كن صالحا مصلحا
قال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]
فليس الذي يُنجيك أن تُصلِح من نفسك فقط، بل عليك أن تُصلِح من الدائرة المُحيطة بك.. في بيتك، في محل عملك، في كل مكان تختلط فيه بالآخرين..
كن صالحًا مُصلحًا، فهذا الذي يُمثِل لك التغيير الحقيقي..
تُصلِح من أهلك وأسرتك.. وتُعيد الروابط التي قُطِعَت بين الأب وابنه.. بين الزوج وزوجته.. بين الأخ وأخيه..
لأن النبي أخبرنا أن الفتن كثيرة ومن أعظمها فتنة الرجل في أهله.. قال " فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " [متفق عليه].. فتجد الرجل يُفتن أثناء سعيه المتواصل للرزق والنفقة على أهله، وتحقيق مطالب أبناءه وانتقاء أفضل المدارس والمصائف ليذهبون لها.. والمرأة تُفتن أثناء سعيها لتحقيق مطالب أسرتها كذلك.
وقد جاءت سورة التحريم بأصول الإصلاح التي بها نُصلِح من حال بيتنا المسلم، وإن كانت الآيات تخاطب النبي إلا إنها موجهه لأمته من بعده ..
أصول إصلاح البيت المسلم
الأصل الأول في الإصلاح: الإخلاص..
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]
إذا أردت أن تكون صالحًا مُصلحًا ولا تتأثر بفتنة الأهل، فعليك ألا تبتغي مرضاة أي أحد سوى الله عزَّ وجلَّ.. قال رسول الله " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس " [رواه الترمذي وصححه الألباني].. فيكون الناس نقمة عليك.
الأصل الثاني: التغافل وعدم الوقوف عند الأخطاء..
فلما عرَّف النبي أزواجه بعلمه بإفشائهن لسره، عاتبهن عن بعض ما أطلعه الله سبحانه وتعالى عليه وأعرض عن بعض.. كما قال تعالى {.. عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ..} [التحريم: 3]
قال الإمام أحمد: " نظرت في الأمور، فإذا تسعة أعشار الأمر: التغافل ".. وقال سفيان: " ما زال التغافل من فعل الكرام "
فإذا توقف كل واحدٍ منا على خطأ الآخر صغيرًا كان أم كبيرًا، لن تستديم الحيــاة أبدًا.. وهذه قاعدة في العلاقات الإنسانية بشكلٍ عـــام، وفي العلاقات الزوجية بشكلٍ خــــاص..
لا تدقق على الهفوة، أو الخطأ صَغُرَ أو كَبُرَ.. وإنما تغافل عن أمور وَدَقق في الأمور التي تستحق،،
الأصل الثالث: طلب المرأة الصالحة لرضا زوجها...
قال تعالى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]
فأرشد الله تعالى الزوجة أن تكون في رضا زوجها، ولا تميل بقلبها عن ذلك.. فقد قال أهل التفسير في معني هذه الآية " حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلي الله عليه وسلم. (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي: زاغت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره النبي صلي الله عليه وسلم "
فمن أعظم واجبـــات المرأة المسلمة: طــاعة زوجها.. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " لو كنت آمر أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " [رواه الترمذي وصححه والألباني]
فعلموا بناتكم وأخواتكم وزوجاتكم تلك الواجبات، حتى تنصلح أحوال بيوت المسلمين الخَرِبة..
ويــــا كل زوجة مسلمة، عليكِ أن لا يزيغ قلبك عن رضا زوجك عنكِ،،
ثم أتت الآية التالية موضحة لصفات الزوجة الصالحة في كل زمان..
قال تعالى {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5]
مُسْلِمَاتٍ.. تحقق شرائع الإسلام الظاهرة، من صلاة وصيام وحج وصدقة وزكاة وغيرها من الأعمال الظاهرة.
مُؤْمِنَاتٍ.. تجمع بين العمل الظاهر والعمل الباطن، فهي امرأة خاضعة لله ومنكسرة لله ومحبة لله.. ومحققة لأعمال القلوب من التوكل والصدق والإخلاص وغيرها..
قَانِتَاتٍ.. أي: خاضعــات لله، لا يخضعن لبشر.. متذللات لله وحده.
تَائِبَاتٍ.. فهي تُجدد توبتها دومًا؛ لأن التوبة ليست على العصاة فحسب.. يقول الله تعالى {..وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
فوظيفة التوبة واجبة علينا جميعًا،،
عَابِدَاتٍ.. فهي تدلل على صدق توبتها بالعبودية لله تبارك وتعالى.
سَائِحَاتٍ.. أي: صائمــات.. وقال عكرمة: السائح هو طالب العلم.
فَإِذَا تَحَلَّتْ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ بِتِلْكَ الْصِّفَاتِ وَالْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ، سَيَنَصْلّحُ حَالُهَا وَحَالُ بَيْتِهَا وَيَصِيْرُ بَيْتًا تَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ،،
الأصل الرابع: التقوى..
قال الله جلَّ وعلا موجهًا الخطاب للجميع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
يأمر الله تبارك وتعالى المؤمنين بأن يحفظوا أهلهم؛ لكي يكونوا في وقاية من النار.. ولن يكونوا في وقاية من النار إلا بالتقوى، بفعل المأمور واجتنــاب المنهي عنه.. بفعل الطاعة وترك المُحرَّم..
فعليك أن تأمر أهلك بالخير، وتنهاهم عن المنكر والمُحرَّم..
قالوا: " قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا " بأن تتعاونا على البر والإحسان والتقوى، ولا تتعاونا على الإثم والعدوان.. فعليكم أن تتخذوا التدابير لكي تكونا في مأمن من كل شيءٍ يُبعدكم عن الله تبارك وتعالى، فتتتقيه..
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " رَحِمَ الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء. رَحِمَ الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء " [رواه أبو داوود والنسائي وحسنه الألباني]
فالذي يصلح البيت أن تتعاونا سويًا على طاعة الله.. تُصليا معًا، تصوما معًا وهكذا في سائر الطاعات..
قال تعالى " وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ".. وقد وصف الله تعالى الملائكة بإنهم غلاظٌ شداد.. على الرغم من قوله لنبيه {..وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..} [آل عمران: 159]
فإن لم تتبع أنت يا أيها الرجل الرقة واللين في التعامل مع أهلك، فاتقِ نـــــار ستنال كل فظٍ غليــــظ..
لأن الجزاء من جنس العمل.. فمن كان فظًا غليظًا على أهله، حسابه شديد.. فهو يستغل حق القوامة بشكلٍ غير صحيح، وقصارى أمره أن يرفع صوته ويظهر قوته على امرأته..
وقد نهى النبي عن ذلك.. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
فإن كنتم أشداء، سيُشَدُّ عليكم.. وإن كنتم غِلاظ، سيُغلَظ عليكم..
" لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ".. وفي المقابل إن كنت ممتثلاً لأمر الله تبارك وتعالى، ستلقى مصيرًا آخر ويرحمك الله من النـــار التي وقودها الناس والحجارة.
فلا تكن غليظًا شديدًا، واتبع أمر الله ينصلح بيتك،،
الأصل الخامس: لا تبرر أخطاءك بالمعاذير..
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 7]
فإياكم أيها المؤمنون أن تكونوا على وصف الكافرين؛ فديدن الكافر هو: الإعتذار بما ليس له بعذر.. لإنهم كانوا يعتذرون في الدنيا، وعندما أرادوا أن يلتمسوا العذر أمام الله تبارك وتعالى..
وَلَاتَ حِيْنَ مَنْدَمٍ..
فإذا كنت تتخذ المعاذير وسيلة لتُبريء ساحتك، فلا عذر لك..
لكن عليك أن تلتمس العذر للآخرين.. أما عندما تحاسب نفسك، وبِّخها لأنها فوتت الخير..
وحينها ينصلح حالك وينصلح بيتك وتتقرَّب لربِّكَ بأعظم قربة،،
الأصل السادس: تحقيق التوبــــة النصوح..
ثم أتت الآية التالية وهي الآية الوحيدة في القرآن التي نصَّت نصًا على التوبة النصوح، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.. } [التحريم: 8]
والآن هل عرفت السبب في خراب بيوت المسلمين؟
تخربها الذنوب والمعاصي.. فيدخلها الشيطان بسبب ذنوب ابن آدم..
فحين تنظر إلى مشاكل البيوت المسلمة، من شقاق ونزاع وفِراق.. تعرف إنها بسبب الذنوب.. {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ.. } [العنكبوت: 40]
والنصوح: هي التي لا يعود بعدها إلى ذنب كما لا يعود اللبن للضرع.. فتنغلق صفحة المعاصي من حياته.
والنصوح: هي التي تنصح التــائب، فكلما همَّ بمعصية أتته تلك التوبة تقول: لا تفسدني.
والنصوح: الصادقة الخالصة التي لا شائبة فيها.
فإن حققتم ذلك، كنتم على رجاء أن يُكفِّر الله عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري تحتها الأنهار.
ثمَّ رغبنا بالشوق، فقال تعالى {.. يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8]
فلما يدخلون الجنة ويجدون بهيجها ونعيمها، وما يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليهم به من الخيرات..
يطلبون النعيم الأعلى:: وهو رؤية الله جلَّ وعلا في الجنة..
فالأصل الجامع للإصلاح هو:: تحقيق التوبة النصوح.. فإن حققناه أصلحنا أنفسنا وأصلحنا من حولنا،،
الأصل السابع: حُسن توجيه طاقة الغضب..
فما من أحدٍ منا إلا وفيه قوة غضبية.. كل بني آدم كذلك، الرقيق منهم والغليظ..
عن حميد بن عبد الرحمن: عن رجل من أصحاب النبي قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني. قال " لا تغضب ".. قال: ففكرت حين قال رسول الله ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. [رواه أحمد وصححه الألباني]
فالغضب هو السبب في كل شر.. فقد يدفعك لفعل تصرفات هوجاء، وقد يغضب الشخص حتى يغضب من الله تعالى، أي: يتسخَّط على قدره سبحانه وتعالى.. فيقع في الذنوب.
والله تعالى يرشدنا من خلال الآية بأن نوجه طاقة الغضب نحو أعدائنا الحقيقين، بدلاً من توجيهها نحو أهلنا وإخواننا من المسلمين.. قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9]
وَجْهِ طاقة غَضَبِكَ في المحل الصحيح.. ولا تغضب من أجل حطام الدنيا الفاني.. كالذي يغضب لمنافسة على منصب، أو يغضب لأجل مبارة كرة!
لا تغضب لأجل توافه الأمور، والأقصى أسيـــر،،
مختارات