تابع " نماذج مضيئة من السلف في الخوف من الله تعالى "
تابع " نماذج مضيئة من السلف في الخوف من الله تعالى "
هذا تميم بن أوس الداري – رضي الله عنه – روى أبو الضحى، عن مسروق، قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها ويبكي: " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " [الجاثية:21] (رجاله ثقات أخرجه الطبراني).
«وتميم الداري» - رضي الله عنه – كان عابدًا تلاءً لكتاب الله كان يختم كل سبع، وهو راوي حديث النصيحة، وهذا حاله مع عبادة الخوف من الله تبارك وتعالى، وحال قلبه وعينه عند تلاوة كتاب الله تعالى «آية» يرددها حتى أصبح، أو كاد أن يصبح، وهو يبكي.
- عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال هشام الدستوائي: عن القاسم بن أبي بزة، أن ابن عمر قرأ فبلغ " يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [المطففين: 6] فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعدها (سير أعلام النبلاء).
وعن عثمان بن واقد، عن نافع كان ابن عمر إذا قرأ: " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ " [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء(سير أعلام النبلاء).
أخي الحبيب... كم مرة قرأنا هاتين الآيتين؟ وكم مرة بكينا عند تلاوتنا لهما؟! فاللهم خذ بنواصينا إليك.
- عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – عن ابن أبي مليكة قال: صحبتُ ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل قام شطر الليل. فسأله أيوب: كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ: " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ " [ق: 19] فجعل يرتل ويكرر في ذلك النشيج (الحلية).
والنشيج: أحر البكاء، وهو مثل البكاء للصبي إذا ردد صوته في صدره ولم يخرجه.
وقال معمر بن سلميان: عن شعيب بن درهم، عن أبي رجاء، قال: رأيت ابن عباس وأسفل عينيه مثل الشراك (الشَّراك: سير النعل على ظهر القدم) البالي من البكاء(سير أعلام النبلاء).
إذًا فهكذا كان هذا الحبرُ دائمًا باكيًا حتى أصاب أسفل عينيه ما أصابه.
أخي الحبيب... قد تقول إن هؤلاء الصحب الأبرار الأطهار رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا له صلى الله عليه وسلم وتربوا على يديه ومن ذا الذي يطيق ما كانوا يطيقونه، فاعلم – أيها الحبيب – أن السلف بعدهم شمروا عن ساعد الجد وضربوا في ذلك أمثلة رائعة إليك طرفًا منها لعل الله يشرح بها صدورنا.
- العلاء بن زياد: قال قتادة – رحمه الله تعالى – كان العلاء بن زياد قد بكى حتى عشي بصره، وكان إذا أراد أن يقرأ أو يتكلم، جهشه البكاء، وكان أبوه قد بكى حتى عمى (سير أعلام النبلاء).
فسبحان ربي العظيم، أبوه بكى حتى عمى، نعم إن نسبه سلسلة ذهبية. فهو العلاء بن زياد بن قطر بن شريح، أما العلاء فقال عنه الذهبي (سير أعلام النبلاء): أبو نصر العدوي البصري كان ربانيًا تقيًا قانتًا لله، بكَّاءً من خشية الله.
- سعيد بن المسيب: قال يحيى بن سعيد الأنصاري كان سعيد بن المسيب يكثر أن يقول في مجلسه: اللهم سلَّم سلَّم (سير أعلام النبلاء).
- الحسن البصري: قال مطر الوراق: لما ظهر الحسن جاء كأنما كان في الآخرة، فهو يُخبر عما عاين (سير أعلام النبلاء).
وقال إبراهيم بن عيسى البشكري: ما رأيت أحدًا أطول حزنًا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة (سير أعلام النبلاء).
وهذه حالة وهيئة العلماء والعباد من السلف – رحمهم الله تعالى.
- عبد الرحمن بن أبي نُعم: قال بكر بن عامر: كان لو قيل له: قد توجه إليك ملك الموت ما كان عنده زيادة عمل (سير أعلام النبلاء).
وهذا الإمام قال عنه الذهبي (سير أعلام النبلاء): روى له أصحاب الكتب الستة، وقال عنه أمام حجة رباني يُكنى بأبي الحكم.
- عمر بن عبد العزيز: عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه، فإذا هو في مُصَلاه يده على خده سائلة دموعه، فقلت: يا أمير المؤمنين! ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة ! إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت(سير أعلام النبلاء).
وقال النضر بن عربي: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فكان ينتفض أبدًا، كأن عليه حزن الخلق (سير أعلام النبلاء).
تأمل – أخي اللبيب – حال هذا الحاكم العادل، وخوفه من الله تعالى مع عظيم عدله، والذي يُضرب به المثل، يقول يحيى بن حمزة: حدثنا عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز كان تُسرجُ عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ أطفأها وأسرج عليه سراجه (سير أعلام النبلاء).
- ثابت بن أسلم: قال حماد بن زيد: رأيت ثابتًا يبكي حتى تختلف أضلاعه(سير أعلام النبلاء).
وقال حماد بن سلمة: قرأ ثابت: " قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا " [الكهف: 36] وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها (سير أعلام النبلاء).
وقال جعفر بن سليمان: بكى ثابت حتى كادت عينُه تذهب، فنهاه الكحال عن البكاء، فقال: فما خيرهما إذا لم يبكيا، وأبى أن يُعالج (سير أعلام النبلاء).
نعم – أخي – إنه الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو محمد البناني روى له أصحاب الكتب الستة.
- محمد بن المنكدر: قال أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن الفضل الأنيس، سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر، أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى، فكثر بكاؤه حتى فرغ له أهله،وسألوه، فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه، فقال ما الذي أبكاك؟ قال: مرَّت بي آية، قال: وما هي؟ قال: " وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " فبكى أبو حازم معه، فاشتد بكاؤهما (سير أعلام النبلاء).
[أتدري – أخي – من هو محمد بن المنكدر؟ قال عنه ابن الماجشون: إن رؤية محمد بن المنكدر لتنفعني في ديني (سير أعلام النبلاء) [فالرجل من الأولياء، ويبكي حتى يفزع له أهله، فماذا يفعل مثلي ومثلك؟!].
- صفوان بن سُليم: قال محمد بن يزيد الآدمي، عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سُليم ولو قيل له: غدًا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة (سير أعلام النبلاء).
نعم – أخي الحبيب – فلقد كان صفوان بن سليم كما روى عنه مالك بن أنس ترم رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام، ويظهر فيه عروق خضر(سير أعلام النبلاء).
فهذه وجوه ظهرت عليها الخشية، يقول ابن عُيينة: حجَّ صفوان، فذهبت بمنى فسألت عنه، فقيل لي: إذا دخلت مسجد الخيف فأت المنارة، فانظر أمامها قليلاً شيخًا، إذا رأيته علمت أنه يخشى الله تعالى، فهو صفوان بن سليم، فما سألت عنه أحدًا (سير أعلام النبلاء).
فاللهم ألبسنا لباس الخشية، يا رب واستر عيوبنا، يا رحمن يا رحيم.
مختارات