( الاستعاذة )
·صيغتها:
الصيغة المختارة لدى جميع القُرَّاء والفقهاء والمشهورة عندهم، هي:
قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
غير أنه قد جاء بعض الصيغ التي فيها زيادة على الصيغة المذكورة أعلاه أو نقص، عن أئمة القُرَّاء وأهل الأداء مثل:
- قولك: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
-قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنَّ الله هو السميع العليم.
-قولك: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم.
-قولك: أعوذ بالله العظيم السميع من الشيطان الرجيم.
إلى غير ذلك مما ورد.. ولم يرد في النقص إلا صيغة واحدة هي: (أعوذ بالله من الشيطان).
·معناها:
الاستعاذة: مصدر استعاذ أي: طلب العوذ والعياذ، وهو اللجوء والتحصن والاعتصام.
فإنك إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فكأنك تقول: ألجأ إليك يا الله وأتحَصَّن بك وأعتصم بك من وساوس الشيطان ومكائده.
·حكمها:
قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [سورة النحل:98].
اتفق القُرَّاء على الاستعاذة مطلوبة ممن يريد قراءة القرآن ولو آية واحدة، واختلفوا في حكمها:
- فذهب جمهور العلماء ومعظمهم إلى أن الاستعاذة مطلوبة ممن يريد قراءة القرآن على سبيل الاستحباب لا الوجوب، سواء كان ذلك في أول السورة أو وسطها، وقالوا أن الأمر الوارد في الآية الكريمة يُحْمَل على الندب لا الوجوب، وبالتالي لا يأثم تاركها.. وهذا رأي.
- وذهب بعض العلماء إلى أن الاستعاذة مطلوبة ممن يقرأ القرآن على سبيل الوجوب لا الاستحباب، سواء كان ذلك في أول السورة أو وسطها، إذ الأمر الوارد في الآية يفيد الوجوب ولا صارف له عن الوجوب إلى الاستحباب، وبالتالي يبقى الإتيان بها واجباً، ويكون القارئ آثماً إن لم يأتِ بالاستعاذة عند أوَّل تلاوته للقرآن.. وهذا هو القول الراجح والله أعلم.. ومما يزيد هذا القول تأكيداً أننا بالاستعاذة قبل التلاوة نُمَيِّز بين كلام الله تعالى (القرآن) وبين غيره من الكلام وهذا أمر ضروري.
* محل الاستعاذة:
يأتي قارئ القرآن بالاستعاذة قبل أن يبدأ بتلاوته، ويكون معنى الآية الكريمة: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، كما هو في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ...﴾ [سورة المائدة:5]. أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم... إلخ، وغسل الوجه وباقي أركان الوضوء وسننه يكون قبل الصلاة لا بعدها، وكذلك فإن الاستعاذة تكون قبل البدء بالتلاوة لا بعدها.
·حكم الاستعاذة من حيث الجهر أو الإسرار بها:
- لا خلاف بين العلماء في الجهر بها عند افتتاح القراءة وعند الابتداء برؤوس الأحزاب، إذا كانت القراءة جهراً بحضور من يسمع.. كأن تكون القراءة في حلقة تعليم أو في حفل عام.
- أما إذا كانت القراءة سِرَّاً فإن القارئ يُسِرُّ بالاستعاذة ولا يجهر.. وكذلك الأمر إذا قرأ خالياً بغير حضور من يسمع.
- أما في الصلاة السِّرِّية أو الجهرية فإنه يُسِرُّ بها ولا يجهر.
* اقتران الاستعاذة بأول السورة:
اقتران الاستعاذة بأول السورة له حالتان:
- الحالة الأولى: جميع سور القرآن ما عدا سورة التوبة: يجوز فيها أربعة أوجه:
1- قطع الجميع: أي الوقوف على الاستعاذة ثم على البسملة ثم الابتداء بأول السورة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرحمن الرحيم * القارعة).
2- وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: أي نصل الاستعاذة بالبسملة ثم نقف على البسملة ثم نبدأ بأول السورة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم * القارعة).
3- وصل الجميع: أي نصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة جملة واحدة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم القارعة).
4- قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: أي الوقوف على الاستعاذة ثم وصل البسملة بأول السورة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرحمن الرحيم القارعة).
- الحالة الثانية: وهي سورة التوبة خاصة: ويجوز فيها وجهان:
1- قطع الجميع: أي الوقوف على الاستعاذة ثم الابتداء بأول السورة من غير بسملة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْـمُشْرِكِينَ)
2- وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بأول السورة جملة واحدة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ).
* اقتران الاستعاذة بغير أول السورة:
إذا ابتدأ القارئ من أثناء السورة فهو مُخيَّر بين الإتيان بالبسملة بعد الاستعاذة أو عدم الإتيان بها، والإتيان بها أفضل للثواب المترتب على ذلك.
وبناءً عليه فإن أتى بها جاز له الوجوه الأربعة السابقة التي في ابتداء السورة، وإن لم يأتِ بالبسملة جاز له وجهان فقط، وهما:
1- قطع الجميع: الوقوف على الاستعاذة ثم الابتداء بأول الآية، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)
2- وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بأول السورة، نحو: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).
والوجه الأول وهو (قطع الجميع) أولى خاصة إذا كان أول الآية لفظ الجلالة أو كلمة رب أو ضمير يعود عليه لما في وصله بالاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان، أو إيهام كونه صفة للشيطان، كما في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [سورة فصِّلت:47] وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه:2].. وغير ذلك.
وقد أكَّد بعض العلماء على ذكر البسملة بعد الاستعاذة في مثل هذه الحال كما في قوله تعالى: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [سورة البقرة:255]، وكذلك فيما لو كانت الآية تبدأ بذكر اسم الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ﴾ [الفتح:28]. لما في وصل الاستعاذة بأول السورة من البشاعة والسُّوء.
وكذلك يمنع وصل البسملة في قوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ﴾ [سورة البقرة:268]. وقوله تعالى: ﴿ لَّعَنَهُ اللهُ﴾ [سورة النساء:118].. ونحوهما لما فيه من البشاعة أيضاً، ولإيهام الصفة.
- أما سورة براءة: فالقارئ مُخّيَّر بين أن يأتي بالبسملة بعد الاستعاذة أو لا يأتي بها، عندما يبتدئ القراءة من أثناء السورة.
- تنبيه: إذا عرض للقارئ أمر ضروري أو طارئ كسعال أو عطاس أو تثاؤب أو كلام له صلة بالقراءة.. فإنه لا يُعيد الاستعاذة.. أما إن قطع قراءته بشيء أجنبي لا علاقة له بالقراءة كأكل أو شرب أو رد سلام أو ما شابه ذلك فإنه يُعيد الاستعاذة، وكما لو أنهى قراءته ثم أراد أن يبدأ من جديد.
*****************************
* أهم المصادر والمراجع:
- كيف تقرأ القرآن: الشيخ محمد أبو الفرج صادق.
- بُغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن: الشيخ محمد شحادة الغول.
-دروس في ترتيل القرآن الكريم: الشيخ فائز عبدالقادر شيخ الزور.
- الإتقان في علوم القرآن: الإمام النووي.
مختارات