" ثمار نكاح الصالحات "
" ثمار نكاح الصالحات "
إذا فكر الشاب في الزواج فلابد أن يضع نصب عينه هدفًا لهذا الزواج، وعلى هذا الأساس يبدأ البحث والاختيار، فإن انصب هدفه على ذات الجمال بدأ يسأل ويرسل من يرى المخطوبة، وسؤال حاله في كل مرة عن جمالها، والآخر يبحث عن المادة في زواجه فتراه يبحث عن أهل الغنى ويشترط أن تكون ذات مرتب مثلاً وإلا فهو يحجم؛ والآخر يبحث عن ذات الحسب والنسب ولو توفرت له امرأة فيها جميع الصفات إلا هذا الشرط لعزف وتوقف ! والآخر يبحث عن ذات الدين فتراه يفتش عن مواطن الخير والصلاح ويتفرس في البيوت ويسأل الصالحات حتى ينال مراده، ولا تخرج الأهداف عن هذه المطالب الأربعة، وأميز النساء ذات الدين لأنها صاحبة ثمرات دانية وآثار يانعة.
أخي الشاب:
للنكاح في الإسلام ثمار عديدة، ولنكاح الصالحات ثمار أخص وأعظم؛ ومن تلك الثمار مع النية والاحتساب:
أولاً: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في حثه على الزواج ابتداء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» [متفق عليه].
وفي التماس هديه وتوجيهه، الخير والبركة في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه في الزواج بالمرأة الصالحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع»، ثم قال حاثًا على أعلاهن مرتبة وأكملهن عشرة وأعظمهن أثرًا: «عليك بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه].
ثالثًا: البعد عما يظن به من عجز أو فجور أو مواضع التهم والسوء، كما قال عمر رضى الله عنه: (لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور).
وكان ابن مسعود رضى الله عنه يقول: (لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام، لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبًا).
رابعًا: حصول الذرية الطيبة واستمرار بقاء النسل ونيل الثواب، بسبب الولد الصالح كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وذكر منها: «أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
والولد الصالح نتيجة تربية الأب الصالح والأم الصالحة، بل الأم هي الأقرب في أمر التربية خاصة في سنوات الابن الأولى.
وأذكر امرأة توفي زوجها وبدأت تحرص على أبنائها وتحثهم على صلاة الفجر وهم صغار، حتى كبروا وشبوا عن الطوق وكانوا حفظة لكتاب الله عز وجل.
أما المرأة غير الصالحة فإنها لا تنفع نفسها، بل تضر نفسها ومن ولاها الله عز وجل من الصغار والأطفال فينشئون في منابت السوء وضعف الدين.
خامسًا: حصول الأجر والمثوبة لكل من الزوجين من إنفاق وإعفاف وإعانة وكلمة طيبة وكف أذى، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كسب الرجلُ كسبًا أطيبَ من عمل يدِه، وما أنفق الرجلُ على نفسِه وأهلِه وولدِه وخادمِه فهو صدقةٌ» [صحيح الترغيب] وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم بأن: «ولا يَأْكُلْ طعامَك إلا تَقِيٌّ» وهذا يقع في المرأة الصالحة.
سادسًا: دعاء الزوجة الصالحة لزوجها في صلاتها وقيامها وقعودها، مع كثرة شكرها لأعمالك وإنفاقك وإحسانك، فإن ديدن الصالحات شكر من أسدى إليهن معروفًا، كما قال عز وجل: «مَنْ أَتَى إليكُمْ معروفًا فكافِئُوهُ، فإِنْ لَمْ تَجِدُوا فادعوا لَهُ» [صحيح الجامع].
سابعًا: الثواب الجزيل المترتب على إنجاب الأبناء والصبر على تربيتهم التربية الصالحة وجعلهم دعاة إلى الدين وأعوانًا له، ونكاح الصالحات مظنة إخراج أولئك من تحت يدها بإذن الله عز وجل فهي ترى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تتزوَّجوا الودودَ الوَلودَ فإنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأممَ» [السلسلة الصحيحة] وليس لدعوات تحديد وإيقاف النسل مكان في عقلها وفكرها وواقع حياتها؛ بل هي تنجب وتربي، فالأمة بحاجة إلى أبناء بررة وبنات صالحات.. وتأمل في سيرة السابقين واللاحقين ودور الأم في تربية الأبناء في حياة والدهم أو بعد وفاته.
ثامنًا: نكاح الصالحات من أسباب حصول الرزق ونزول البركة فيه، قال سبحانه وتعالى: " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [النور].
قال أبو بكر رضى الله عنه: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى).
وقال علي رضى الله عنه: (التمسوا الغنى بالنكاح).
تاسعًا: إعانة الله عز وجل لمن أراد النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم» وذكر منهم: «والناكح الذى يريد العفاف» [صحيح الترغيب]، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي لم يجد عليه إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوجه بتلك المرأة، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (والمعهود من كرم الله -تعالى- ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله..).
عاشرًا: إن النكاح عند أهل العلم والفقه الشرعي مقدم على نوافل العبادات، وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الزواج يقدم على الحج، مع أن الحج ركن من أركان الإسلام وفيه إعفاف للزوج والزوجة في زمن الفتن.
الحادي عشر: حصول المرأة على الأجر، الأجر المماثل لأجر الرجل المجاهد بحسن تبعلها لزوجها وقيامها على أسرتها، والزوج هو السبب في ذلك إذا احتسب ونوى ذلك.
الثاني عشر: إن نكاح الصالحات من متاع الدنيا وجمالها وبهائها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» [رواه مسلم].
ألق نظرة إلى هذا التفاهم الجميل والانسجام في حياة الأخيار، قال أبو الدرداء لأم الدرداء: (إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق)(روضة العقلاء).
الثالث عشر: المرأة الصالحة تعين على نوائب الدهر وتقلبات الأيام وأمور الدنيا، والأمثلة أكثر من أن تحصى في التاريخ القديم وسير الصالحات في عصرنا هذا.
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء، بعد أن أتاه الملك، كان فؤاده يرجف خوفًا وفزعًا، فدخل على زوجته الصالحة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال لها: «زملوني ! زملوني !» فزملوه حتى ذهب عنه الخوف، ثم قص -عليه الصلاة والسلام- الخبر على خديجة، وقال: «والله لقد خشيت على نفسي» !! فقالت له خديجة بلسان الزوجة الصالحة الناصحة المواسية لزوجها في محنته: كلا ! والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم؛ وتقري الضيف؛ وتحمل الكل؛ وتكسب المعدوم؛ وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة وكان امرءًا قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك ! فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى !! يا ليتني فيها جذعًا! يا ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك ! فقال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: «أومخرجي هم؟» قال: نعم! لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ! وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا !، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة !!
الرابع عشر: نكاح المرأة الصالحة يعين على الطاعة وييسر أمر العبادة؛ فإنها ستكون لك صاحبة وقريبة، وبعض الشباب التزم وحسنت حاله إثر زواجه بامرأة صالحة، فانظر ماذا قدمت له ! بل إنه أعظم أمر: الدلالة على الخير والتحذير من الشر.
وما أجمل الصورة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم للزوجين المتعاونين على الطاعة، روى أبو هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإنه أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت فصلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» [رواه أبو داود].
الخامس عشر: نكاح الزوجة الصالحة أقرب للسعادة وسير الحياة الأسرية بعيدًا عن التصادم والتنازع، فالزوجة الصالحة امرأة ذات عقل ودين، تعرف للرجل حق القوامة: " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ " [النساء: 34].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (يعني أمراء عليهن، أي مطيعة فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله).
وما تمردت المرأة على الرجل وكثر الشقاق والخلاف إلا من كان أمر القوامة عندها مضيعًا، فالأسرة سفينة تمخر عباب الحياة بأكثر من قائد، فتختل في سيرها ولربما غرقت وضاعت الأسرة.
السادس عشر: حسن الخلق وطيب المعشر تمتاز به الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة تتعبد الله -عز وجل- في طيب المعاملة وحسن التبعل ترجو بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة» [رواه ابن ماجه].
والزوج يتقرب إلى الله عز وجل في معاملة الزوجة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله» [رواه الترمذي].
السابع عشر: الزوجة الصالحة من خير النساء بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سئل أي النساء خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» [رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].
الثامن عشر: المرأة الصالحة تنظر بعين القرآن وتعاليمه: " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا " [الطلاق]، فهي لا ترهق زوجها ولا تشق عليه ولا تحمله ما لا يطيق.
وما ظهر الإسراف والتبذير إلا من غير الصالحات حتى أضحى الزوج المسكين يلاحق الأزياء والموديلات وتغيير أثاث منزله كل حين.. فأرهقته الديون وأثقلته الهموم.
التاسع عشر: إنها امرأة تحتسب الأجر في كل عمل، ولا تخالف الزوج أو تعصيه قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح» [رواه البخاري].
العشرون: الزوجة الصالحة تحفظ الأسرار ولا تنشرها ولا تذيع سر زوجها ولا أسرار حياته، أما سمعتم بالنكت السمجة والعبارات المخلة بالأدب والمروءة، وتلك تتحدث عن فعل زوجها؟! أما الزوجة الصالحة فقد سمعت ووعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» [رواه مسلم].
مختارات