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ » قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «ولود ودود، إذا غضبت، أو أسيء إليها، أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى» [رواه الطبراني].
ولعل في إيراد قصة أبي طلحة عندما قدم من السفر وما فعلت أم سليم - رضي الله عنهما - أصدق صورة للمرأة الصالحة.
فقد مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب ! وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لكما في غابر ليلتكما» [رواه الإمام أحمد].
الثالث والعشرون: ذكر أصحاب السير والتراجم: أن فاطمة بنت عبد الملك -رحمه الله- كانت بنت خليفة وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، زفت إلى زوجها يوم زفافها، وهي مثقلة بالذهب والمجوهرات والحلي، فلما أراد عمر بن عبد العزيز الخروج من المظالم خيرها بين زوجها وبين خروجها من حليها، فاختارت زوجها فوضع عمر تلك الحلي والمجوهرات في بيت مال المسلمين، ولما توفي أراد من أراد أن تأخذ أموالها وحليها من بيت مال المسلمين، فقالت: ما كنت لأطيعه حيًا، وأعصيه ميتًا، تعني زوجها عمر بن عبد العزيز.
والزوجة الصالحة حافظة لسرك ومدخلك ومخرجك؛ فلا تفشي سرًا ولا توغر صدرًا ولا تسعى إلا لرضاك بعد رضا الله عز وجل.
الرابع والعشرون: إن المرأة الصالحة مظنة أن يقع عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تخيّروا لنُطفكُم، فانكحُوا الأكفاءَ، وأنكحُوا إليهِم» [السلسلة الصحيحة].
والمرأة الصالحة غالبًا ما تكون -بإذن الله- قد نشأت في موطن صلاح ومن أصل طيب، وليست مثل فلانة خضراء الدمن التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الزواج بها، فعن أبي سعيد الخدري موقوفًا: «إياكم وخضراء الدمن!» قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء» [مسند الشهاب].
الخامس والعشرون: إن اختيار الزوج لزوجته الصالحة من حقوق أبنائه، فقد سئل عمر بن الخطاب رضى الله عنه: ما حق الولد على أبيه؟ فقال: (أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن).
السادس والعشرون: إن المرأة الصالحة نعمة عظيمة تقر بها العين وتهنأ النفس، قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه حوبًا في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء» [رواه أحمد].
السابع والعشرون: المرأة الصالحة تحفظ الرجل في عرضه وماله، لأنها تعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه..» بل ولا تأذن في دخول أحد إلى بيته إلا بإذنه.
عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أتى أبو بكر الصديق رضى الله عنه ليزورها، فاستأذن فقال لها زوجها علي بن أبي طالب: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك ! فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، قلت: - أي الذهبي - علمت السنة -رضي الله عنها- فلم تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه !! قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها.. حتى رضيت (كتاب سير أعلام النبلاء) !
الثامن والعشرون: المرأة الصالحة صاحبة قرار في البيت ليست خراجة ولاجة، تمتثل أمر الله عز وجل: " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ " [الأحزاب: 4] وفي هذا من الاستقرار وحسن التبعل والبعد عن الفتن ما لا يخفى على عاقل.
التاسع والعشرون: الزوجة الصالحة لا تتطلع إلى ما في أيدي الناس، ولا تقارن حال زوجها بغيره من الأزواج، بل هي في قرارة نفسها راضية بما قسم الله -عز وجل- صابرة على ما أصابها.. صاف ذهنها، قانعة بحالها، وعقلها مستريح، ونفسها طيبة.. واستقرار الصالحات العاطفي واضح جلي، فلا هي تبحث عن كلمة إعجاب ولا ثناء ومحبة من رجل آخر، بل قد قرت عينها ببعلها تخدمه وتنظر مواطن قربه.
الثلاثون: إن نزل بالزوج مصيبة الموت وتوفاه الله عز وجل، فإنها زوجة وفية تدعو لك بالرحمة والمغفرة، وتسعى لأن تجلب إليك ما يرفع درجتك.
وأذكر أن امرأة تزوجت رجلاً توفي بعد سنوات قليلة من زواجه، فما كان من الزوجة الوفية إلا أن جمعت من راتبها -وهي معلمة - حتى بنت له مسجدًا على مدى ثلاث سنوات.
الحادي والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة مطيعة، تشبع رغبات زوجها العاطفية والنفسية، حتى وهي في أشد حالات العمل؛ لأنها سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم فأطاعت وامتثلت: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح» [رواه البخاري].
الثاني والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة خدوم في بيتها وأولادها على قدر استطاعتها.
وحسبك بابنة نبي الأمة فاطمة رضي الله عنها، عندما جاءت إلى أبيها صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى.. وأخرى من الصالحات هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستسقي الماء وأحرز غربه وأعجن، ولم أكن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ (الفرسخ نحو خمس كيلومترات)، [رواه مسلم] ومعنى هذا أنها تحمل الماء على رأسها أكثر من ثلاث كيلومتر ونصف.
الرابع والثلاثون: إن الزوجة الصالحة غضيضة الطرف عن غير زوجها، امتثالاً لأمر الله عز وجل: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ " [النور: 24]، ولذلك لديها سكون عاطفي ونفسي، لا تتطلع إليه ولا ترمق سواه، امرأة حيية والحياء لا يأتي إلا بخير.
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت: جئت يومًا، والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نفر من الأنصار، فدعاني -عليه الصلاة والسلام - ثم قال: (إخ!! إخ!!) ليحملني خلفه !! [رواه مسلم].
[أي أن النبي عليه الصلاة والسلام، رحمها وأشفق عليها من مشقة الحمل الثقيل الذي تحمله على رأسها، فأراد أن يركبها خلفه على البعير، ليوصلها إلى مقصدها !!].
قالت أسماء: فاستحييت أن أسير مع الرجال !! وذكرت الزبير وغيرته، وكان من أغير الناس !! قالت أسماء: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني قد استحييت فمضى!! فجئت إلى الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه، وعرفت غيرتك ! [رواه البخاري].
الثالث والثلاثون: يسرك أن تسمع كلام الله يتلا: " وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ " [النور: 24] فكن أنت وزوجك ممن ذكرهم الله عز وجل وجمع بينهم على التقوى والهدى.
الخامس والثلاثون: إنها امرأة تحفظ نفسها وعرضها عن شياطين الإنس والجن: علمت أن الخير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، ولذا فهي لك وحدك، ليس معك شريك في النظر إليها أو محادثتها أو غير ذلك.
كانت عتبة فتاة بارعة الجمال، فائقة الحسن والدلال، فعشقها أحدهم وتعلق قلبه بها، فطلب منها أن يراها، ولو مرة واحدة، فأبت عليه وامتنعت، فاشتد تعلقه بها، ومرض واشتد مرضه، ثم مات !! فقيل لها لما مات: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك !! فقالت: منعني من ذلك: مخافة القوي الجبار، وخوف العار، وشماتة الجار، وإن بقلبي -أي من الحب والشوق إليه- أضعاف ما بقلبه، غير أني أجد ستره وكتمانه، أبقى للمودة، وأحمد للعاقبة، وأطوع للرب، وأخف للذنب(كتاب روضة المحبين، لابن القيم) !
قال إبراهيم بن الجنيد: راود رجل امرأة عن نفسها، في حال خلوة بها، فقالت له: أنت قد سمعت القرآن والحديث، فأنت أعلم !! قال: فأغلقي الأبواب، فأغلقتها كلها !! فلما دنا منها، قالت له: بقي باب لم أغلقه ! فقال لها مستغربًا: أي باب؟! فقالت والدموع تتحدر من عينيها: الباب الذي بينك وبين الله تعالى !! فأفاق الرجل من غفلته، وتركها لله - تعالى -، ولم يتعرض لها بسوء (كتاب روضة المحبين، لابن القيم، بتصرف) !!.
وبعض الناس إذا تزوج بامرأة غير صالحة؛ يرتاب في أمرها ويشك في حالها وتنقلب حياته تعاسة ونعيمه بؤسًا، أما الزوجة الصالحة الحافظة لحدود الله عز وجل فإنها قرة عين وموطن ثقة ولله الحمد.
مختارات