" البكاء وقيام الليل فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
" البكاء وقيام الليل فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أخي الحبيب... هيا بنا ننظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لنرى هذا الخلق النبيل، والذي اتصف به أعبد البشر لربه النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان في غاية الخوف والوجل وإليك طرفًا من ذلك:
1- عن عبد الله بن الشخير – رضي الله عنه – قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني يبكي» (رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في الشمائل وأبو داود والنسائي، واللفظ للنسائي، رحمهم الله جميعًا، والحديث صححه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه).
جوفه: صدره وداخله، أزيز المرجل: قال الإمام السندي رحمه الله تعالى: (سنن النسائي بحاشية السندي) " أي حنين من الخشية وهو صوت البكاء قيل وهو أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء " (والمرجل) بكسر الميم إناء يغلي فيه الماء.
فهذا – أخي اللبيب – حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، وذلك لما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كمال الخوف من الله، وهذا دليل على عظيم علمه بالله ومعرفته بقدره، وعلى قدر ذلك يكون العمل.
2- عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ القرآن، قال: فقلت يا رسول الله أقرأ عليك القرآن وعليك أُنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، فقرأت النساء حتى إذا بلغت " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " رفعت رأسي، أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل (رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى - (صحيح مسلم بشرح النووي): " وفي حديث ابن مسعود هذا فوائد منها: استحباب استماع القراءة، والإصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم ". اهـ.
3- عن أنس – رضي الله عنه – قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: «عرضت علي الجنة والنار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا» قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومٌ أشد منه، قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين (رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم) قال أبو زيد: الخنين: شديد البكاء (شرح مسلم للنووي).
أخي اللبيب... فإذا كانت هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لخير البشر بعد الأنبياء وهم صحابته الكرام لما رأى منهم شيئًا إذًا فكيف بحالنا نحن؟
فاللهم نسألك العفو والعافية يا رب.
4- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم»(رواه أحمد في المسند والترمذي والنسائي والحاكم، والحديث صحيح لغيره (رياض الصالحين بتحقيق شعيب الأرناؤوط).
يعود اللبن في الضَّرع: يرجع الحليب إلى الثدي من مسامه وهو مستحيل.
والحديث دليل على أن البكاء من خشية الله تعالى يقي العبد نار جهنم يوم القيامة.
- نعم – أيها الحبيب... دمعة من خشية الله تعالى تشتري بها الجنة فهي من أسباب دخولها، فهل أنت مشتر وهل معك الثمن؟.
أيها الحبيب... إنه ثمن غالٍ إلا على من يسره الله عليه... فكم يبكي العبد على فوات أمر من أمور الدنيا الفانية الحقيرة الزائلة أو فراق حبيب ولا يبكي على موت القلب الذي بين الله تعالى أنه لا فلاح إلا بملاقاة الله به سليمًا.
قال تعالى: " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء: 88، 89].
5- عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها. والآية: " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [المائدة: 118] (صحيح أخرجه النسائي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه البوصيري في «الزوائد» وابن خزيمة، وهذا لفظ ابن ماجة).
فهكذا – أخي الحبيب... يردد النبي صلى الله عليه وسلم آية واحدة حتى يصبح، فلا يكن هم أحدنا الوصول إلى رؤوس الآيات بل لا بد من التدبر والتفهم لآيات الله تعالى.
واحذر – أخي الحبيب – من كيد الخبيث أن يصدك عن قيام الليل، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد؛ يضربُ على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).
ولقد أطلق بعض أهل العلم على هذا الحديث حديث الضرب على القفا. فإن أراد هذا الخبيث أن يصدك فاذكر الله فإنه يطرد الخبيث كما جاءت بذلك السنة الصحيحة، حفظني الله وإياك منه.
مختارات