يوسفيات الآيات من 1 : 30
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه ومن والاه.. أما بعد..
فهذه تأملات قرآنية في آيات سورة يوسف.. أسأل الله أن أكون قد وفقت فيها، وأن ينفع بها الكاتب والقارئ..
" الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " (1)
1_ " الر " وأخواتها درس عميق في التسليم: فهي أحرف مقطّعة لا نعرف معناها، ومع ذلك يجب علينا أن نؤمن بأنّها من كلام الله، وبأن الله يعلم معناها، بل ونحن متعبّدون بتلاوتها وحفظها، بل ويكفر من ردّها أو سخر بها أو قلل من شأنها ! فتأمّل.
2_ " تِلْكَ " مع أنها بين يديك، ممسك بها، إلا أنّك تقول: تلك (إشارة للبعيد).. استشعاراً لعلوّ مكانتها، وشموخ معانيها، ورفعة شأنها.
3_ " الْكِتَابِ الْمُبِينِ " ومن كونه مبيناً أنّ كل الكتب يعتريها غموض سواه، وكل الكتب فيها لبس غيره، وكل الكتب قد يطرأ عليها شيء من التناقض عداه.
***
" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " (2)
4_ " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا " كل ما ليس من معهود كلام العرب:لغة وأسلوبا وطريقة، لا ينبغي أن يُفسّر به القرآن العربي.
5_ " لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " من قرأ القرآن ثم لم تتضح الرؤى لديه، ولم تترتب فوضى عقله، ولم تنسجم قناعاته مع مبادئه، فلم يقرأ القرآن !
***
" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " (3)
6_ " نَحْنُ نَقُصُّ " الله سبحانه يقص ! وبعض أهل العلم يستنكف عن إيراد قصّة في كلامه يفيد بها الناس، ظنّاً منه أن ذلك يهبط بأسلوبه العلمي !
***
" إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " (4)
7_ " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ " اعقد بينك وبين أبنائك عقد حب وثقة ؛ يبثونك من خلاله رؤاهم، ويحكون لك عن طموحاتهم، ويشرحون لك همومهم.
8_ " إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا " لم يقل: رأيت في المنام ؛ اكتفى بدلالة السياق. احذف من كلامك الحشو الذي يفهمه المستمع ببداهته، أما إذا كان الكلام ذا شأن وخَطر ؛ فيجب هنا التوضيح وفكّ الغموض كما في رؤيا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل فقال له: " يا بني إنّي أرى في المنام أني أذبحك " ففصّل ولم يختصر لأن القضيّة متعلّقة بذبح الابن ! فتأمّل.
9_ بين: " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ " و " يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ " تاريخ :كلّه أحزان، وابتلاءات، ومواجع، وصبر كالجبال.
***
" قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ " (5)
10_لم تسهُل " يَا أَبَتِ " على يوسف عليه السلام إلا لما سهُلت " يَا بُنَيَّ " على يعقوب عليه السلام !: هذّب خطاب ابنك ؛ برفع مستوى خطابك معه.
11_ " قَالَ يَا بُنَيَّ " تحبّب إلى طفلك ونادهِ بلفظ البنوّة، اغرسها في قلبه صغيرا، لعلّها تثمر فيه البرّ كبيرا.
12_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " أطفئ نار الحاسدين بإخفاء مميزاتك عنهم.
13_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " من أشد الفراسات مواطأة للحق فراسة الوالدين في أبنائهما.
14_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " ليس شرطا أن يعبّر المعبّر كلّ الرؤى ! بعض الرؤى يُكتفى معها بالتوجيه العام.
15_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " وضح مرادك وأفصح خطابك لدى الصغار، ومن يحتاج إلى مزيد إيضاح وبيان، لاحظ فك إدغام: تقصّ إلى تقصص.
16_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " لا بأس أن تحذّر الأخ من إخوته والرجل من قريبه إن علمت الشر فيهم يقيناً، وليكن تحذيرك مرتدياً ثياب الحكمة والعقل.
17_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " طاقة الحسد تتيقظ لدى الأقربين ومن تربطك بهم علاقة أكثر من غيرهم.
18_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " قَصّ الرؤى والأحلام وغرائب الأمور على الآخرين عادة إنسانية عتيقة، توارثتها الأجيال البشرية، وأتت الشرائع بتهذيبها وتأطيرها.
19_ " قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ " هناك نفوس ضعيفة، حتى الرؤى والأحلام تستنزف طاقة الحسد لديها.
20_ بداية القصّة " إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "، ونهاية القصة " مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي " : الشيطان هو العنصر الأخطر في بؤس البشر.
***
" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " (6)
21_ " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ " إذا اجتباك ربّك واصطفاك: فعصف المكائد هباء، وخطط الإغراء غباء، وظلام السجون ضياء.
22_ " وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ " الرؤيا العظيمة التي يراها الطفل قد يُستدل بها على علاقة ستربطه مستقبلاً بالرؤى ؛ كأن يكون معبراً.
23_ " الأَحَادِيثِ " التحدّث بالرؤى من الفطر المغروسة في النفوس، لذلك اشتُقّ لها من هذا التحدّث اسماً فكانت (أحاديث)، فلا تعاند الناس في فطرهم، ما لم يبالغوا فيها.
24_ " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ " اسأل الله النعمة ؛ فإن وهبك إياها فاسأله تمامَها ! وتمامُها أن تكون سبباً في دخولك الجنّة.
25_ " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ " العابد يسأل الله النعمة ويكتفي بذلك، والعالم يسأله النعمة وتمامها.
***
" لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ " (7)
26_ " آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ " لو لم تبق من الصفات البشريّة غير ثلاث صفات، فأظنّ أنّ التساؤل وحب طرح الأسئلة ستكون إحدى تلك الصفات الثلاث !
27_ " وَإِخْوَتِهِ " لا تؤذ من سيبقى أخاك مهما فعلت به !
28_ " وَإِخْوَتِهِ " أعمق جرح يبقى في صدرك هو ذلك الذي جاء من ناحية أخيك ؛ لأنّه جاء من الناحية التي كنت تظنّ أنه لن يأتيك منها إلا الأمان.
29_ " وَإِخْوَتِهِ " مشكلة أخيك الذي ظلمته، أنّه مهما بلغت درجة الظلم والقطيعة بينكما: سيبقى أخاك ! يخترق أحلامك ليلاً، ويتسلل إلى كلماتك دون ترتيب، ويظهر على سطح ذكرياتك فجأة.
30_ " وَإِخْوَتِهِ " كلمة (الأخ) فيها من الدفء والعطف والراحة ما فيها، من المحزن أن تقترن بالظلم والقهر والدموع، فلا تسمع بعدها كلمة أخ، إلا وقلت من شدّة القهر: أخّ !
***
" إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " (8)
31_ " إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ " لم يظن أحد أن هذا الحب سيوصل يوسف إلى غيابة الجب ! كم من مقدّمة لا تدلّ على نتيجتها.
32_ " أَحَبُّ " غالبيّة من حولك لا يطالبونك بأن تحبّهم ؛ بل بأن يكونوا الأحب إلى قلبك ! عندما تغدو " أفعل التفضيل " أزمة..
33_ " وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " هناك أزمة حقيقية في الذهنيّة البشريّة لا يمكن أن تزول ! إنّها أزمة العدد !! أزمة الأرقام الكبيرة، الانبهار بها، وتعظيمها، وتقديسها، وعدم إمكانيّة الخروج من سطوتها !
34_ في الحلقة الأولى قالوا عن أبيهم: " إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " وفي الحلقة الأخيرة قالوا عنه: " إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ " سمّوا حبه لابنه ضلالا مبينا، وذكره له ضلالاً قديماً ! مشكلةٌ إن كان ميلك الطبيعي سبباً في رميك بالضلال.
***
" اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ " (9)
35_ما بين " اقْتُلُواْ يُوسُفَ " و " لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " دارت أظلم اتفاقية: شردت حياة صبي بريء.. وأحرقت قلب شيخ كبير.. ودمرت أحلام أسرة هانئة.
36_ في خضم " اقْتُلُواْ يُوسُفَ " و " لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " كان يوسف في مكان آخر، منشغل بطفولته، لا يدري أن هناك من يخطط لينهي طفولته البريئة.
37_ " يَخْلُ " التفرّد والرغبة في الاستحواذ وعدم المشاركة داء بشريّ مقلق. فباتت همّة الأكثر من الناس لا أن ينجحوا بل أن يتفوّقوا، لا أن يصلوا بل أن يتميّزوا، لا أن يتخرّجوا بل أن يكونوا الأوائل على الدفعات ! وهذا درس نكرّسه من حب الذات وتمجيدها وغمط الآخرين، وهي أنانيّة في ثوب عصري، وغرور في لباس مدني !
38_ " وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ " قد ينتج أعظم الفساد الآني، من فكرة الصلاح المستقبلي.
39_ " وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ " لم تكن لتُهضم فكرة القتل الشنيعة، لولا تلطيفها بفكرة التوبة المستقبليّة ! احذر من زخرفة القبح.
***
" قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ " (10)
40_ " قَائِلٌ مِّنْهُمْ " إذا عرف الله صدقك ؛ فليس مهمّاً أن يعرف الناس اسمك.
41_ " قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " خفف الشر ما استطعت.
42_ " لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " محزن أن تبدو الرحمة في شكل رفض القتل ! حتى يظهر أن أكثر الموجودين حناناً ورحمة هو ذلك الذي يرفض القتل ! ويرضى بما دونه من التعذيب والتنكيل !
43_ " لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " الألطاف كانت تحوط بيوسف ؛ فمن بين مكائد إخوته ارتفع صوت " لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ " ، ومن عمق البئر جاءته صرخة " يا بشرى "، وفي أولى خطواته في القصر سمع همسة " أكرمي مثواه "، ولحظة إلصاق التهمة به في بيت العزيز ارتفعت شهادة " وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين "، وفي آخر أيام السجن جاءه اعتراف " أنا راودته عن نفسه لمن الصادقين "، وقبيل خروجه من السجن جاءته رسالة " ائتوني به أستخلصه لنفسي ".
44_ " وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " لم يقل الجبّ وإنما قال غيابة الجبّ: تجُبرك وحشية الآخر أن تتوحش في لغتك حتى تناسبه حلولُك.
***
" قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " (11)
45_ " يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا " عندما ولجوا من باب الخيانة ؛ كان أول ما طرقوا موضوع الأمانة ! تنبّه لأول موضوع يطرحه خصمك فقد يكون الطُعْم فيه.
46_ " يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ " لا يعلم الابن أن دسائسه مفضوحة، ونظراته مكشوفة، وهمساته مسموعة عند والده.
47_ " مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا " استخدموا لفظ الأمن في الوقت الذي قرروا فيه زعزعته ! دقق في عبارات وألفاظ الآخرين ؛ فإنها قد تحوي شيئا من أفكارهم.
48_ " مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا " شك في أمانة من يسألك: لماذا لا تأمنّي، وفي صدق من يسألك: لماذا لا تصدقني، وفي حكمة من يسألك: لماذا لا تعتمد علي.
49_ " وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " وصفوا أنفسهم بالنصح لأنهم علموا أن الناصح يستحيل أن يؤذي غيره: إذا رأيت ناصحا فتمسك به ؛ فإنه الأمان.
***
" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " (12)
50_ " أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا " إذا واجهك شخص بطيبة مفاجئة فاحذر منه، فإذا كانت مفاجئة ومُلحّة، ففرّ منه.
51_ " أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا " الحقد يبحث عن أقرب فرصة لتنفيذ مخططاته.
52_ " يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ " فقط مهتمون بلعبه ومتعته !! غالباً: خلف الاعتناء الزائد غرض فاسد.
***
" قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ " (13)
53_ " قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ " لا تهمل الخاطر الأول، والتوقع الأول، فكثيراً ما يكون فيه شيء من الإلهام.
54_ " قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ " عندما رأى الله شدّة تعلّق وحزن قلب نبيّه على ابنه جعل عينيه تبيضّان من الحزن: تعلّقْ بالله وحده.
55_ " قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ " فأحزنه ذهابهم به سنوات وسنوات ؛ حتى أفقده الحزن بصره: احذر من كلماتك!
56_ " وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ " لا تعط الآخرين السيف الذي يغتالونك به، لا تساعدهم في مخططاتهم عن حسن نية.
***
" قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ " (14)
57_ " إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ "، " قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " ونحن عصبة، ونحن عصبة: عندما يصاب الإنسان بمرض الرقم، وبأزمة الكَثرة!!
***
" فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " (15)
58_ " وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " لم يدر في خلد حافري ذاك البئر أنه سيكون سجنا لنبيّ كريم ! كم من مكان عادي تحتفظ ذاكرته بمشهد أليم.
59_ " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا " من غرائب المصائب، أن قلبك يكون فيها أكثر تهيؤاً لمعاني الربوبيّة.
60_ " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا " دائماً إذا أغلقت النوافذ ؛ يخلق الله لك باباً !
61_ " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا " من بين طوفان اليأس ؛ تأتي مراكب الفَرَج، وفي وسط لهيب الأحزان ؛ تنمو زهور الفَرَح.
62_ " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا " ماذا تعني أكوام البلاءات ؛ عند قلب يستشعر قُرْب الله؟
63_ " لَتُنَبِّئَنَّهُم " يحتاج المظلوم أن يقول للظالم: أنت ظلمتني في يوم من الأيام، أنت عبثت بتاريخي، أنت لوثت سمعتي، أنت لعبت بدموعي.
64_ " لَتُنَبِّئَنَّهُم " هل كان يتصور الإخوة وهم يخططون للتخلص من أخيهم أن أفكارهم وتهامسهم وجريمتهم سيفضحها الله في كتاب مقدس؟
هل كانوا وهم يلقونه في البئر يتوقّعون أن عملهم سينكشف بتفاصيله في سورة تحمل اسم ذلك الأخ الذي يهوي الآن؟
65_ " لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " أشد ما تكون المصائب والفضائح والبلايا وقعا على القلوب إن كانت مفاجِئة، صادمة، لا يُتنبأ بوقوعها.
***
" وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ " (16)
66_ " وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ " الأنباء السيئة تتشح عادة بالسواد !!
67_ " وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ " أصحاب النظرات الزائغة، والدموع الكاذبة، والمشاعر الزائفة ؛ يحضرون في المساء لتسترهم الأضواء الخافتة !
68_ " وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ " القلوب القاسية لديها قدرة عجيبة على أن تنتج دموعا شبيهة بدموع الحزانى !: اهتم بتاريخ الباكي ودعك من ملامحه.
69_ " يَبْكُونَ " لكل أكذوبة إطارها المناسب !
***
" قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " (17)
70 _ " يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ "، " يا أبانا مالك لا تأمنّا "، " يا أبانا مُنع منّا الكيل "، " يا أبانا إنّ ابنك سرق "، " يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردّت إلينا " رحم الله يعقوب _ عليه السلام _ كم سمع من الكلمات القاسية، والتي رضّت فؤاده وأطارت رقاده بعد كلمة الحنان والرحمة الشهيرة: يا أبانا !
72_ " نَسْتَبِقُ " بعيداً عن كون قصّة الاستباق مختلقة، كثيراً ما تقع المصائب بعد أجواء مرح وسرور !
73_ " نَسْتَبِقُ " في كل العصور: يحرص الشباب على أن يبزّوا أقرانهم في القوّة والسرعة وبقيّة المهارات، لذلك أنتجوا ألعاباً ومسابقات مهمّتها إظهار الأميز والأجدر والأقوى !
74_ " إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا " عجيب! البارحة تريدونه أن يرتع ويلعب، واليوم جعلتموه حارساً للمتاع وصرتم أنتم الراتعين اللاعبين؟
75_ " فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " الذئب! ذكره أبوهم بالأمس ؛ فبات متَهمهم اليوم! الكذب ممارسة هشة، تتناول أقرب قناع.
76_ " فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " لا تصدّق كل إشاعة تسمعها، حتى وإن كانت هناك إمارات تشير إلى صدقها، فمن عادة صانعي الإشاعات أن يضعوها في قوالب يمكن تصديقها !
***
" وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " (18)
77_ " وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " يا للوعة قلب الأب وهو يرى قميص ابنه، كان بالأمس يرى فيه ابنه، واليوم يرى عليه دم ابنه المزعوم.
78_ " وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " يبدو أن تزوير الحقائق عادة اكتسبها الإنسان منذ القدم !
79_ " وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِب "
إنا له لحافظون، يرتع ويلعب، إنا له لناصحون، البكاء، ذهبنا نستبق، تركنا يوسف، أكله الذئب، الدم...
أنت بحاجة لحزمة أكاذيب ؛ حتى تنضج كذبة واحدة !
80_ " وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " عبق حياة يوسف في القميص أشد سخونة من صراخ الدم الكاذب.
81_ " وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " دموع باردة، نبرة مخادعة، تفاصيل مزوّرة، دم كذب، الكاذب يدجج نفسه بالأباطيل ؛ ليتقدّم في أرض البهتان !
82_ " قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا " تأمّل كيف سوّلت لهم أنفسهم أمراً بهذه الشناعة، وجعلته مُسوّغاً ومُقنعاً !
: لا تثق دائما بميولات نفسك ؛ فقد تميل نفسك لأفعال غاية في الشناعة.
83_ " قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا " إذ كيف يأكله الذئب ولما تسجد له الكواكب بعد؟ كن بمبشرات الله أوثق منك بما تراه عيناك.
84_ " قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا " لم تمحُ " فأكله الذئب " حقيقة " إني رأيت " ثق بالله، وتجاهل كل الأيمان المغلظة التي تنثرها الحياة من حولك.
85_ " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ " اهزمْ الكيد البشع، والمؤامرات القبيحة، والخطط الشمطاء، بالصبـــر الجميــــل.
***
" وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ " (19)
86_ " وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ " قيل: ضاعوا فبلغ بهم المسير إلى الجُب: إذا أراد اللطيف إنقاذك، يُضيع آخرين لأجلك! يُريهم البئر لتنجو! يُعطشهم لتحيا!
87_ " وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ " إذا أراد الله إنقاذك ؛ خلق حاجة ما في نفوس بعض خلقه ؛ يدفعهم بها لينتشلوك من جبّك الموحش.
88_ " فَأَدْلَى دَلْوَهُ " لا تستهن بالأشياء والأشخاص الذين تجدهم مصادفة في دلوك أو طريقك أو بجوارك ؛ فقد يكونون أثمن مما تظن !
89_ " فَأَدْلَى دَلْوَهُ " لا تستغرب: كثير ممن انحشرت أجسادهم في دلاء الابتلاء ؛ تربّعوا على عروش التمكين !
90_ " فَأَدْلَى دَلْوَهُ " قد تكون نهاية مواجعك دلواً عتيقاً يقدّر الله أن ينتشلك به من جُبّك المظلم.
91_ " قَالَ يَا بُشْرَى " تفاءل بالكلمات الأولى، المضمّخة بعطر الفرح.
92_ " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " مع الله: سلعة تباع وتشترى يقدّر الله أن تتربّع على عرش العزة في مصر، وتنقذ البلد من طوفان القحط !
93_ " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " حقيقتك لن تغيّرها نظرة الناس إليك: فيوسف ظنّوه بضاعة، وحقيقته نبيّ كريم، وعزيز لمصر عظيم.
94_ " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " لم يخطر في خيالاتهم أن هذا السر الذي أسرّوه سيفضحه الله في كتاب ينزل من السماء !
***
" وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " (20)
95_ " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ " الدنيا كلها ثمن بخس في مقابل نبي كريم، فكيف بدراهم، ومعدودة أيضا؟
96_ " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ " لا تنزعج إن اعتبرك البعض بضاعة رخيصة الثمن، دعهم يقدّرون ثمنك كما يشاؤون، ثم ابتسم! فأنت وحدك من يعرف ثمنك الحقيقي!
97_ " دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ " من قلّة الدراهم التي باعوا بثمنها يوسف أنّها تعدّ عدّا ولا توزن وزناً ! لا تحزن للمقابل الذي يدفع عن أتعابك، لا تأس لتواضع مرتّبك.. فليست قيمتك ما تقبضه آخر الشهر، بل ما تبذله آخر العمر !
98_ " وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " كم من سلعة أغلى من بائعها !
***
" وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " (21)
99_ " الَّذِي اشْتَرَاهُ " صفته الأهم في هذه الأثناء ليس أنّه عزيز مصر، بل أنّه اشترى يوسف الصدّيق ! هناك أشياء يقول بها الإنسان، يظنّها عاديّة، وهي أهمّ شيء في حياته !
100_ " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ " إذا أراد الله إكرام عبده ؛ جعل عيناً ما تراه بكيفيّة أخرى، أو أذناً ما تسمعه بهمسة أخرى، أو قلباً ما يحبه بنبضة أخرى.
101_ " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ " كانت هذه أول وصايا العزيز لزوجته، وكأنه قرأ في عينيّ زوجته مستقبل المؤامرات التي ستهدد مثوى يوسف.
102_ " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " إذا أراد الله بعبد خيرا ألقى في قلوب من حوله مشجعات ومحفزات يبذلوا بسببها الخير له.
103_ " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا " بفطرته علم أن الإكرام مجلبة لنفع المستقبل، والبعض يظن أن ابنه لن يبرّه إلا إذا أهانه وقسا عليه في صغره !
104_ " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " إذا حضر قلبك عَتَبـَة الملك العظيم ؛ فليُلغيَ جميع مواعيده، وليمحوَ كلّ أفكاره، وليتجاهلَ كافّة ترتيباته، فهو بحضرة من بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
***
" وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " (22)
105_ " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ " الكثير من العطايا والهبات الإلهيّة لا تأتي إلا بعد اختبارات، ومحن، وتجارب، تكون أيام عمرك ميدانها، وبعد هذا التاريخ الذي تثبت فيه أنّك وعاء جيد لتلقّي الأفضال، ينشرح صدرك لكثير من الخير الذي لا تدري كيف أتاك، وتعتقد أنّ مقدّمات حياتك لا تفضي إليه.
106_ " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " الأنبياء لا يتم علمهم وفهمهم ونبوّتهم إلا في سنّ الأربعين فكيف بغيرهم: فاحرص على الأكابر.
108_ " وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " الغرف المغلقة التي لا يعلم فيها أحد عن إحسانك وإتقانك ؛ هي محك الإحسان.
***
" وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " (23)
109_ " وَرَاوَدَتْهُ " ستراودك: الحياة، المناصب، كلام الناس، الشهوات، الشبهات، لن تدعك وشأنك، ثق في ذلك، فاعتصم بــ " مَعَاذَ اللَّهِ ".
110_ " الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا " لا تجعل للآخرين دالة عليك، بأن تكون في بيتهم أو تعمل عندهم فتجرّئهم دالتهم عليك في أن ينالوا منك !
111_ " وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ " تنشط الشياطين في الغرف ذات الأبواب الموصدة !
112_ " وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ " إذا رأيت الأبواب تُغلق بدون سبب ظاهر، فابحث عن امرأة العزيز التي ستظهر في شكل: اتفاقيّة، مؤامرة، توقيع، صفقة !
113_ " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ " في قراءة هِئتُ بمعنى تهيأتُ: تهيأتْ وتزينتْ لمعصية الله، أفلا نتهيأ ونتزين نحن لطاعته؟
134_ " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " ليس بين الجملتين أداة عطف توحي بالتريّث..لم يترك _عليه السلام_ فراغا زمنيا للتفكير:كن صارما مع الشهوات قبل أن تبتلعك.
115_ " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ " عندما أكرم العزيز مثواه لينفعه.. نال منه على أعظم نفع: صيانة عرضه.
116_ " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " وحاول تذكيرها، وهرب إلى الباب، وأنكر التهمة، وصمد لإقناع نساء المدينة، ثم سأل الله السجن: هذه البطولـــــة.
117_ " إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ " غالباً: إحسانك للآخرين.. صمام أمان عن إساءاتهم.
***
" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ " (24)
118_ " وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ " امتنع الهم لوجود البرهان.. فكيف يصف البعض يوسف بأنه قد همّ.. كيف وهو من المخلَصين؟
119_ " لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ " افتح عينيّ بصيرتك جيدا ؛ فهناك براهين للرب تظهر، يعصم بها أحبابه.. يذكرهم بها أنه الله الذي لا ينبغي أن يُعصى.
120_ " لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ " عند كل ريبة برهان إلهي يصرفك عنها.. حاول أن تبصره بقلبك.
121_ " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء " إذا تعبدت لله بالانصراف عن السوء والفحشاء زمنا.. يأمر الله بعد ذلك السوء والفحشاء أن تنصرف عنك.
122_ " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء " صرف الله عنه الزنا -الفحشاء-.. والهم بالزنا - السوء- والله أعلم
***
" وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " (25)
123_ " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ " إذا زحفت إليك شهوة.. فابحث عن الباب.
124_ " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ " الفرار الوحيد الذي يمارسه الشجعان دون الجبناء هو الفرار عن المعصية.
125_ " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ " إذا تسللت أدخنة الريبة إلى مكان.. فالجأ إلى الباب قبل أن تختنق بسخط الله.
126_ " وَاسْتَبَقَا الْبَابَ " لا تكتفِ بـ " معاذ الله ".. بل ابحث عن أقرب باب.. واهرب.
127_ " وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ " لا تبك على تمزق قميص.. أو انهيار حلم.. أو تلاشي وميض.. هناك من يصنع من إخفاقاتك اليسيرة مستقبلك العظيم.
128_ " وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ " ربما ظن يوسف في تلك اللحظة أنها تمكّنت.. وما علم أنها وقعّت على الإدانة التي ستظهر براءته: لا تستأ من الانتصارات المؤقتة للظالم.
129_ " وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ " لا تزدر كل رث هيئة معفر الجبين مشقوق الثوب.. فقد يكون نبل ما هو الذي شق ثوبه وعفر جبينه !
130_ " وجاءوا على قميصه بدم كذب " " وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ " قميصان:قميص يوسف المشقوق: يستر الله به يوسف، وقميصه غير المشقوق: يفضح به إخوته.
131_ " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَاب " لو رضخ يوسف لانفضح بعد دقائق ! لحظة دخول العزيز عليهما ! قد لا يفصل بين العظَمة والانحطاط غير دقيقة واحدة، فتماسك..
132_ " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ " قد يفضح الله عبده عند المكان الذي ظن أنه قد حصّنه جيدا.. اللهم سترك يا كريم..
133_ " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ " من المؤكد أنها تيقنت من عدم مجيئه في هذا الوقت قبل أن تشرع في مراودتها.. ولكن مالذي جاء به؟ إنه الله !
134_ " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " لا تتعاطف مع أول منكر.. فقد يكون أخطر مجرم.
135_عندما " اسْتَبَقَا الْبَابَ " " وقرر يوسف أن يفر " أَلْفَيَا سَيِّدَهَا " عادة البلاءات العظيمة مكوّنة من جزئين أو أكثر.. فاصبر حتى يحكم الله !
136_ " قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " ليس المشتكي هو صاحب الحق دائما.. فقد تكون الشكوى ضربة استباقية من الظالم.
137_ " مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ " ذكرته بأنها أهله لتستنفر غيرته: تجييش ظالم لّلغة.
138_ " قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ " السجن خيار ملحّ في أذهان الظلمة.. على مرّ التاريخ !
***
" قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " (26)
139_ " هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي " الأبرياء.. لغتهم الهادئة الواثقة تغنيهم عن الحلف.. ورفع الصوت.. ومحاولات الإقناع ! يكفي أن يقول أحدهم بكل هدوء: هي راودتني..
140_ " قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا "... " قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي " لا تتعلّق بأول جملة تطرق سمعك.. وإنما بأصدق عبارة تتسلل إلى قلبك.
141_ " وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا " إذا اتقى العبد ربه جعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا.. حتى أقرب الناس إلى خصمه يشهدون له ويؤيدون دعواه.
142_ " وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا " بالقرب من كل ريبة شاهد من أهلها ينتظر دوره ليشهد لك إن كنت من أصحاب: " معاذ الله ".
***
" وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ " (27)
143_ " وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ " من خفايا لطف الله أنه قد ينجي عبده ببلاء.. بل وبموضع هذا البلاء: فإمساكها لقميصه كان بلاء، فيوسف عندما هرب منها لم يكن يتمنى بالطبع أن تمسك قميصه، بل أمسكته بقوّة لدرجة أنّه انقدّ ! فكان هذا الأمر غير المحبوب ليوسف هو الزورق الذي أنقذه الله به !
***
" فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " (28)
144_ " فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ " من أعظم الكرامات: قميص مشقوق.. يستر الله به سمعة يوسف: إذا لبست التقوى أغناك الله بها عن كل لباس..
145_ " إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ " أمامه آثمة واحدة.. ولكنه يوزع تهمتها على بقية الآثمات: تخفيف صرامة الاتهام.. هزيمة.
***
" يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " (29)
146_ " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " بلا أداة نداء.. وكأنه يهمس بها في أذنه.. لئلا يسمعه الحرس.
147_ " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ " حتى لسانه أنف أن يذكر اسم زوجته.. وكأنّه يشعر بقرف منها.
148_ " وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ " حتى الكفار يرون الزنا ذنبا يجب الاستغفار منه.. وليس حرية شخصية ينبغي السكوت عنها.
***
" وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " (30)
149_وراودته التي هو في بيتها " اليوم فضيحتك يحتويها البيت.. " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا " غداً تتصدّع عنها أسوار المدينة.
150_ " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا " لو رفع الله عنا ستره.. لصرنا حديث المجالس.. يا رب سترك.
151_ " امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا " لم يقولوا زليخا.. وإنما امرأة العزيز ولم يقولوا تراود رجلا.. وإنما فتاها ليمعنوا في التشنيع والتقريع.
مختارات