" مع السلف في ليلهم "
" مع السلف في ليلهم "
لقد كان السلف يقبلون على الليل يراوحون بين جباههم سجدًا لله تعالى، ويعتبرون ليلهم غنيمة عظيمة، لا سيما ليل الشتاء الطويل، قال أبو عثمان النهدي: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: «الشتاء غنيمة العابدين» (أخرجه الإمام أحمد في الزهد) وإليك أخي الحبيب – طرفًا من حالهم العجيب مع ليلهم:
1- عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: كان عمر – رضي الله عنه – يصلي من الليل ما شاء أن يصلي، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، ويقول لهم: الصلاة، الصلاة (أخرجه البيهقي في الشُّعب).
فهذا حال عمر بالليل مع ما كان يحمله من هَمَّ الرعية بالنهار.
2- عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن عوف بن عبد الله، عن أخيه عبيد الله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيونُ قام فسمعت له دويًا كدوي النحل (أخرجه الفسوي في (المعرفة والتاريخ) وابن سعد).
3- أنس بن مالك – رضي الله عنه – روى الأنصاري عن أبيه، عن ثُمامة، قال: كان أنس يصلي حتى تفطَّر قدماه دمًا، مما يطيل القيام – رضي الله تعالى عنه (سير أعلام النبلاء).
نعم – أخي الحبيب – لقد تربى أنس في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورأى ليله صلى الله عليه وسلم فعلى الدرب سار – رضي الله عنه وأرضاه – (أبو حمزة) خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى الدرب سار التابعون – رحمهم الله تعالى.
4- صِلةُ بن أشْيَم: أبو الصهباء زوج العالمة مُعاذة العدوية، قال جعفر بن سليمان: عن يزيد الرشك، عن مُعاذة، قالت: كان أبو الصهباء يُصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفًا (أخرجه ابن سعد).
5- مُعاذة بنت عبد الله زوجة صِلة بن أشْيَم أم الصهباء العدوية البصرية العابدة، قال الذهبي: بلغنا أنها كانت تحيي الليل عبادة، وتقول: عجبت لعين تنام، وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور (سير أعلام النبلاء) روى لها أصحاب الكتب الستة – رحمها الله هي وزوجها رحمة واسعة.
6- طَلْقُ بن حبيب العَنَزي: روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. بصريٌ زاهد كبير، من العلماء العاملين، انظر ماذا كان يشتهي: قال ابن عينية: سمعت عبد الكريم يقول: كان طلق لا يركع إذا افتتح سورة «البقرة» حتى يبلغ «العنكبوت» وكان يقول: أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صُلبي (سير أعلام النبلاء).
تأمل – أخي الحبيب (عشرون جزءًا) في ركعة واحدة، ثم يشتهي أن يقوم ليله حتى يشتكي صُلبه، وكأن صلبه لم يشتك بعد !!
7- عطاء بن أبي رباح (أبو محمد) روى له أصحاب الكتب الستة.
عن ابن جُريج قال: لزمت عطاء ثماني عشرة سنة، وكان بعدها كبر وضعف يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مئتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك (سير أعلام النبلاء).
«فسبحان الله» هذا حاله في الكبر فكيف كان حاله في الشباب؟!
8- زُبيدُ بن الحارث: روى له أصحاب الكتب الستة، قال عنه شُعبة: ما رأيت رجلاً خيرًا من زُبيد.
قال ابن شبرمة: كان زبيد يجزيء الليل ثلاثة أجزاء: جزءًا عليه، وجزءًا على ابنه، وجزءًا على ابنه الآخر عبد الرحمن. فكان هو يصلي، ثم يقول لأحدهما: قُمْ فإن تكاسل، صلَّى جزأه، ثم يقول للآخر: قم، فإن تكاسل أيضًا صلى جزأه، فيُصلي الليل كله (سير أعلام النبلاء).
فاستحق زبيد – رحمه الله تعالى – أن يقول عنه سعيد بن جُبير: لو خيرت من ألقى الله تعالى في مسلاخه (المسلاخ: جلد الحية وقيل هو الإهاب )، لاخترت زبيد اليمامي (سير أعلام النبلاء).
9- عمرو بن دينار (أبو محمد) روى له أصحاب الكتب الستة.
روى عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن سفيان، قال: كان عمرو بن دينار جزأ الليل ثلاثة أجزاء، ثلثًا ينام، وثلثًا يدرس حديثه، وثلثًا يصلي (سير أعلام النبلاء).
10- صفوان بن سُليم (أبو عبد الله وقيل أبو الحارث) روى له أصحاب الكتب الستة، قال ابن المديني عنه: ثقة.
وقال الإمام أحمد: من الثقات، يُستشفى بحديثه، وقال أبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.
قال إسحاق بن محمد، عن مالك بن أنس قال: كان صفوان بن سُليم يصلي في الشتاء في السطح، وفي الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر والبرد، حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم، وإنه لَتَرِمُ رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام الليل، ويظهر فيه عروق خضر (سير أعلام النبلاء).
11- أبو إسحاق السبيعي: روى له أصحاب الكتب الستة، قال أحمد بن عمران، سمعت أبا بكر يقول: قال أبو إسحاق: ذهبت الصلاة مني وضعفت، وإني لأصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران، ثم قال الأخنسي: حدثنا العلاء بن سالم العبدي قال: ضعف أبو إسحاق قبل موته بسنتين، فما كان يقدر أن يقوم حتى يُقام، فإذا استتم قائمًا قرأ وهو قائم ألف آية (سير أعلام النبلاء).
ومع كل ذلك يقول فضيل بن مرزوق (سير أعلام النبلاء): سمعت أبا إسحاق يقول: وددت أني أنجو من عملي كفافًا، فماذا يقول مثلي ومثلك؟!
12- أبو شجاع القتباني: روى له مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي، قال عنه الذهبي (سير أعلام النبلاء) الإمام القدوة، بركة الوقت، قال ليث بن عاصم: رأيته إذا أصبح عصب ساقه بمُشاقة وبذركتان من طول التهجد.
13- ابن أبي مريم: روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الحمصي (سير أعلام النبلاء).
قال بقية: قال لنا رجل في قرية أبي بكر بن أبي مريم – وهي كثيرة الزيتون: ما في هذه القرية من شجرة إلا وقد قام أبو بكر – يعني ابن أبي مريم – إليها ليلة جمعاء (سير أعلام النبلاء).
وقيل: كان في خدَّيه أثرٌ من الدموع، رحمه الله تعالى.
مختارات