ما أحوج المجتمعات لأمثال هؤلاء !!
قال بعض السلف: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره.
هذا أدبٌ عالٍ لا ترتقي له إلا النفوس الكريمة، وقد عهد عن كرام ونبلائهم.
قال منصور بن عمار: دخلتُ على الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ خلوةً، فأخرج من تحته كيساً فيه ألف دينار، وقال: يا أبا السَّرِيّ، لا تُعلم بها ابني، فتهون عليه.
وعن بسطام التيمي قال: كان حماد بن أبي سليمان يزورني، فيقيم عندي سائر نهاره ولا يطعم شيئاً، فإذا أراد أن ينصرف، قال: انظر الذي تحت الوسادة، فَمُرهم أن ينتفعوا به، قال: فأجد الدراهم الكثيرة.
قال بعض الفضلاء: أعرف من كان يذهب بالصدقة ضحى أيام رمضان، لأن ذلك أنسب الأوقات وأبعد عن العيون، فالكل نائمٌ في الدار، وكذلك الجيران وأهل الطريق.
أقول: وكان شيوخ مشايخنا يحرصون على الجود والصلة، وإذا كان من يصلونه ذا فضل وقَدْرٍ فإنهم يُخْفُون تلك العطايا أشد الإخفاء، وكان بعضهم يرسل العطية مع ابنه ويقول: قل لفلان يسلم عليك أبي ويقول: هذا هو الحق الذي تطلبني، وسامحني على التقصير، ثم يسلِّمه المال، فيظن الابن أن الـمُعطَى هو المتفضل !!.
إن هذه النفوس الكريمة قد تخرجت من مدرسة الجود والكرم والأدب الجمِّ، من مدرسة رمضان، وصُقِلَت تلك الـمُهَجُ بنصوص الوحيين، فَسَمَت وجادت. والله المستعان.
نسأل الله تعالى أن يَهَبَ لنا من لَدُنه رحمةَ، إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مختارات