لكي لا يتناثر العقد !!
عبد الرزاق آل مبارك
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأزواجه وأصحابه الطيبين الطاهرين..
قدر الله لي أن عشتُ في الغرب للدراسة سنواتٍ عديدة، وما كنت في يوم من الأيام أحسب أن للغرب يداً طولى فيما يسمى بحركة تحرير - بل تدمير - المرأة في بلاد المسلمين كذلك اليوم الذي رأيت فيه الإعلانات الحائطية، ثم تسامى إلى مسمعي مجيء أحد رموز هذه الحركة المشئومة - نوال السعداوي لا أسعد الله نول تيك العجوز الرَّجِلة - إلى جامعة كلورادو في مدينة بولدر يوم أن كنتُ طالبا هناك..
وعندما جئتُ إلى الندوة فوجئت بالهالة الكبيرة والجمهور الكثيف وبالتصفيق الحار على ما في حديثها من ضحالة وسطحية كأشد ما تكون الضحالة والسطحية واللغة الركيكة، وكان من غريب عُجرها وبُجرها قولُها أنها من أسرة متدينة وأنها قرأتْ القرآن أربعين مرة ولم تجد فيه ما يدل على الحجاب !! وسط الهتاف والتصفيق الحار من الحضور!! فما كان منا ونحن نرى هذا التيار الهائج من التضليل، إلا أن رفعنا المصحف مشيرين إلى آيات الحجاب في سورتي النور والأحزاب فتجاهلت ما نقول، رغم الاهتمام الذي أبداه بعض الحاضرين لإشارتنا إلى كذبها الصراح ورغبتهم في معرفة الحقيقة، إلا أننا مُنعنا في المرة الثانية من التعليق أيضاً....
هذا الغرب الذي أُولع كثير من بني جلدتنا بتقليده مهما كلفهم الأمر مصداق قول الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " نسأل الله حسن العاقبة، رأيتُ فيه عن كثب انحدار قيم الإنسان إلى الحضيض، وخاصة ما يتعلق بالمرأة والأسرة وعجزَه عن فهم إنسانيته وعن فهم نفسه التي بين جنبيه و ما يحقق سعادته وإن استطاع بآلته المأهولة أن يصل إلى القمر أو يجاوزه...
وعندما عدتُ إلى أرض الوطن آلمني تقهقر القيم عندنا أيضاً.. ولو أن الفرق بيننا وبينهم كبير.. جِدُّ كبير..
فلو قلنا أن لهم في ذلك مندوحة - وليس لهم ذلك -
فما بالنا ونحن نقرأ القرآن كل يوم ونسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم، غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين !!
وبعد، فهذه كلمات كتبتها بماء العيون علّها تصل إلى قلبك، وتصل إلى قلب كل أخت مسلمة في شرق الأرض و غربه..
وعلّها تُعين على إصلاح الخطام قبل أن ينفلت وعلى ترميم العقد قبل أن يتناثر، وإلا يكن ذلك فإنه حتماً سيستبدل !
(وَإِنْ تَتَوَّلَوا يَسْتَبْدِلْ قَومَاً غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)
ليلة الجمعة 17 من جمادى الآخر /1421 للهجرة
===============================
لكي لا يتناثر العقد !!
أختاه...أيتها الدرة المصونة والجوهرة الغالية !
أرعي لي سمعَك وقلبَك فإن لي إليكِ حديثاً.. مازال يتردد في جناني ويملأ عليّ فؤادي الذي اكتوى غيرة عليك ومحبة للخير لك...
كيف و ما رأيتُه منكِ هناك، تفطَّر له قلبي واغرورقت له عيناي،حتى امتلأتا بحرقة الوجدان قبل دموع الأجفان..
وأنا أرى بأم عينيّ كيف أغارت مخططات الأعداء وسهامهم الحاقدة المسمومة، على عزتكِ وشموخكِ ودينكِ..
وحتى صرتِ ألعوبة في أيدي حثالة القوم وسقط المتاع من أرباب الأزياء والموضة، التي صنعها لك عُبَّادُ الصليب وأحفاد القردة والخنازير، وروّج لها تاجرٌ أعمى القلب قدم حبَّ المال على حب الله ورسوله...
أجل ! فما كان والله يخطر لي ببال أنكِ تسقطين في شراكهم، فقد كنتُ أحسب أنكِ في مأمن من ذلك كله وكنتُ أرى لك رأياً وإيماناً !
كيف وقد أصبحتِ وأصبح حجابكِ وأمسى كالسفينة المشرفة على الغرق، والتي يتقاذفها الموج ويأتيها الموت من كل مكان، أو كالذي تهوي به الريح في مكان سحيق !!
أ رأيتِ كيف خماركِ – ومعه هذه الطُرَح المزركشة - فقد صار لثاماً ولعبة في يدكِ يكشف لذاك ويسدل لهذا، تفعلين ذلك وكأن الله لا يراك !!
أما تعلمين أنه مطلع على خطرات نفسك التي بين جنبيك: " وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في أنفُسِكُم فاحْذَرُوهُ.. " ؟
و اللهُ أمَرَكِ بالستر عن جميع الرجال غير المحارم دون استثناء !! فعن عائشة رضي الله عنها قالت: " يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لمّا نزلت (وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) شققنَ مُرُطَهُنَّ فاختمرنَ بها " رواه البخاري. وقال الحافظ ابن حجر: قولها " فاختمرن " أي غطَين وجوهَهن!.
وعن أم علقمة قالت: رأيتُ حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلتْ على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: " أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ " ثم دعت بخمار فكستها. رواه بن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما.
أ فرأيتِ لو أبصرتكِ عائشة رضي الله عنها وأنت على هذا النقاب الفتان، وهذه العيون الكحيلة التي لا يقر لها قرار.. و أنت على هذه الحالة التي لا ترضي الله ماذا تقول أم المؤمنين وماذا تفعل؟!!
وقد أجمع أهل العلم على وجوب ستر الوجه عند خشية الفتنة، وإن لم يكن هذا زمان الفتن فأيّ زمان؟
ثم إنهم أسقطوا عباءتكِ عن علياء رأسكِ، وألبسوكِ ثوباً أسوداً أشبه شيء بأثواب الرجـال، وسموه كذباً وزوراً (عباءة !)، نعتوها بالعمانية تارة وتارة بالفرنسية وبالمغربية تارة أخرى، لا يلوون على شيء طالما أنها تحقق لهم هدفهم الأكبر وهو إسقاط حجابكِ بالكلية، وإلا فمنذ متى سمعتِ أن فرنسا تعرف الحجاب وتصدِّره وتدعو إليه؟؟؟ ألا وإنها سميت بالفرنسية لأنها ليست عباءة أصلاً !!
ثم بعد ذلك جاءوك بالطامة، ألا و هي العباءة الأمريكية، وهي باختصار فستان على شكل بنطال كالذي تلبسه الكوافر !! فانظري كيف يتدرجون بك إلى الهاوية خطوة خطوة، و هكذا خطوات الشيطان، فأي سخرية بالدين وبشعائر الإسلام هذه؟؟
قال الله عز وجل في شأن المنافقين والمستهزئين بالدين: " قُل أَبا لله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَسْتَهْزِؤونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ " ! فنعوذ بالله من موارد الضلال ومن فتن يرقق بعضها بعضاً..
أمّا الجلباب في الاصطلاح الشرعي فليس بثوب ذا أكمام وأكتاف وخاصرة، وإنما هو ملاءة تلتحف بها المرأة فوق ثيابها تستر به جميع بدنها وثيابها وزينتها، وهاكِ الدليل القاطع على هذا، وذلك عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء المؤمنين بأن يشهدن صلاة العيد، فقد روى البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت: " قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب "، قال: " لتُلبسَها أختُها من جلبابها ". فلو كان الجلباب ثوباً ذا أكمام وأكتاف لاستحال أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم عطية أو غيرها من الصحابيات الجليلات أن تُلبــس أختَها منه، ولكان ذلك من التكليف بما لا يطاق..
أمَا وإن هذا الثوب الذي ترتدينه لم يبق فيه من الجلباب الشرعي والعباءة، سوى الأحرف التي سرقوها من تيك الأولى العالية الشامخة، تلك التي طالما رفعتها على رأسكِ تاجاً لعزكِ وعنواناً لمجدكِ وفخراً لكِ بين الأمم على مر التاريخ !
أختاه.. أنتِ تعلمين أن هذا الثوب أو الفستان الأسود الذي كنتِ ترفضينه من قبل بشدة قبل أن يسموه لك عباءة وقبل أن.. وقبل أن....، تعلمين - دون ريب - أنه ذريعة محققة لإسقاط الحجاب كلية - أسأل الله أن ينتقم ممن يسعى لذلك وأن يرينا فيهم عجائب قدرته -.. وهو بذلك محرمٌ من باب سدِّ الذرائع، فكل ما أفضى إلى حرام فهو حرام، كما هو معلوم عند أهل العلم سلفاً وخلفاً، وكما أفتى بحرمته العلماء من هذا الوجه، ومن وجوه أخرى، كإظهاره لتفاصيل جسد المرأة ومشابهته لطريقة لبس الرجال أرديتهم، ولمخالفته لقول الله عز وجل (يَا أيُّهَا النَّبيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ.. الآية).
وكما هو محقَّق عند أهل اللغة أن استعمال الحرف " على " وهو من حروف المعاني، يفيد العلو، وأعلى الجسد هو الرأس وليس الكتف.
نعم !! تعلمين أنه ذريعة أكيدة لأهدافهم الدنيئة، وقد رأيتِ بنفسكِ كيف وسعوا أكمامه، حتى ما إذا جئتِ لإتمام الصفقة -الخاسرة- و ما إن رفعتِ يدكِ لإعطاء ذلك البائع الجشع نقوداً - يالله - ثمنا باهظاً لإنقاص ستركِ، حتى انكشفتْ ذراعك إلى المرفق..!
وربما زركشوها وربما.. وربما.. ورأيتِ كيف أخذتْ يد التخريب الآثمة في تضييق ذلك الثوب، وتشريحه من هنا وهناك وتزيينه، حتى صار بعض ما يلبس في البيوت أقلَّ فتنة مما تلبسين في السوق، ثم تحسبين أنكِ على شيء وأن لكِ حجة..
أختي الغالية.. أو ما سمعتِ ذلك المنصِّر الذي وقف في أحد مجامعهم في بلاد الغرب، ثم قال: تظنون أننا لم نفعل شيئا في جزيرة العرب ولم نحقق نجاحاً؟؟ ثم صمت قليلاً وقال: نعم، نحن لم نستطع أن نُدخلَ رجالهم في النصرانية، ولكننا نجحنا في أن نُلبس نسائَهم لباس راهبات الكنيسة !
وإن شئتِ فقارني بين لباس راهبات النصارى وبين هذه العباءات المستحدثة، وستعلمين حجم المؤامرة التي يدبرها أعداء الفضيلة وحزب الشيطان..ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون..
وقد وقعت عيني على مقابلة مع واحدة ممن شاركن في تصميم هذه العباءات الجديدة، وهي مصممة الأزياء الإيطالية رفايئلا كاردينالي – وبالمناسبة فإن كاردينال رتبة من رتب الكنيسة -، حيث جاءت لتقيم عرض أزياء في مدينة الرياض !!
وقالت أن أولى زياراتها كانت عام 1997م بعدها اعتادت على الحضور وأنها – على زعمها -أحبَّتْ هذا البلد كثيراً، خاصة أن أهل البلد يشتهرون بحسن الضيافة كما هي عادات العرب دائماً. وعبرت عن سرورها لما قد حقق العرض الذي أقامته نجاحاً كبيراً، وأنها لذلك تخطط للمجيء هنا مرات ومرات !!
وتحت عنوان " العباءة السعودية زي ينافس الأزياء العالمية " حيث كان هذا الحوار:
س: (سهام صالح): ما الذي جذبك في العباءة السعودية؟
ج: (رفايئلا كاردينالي): العباءة السعوديـة تشبه " الكوت " الأوروبي، لذلك يمكنها المنافسة في الأسواق
الأوروبية خاصة في المساء مع الشال. فالسهرات في أوروبا تعتمد على الكوت والشال.
إذن هي فكرة قريبة جداً من الذوق الأوروبي، على الرغم أنها تمثل زياً عربياً (!!!!!). إضافة إلى أن تصميم العباءة شئ رائع وجذاب ومختلف.
س: (سهام صالح):ما هي الخامات التي استخدمتها في تصميم العباءة القريبة من الكوت الأوروبي؟
ج: (رفائيلا كاردينالي): الكوت دائماً ما يكون مصنوعاً من الصوف وبالتالي عادة ما يفتقد الأناقة. لذلك
عمدت إلى صنع العباءة التي تصلح ككوت من خامات غير الصوف كالحرير والساتان والكتان وغيرها.
س: (سهام صالح):هل قمت بتصميم أزياء سعودية أخرى غير العباءة كالثوب السعودي مثلاً؟
ج: (رفائيلا كاردينالي): لا.. ربما في المستقبل فأنا لا أعرف مدى تقبل السوق لتصميمي للثوب..الخ.(1)
فانظري إلى من يصمم حجابك الذي تَدينين الله به ومن يتلاعب به ويخطط له، حتى صار أثراً بعد عين أو كاد، إنهن الساقطات من نصرانيات أوروبا ويعينهن على ذلك أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنـتنا، ثم جئتِ أنت لتكونين شماعتهم المتنقلة التي يعلقون عليها بضاعتهم المسمومة شئتِ أم أبيتِ، وتعطينهم مقابل ذلك مالاً وفيراً خسارة في الدنيا وخسارة في الدين، فعياذا بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن خاتمة السوء.
أمَا وهذه الرزيئة المدلهمة وهذه الغُربة المستحكمة - وطوبى للغرباء - لنحن أحق بتمثّل هذا الرثاء ممن سبقنا من أهل الملة البيضاء:
هذا الزمان الذي كنا نحاذرهُ + فيما يحدِّث كعبٌ وابن مسعودِ
دهرٌ به الحـقُّ مردودٌ بأجمعه + وطالعُ الكفر فيه غير مردودِ
إن دام هذا ولم يحدث له غِيَرٌ +لم يُبكَ مَيْتٌ ولم يُفرح بمولودِ
من أين هذا الزيّ؟
أختاه.. لقد قال ربي وربك: (يَا بَني آَدَمَ قَدْ أَنْزَلنَا عَلَيكُمْ لِبَاسَاً يُوارِي سَوءَاتِكُم وَرِيشَاً وَلباسُ التَّقوى ذلكَ خَيْر، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ).
وقد كنتُ بالأمس أمام بيوت الأزياء التي زخرفوها لكِ، وأقسم لكِ بالله أني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه المزق القماشية القصيرة والضيقة والشفافة، وهذه البناطيل الفاضحة التي علقوها على جدرانهم وتماثيلهم وأسموها ملابس !!، وقد أعمى بصائرهم الجشعُ عن كل فضيلة.. أقسم لك بالله ثانية أنني لا أكاد أصدق أن من يشتري هذه الزينة المحرمة، وهذا السفور البُواح، هنّ أنتِ وأترابكِ من المؤمنات العفيفات اللاتي حملن في قلوبهن لا إله إلا الله، وخفقتْ في صدورهن آيات كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم..
من أين هذا الزي؟ ما عرفتْ + أرضُ الحجازِ ولا رأتْ نجدُ
هذا التبـــذُّل يا محدثتي + سهـمٌ من الإلحـاد مـرتدُّ
ضدان يا أختاه ما اجتمـعا + دينُ الهـدى والفسق والصدُّ
والله ما أزرى بأمتنـــا + إلا ازدواجٌ ما لـه حــدُّ
رويداً.. رويــداً !!
أحقاً أنت حفيدة خديجة وفاطمة وعائشة وأسماء وأم سليم وأم عمارة، وذلك الطراز الأول من النساء اللاتي يتشرف بذكر أسمائهن المداد ويتضوع بشذا عَرفهن أجواء بيوت الطهر والإيمان؟!!!
أحقاً أنت حفيدة أمهات المؤمنين و سليلة نساء الأنصار، اللاتي قالت عنهن عائشة رضي الله عنها فيما رواه ابن أبي حاتم عن صفية: (ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنـزيل، لقد أُنزلت سورة النور: (وَليَضْرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهم امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان)..
وهاهي أم المؤمنين عائشة أعلم نساء هذه الأمة رضي الله عنها لا تفرط من ذلك بشيء، بل وهي في حال الإحرام رغم أن له حكم خاص عُلِم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري.. إلا أن حكم الحجاب بحضرة الرجال الأجناب قدم عند تعارضهما، ويقر ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، قالت عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة و الدارقطني و البيهقي..
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: " قوله في حديث ابن عمر: " لا تنتقب المرأة المحرمة " وذلك لأن سَترَها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتُعرض عن الرجال ويُعرضون عنها ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على حديث بن عمر فيما يتعلق بالنقاب والقفازين: " وهذا مما يدلّ على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن ".
وروى أبو داود في السنن والبخاري في الكُنى بسنديهما، وهذا لفظ أبي داود: عن حمزة بن السيد الأنصاري، عن أبيه رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: " استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تَحْقِقْنَ الطريق، عليكن بحافات الطريق " فكانت المرأة تلصُق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها "...!
ولعمر الله إنها صورة تهز وجدان المؤمن، فهذا هو أفضل جيل وقرن على مر التاريخ، وهاهن أفضل النساء بين أفضل الرجال، وهم خارجون من مسجد رسول الله بعد أداء فريضة من فرائض الله، وبين ظهرانيهم سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه، ثم يأمر رسول الله نساء المؤمنين فما يكون منهن إلا الاستجابة الكاملة: " فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها " !! أفلا يتحرك قلبك..؟ ألا يهتز جنانك..؟ ألا تهمل دمعتك وأنت ترين هذه الصورة التي هي في غاية الحشمة والطهارة..؟؟؟
فأين أنت من ذلك يا أمة الله، لا أقول في بيوت الله فإني أراك لاهية عن ذلك الموطن بغيره من زينة الدنيا وزخارفها - ولا أخفيكِ أني أخشى عليك أن تكوني ممن لا يدخل المسجد إلا محمولة على الأعناق، يوم تلتف الساق بالساق، إلى ربك يومئذ المساق..
ولكن أين أنت من ذلك الخُلُق.. خلُق الحياء، خلق هذه الأمة، " الحياء شعبة من الإيمان "، أين أنت منه في الأسواق وفي المطاعم وفي المنتزهات وفي دور الأفراح؟؟
قال مجاهد عند قوله تعالى (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى): " كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية " !!
وقال صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في مقر بيتها " رواه الترمذي وابن حبان و الطبراني في الكبير.
أما إذا كنت تظنين – لا قدر الله - أن أمر الستر والحجاب من القشور - كما يزعم بعض المغرضين والمغفلين -، وكما نسمع هنا وهناك، فإنه من نافلة القول أن أقول لكِ إن دين الله عز وجل وشريعته المطهرة أعظم وأجل من أن يكون بها قشور، فإن كان هذا البيان وهذه الحجة لا تكفي، وإن كان لا يزال من ذلك في نفسكِ شيء، فأسوق لك ما جاء في السنة من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً، قالت: إذن تنكشف أقدامهن !، قال: فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه ". رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
فانظري رحمك الله إلى هذه الطاهرة المطهرة أم سلمة المخزومية القرشية الشريفة رضي الله عنها وأرضاها، وكيف لها من الفقه في دين الله أنها أدركت بذكائها وبصيرتها وبذوقها السليم، أن المرأة مناط للستر والحجاب - وانظري ذلك في قولها " فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ " رغم شبهة التعارض مع النص الدال على حُرمة جر الثوب خيلاء، ورغم أن الإسبال من الكبائر ورغم ما تعلق ذلك من العقوبة العظيمة وهو حرمان المسبلين خيلاء نظر الله إليهم يوم القيامة، ويالها من حسرة ويالها من عقوبة !!
فكيف إذا بعقوبة المتبرجة والسافرة... إنها نار جهنم -كما سيأتي الدليل على ذلك بعد قليل - حماني الله وإياك من حرها وأظلنا الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وانظري سلكني الله وإياك طريق الرشاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرها على هذا الفهم النافذ وهذه البصيرة الباصرة، بأن رخَّص للنساء وهو المؤيَّدُ بوحي السماء، أن يرخين الجلباب (العباءة) شبراً ثم ذراعاً !
وهذا من أجل ستر الأقدام وحسب فكيف بما غير ذلك من زينة المرأة ومفاتنها؟ لا شك أنه داخل بالقياس المطرد من باب أولى.. بل إن الله عز وجل أمر بأكثر من ذلك، ربكِ وخالقكِ، قال تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) فإن ذلك محرم بنص القرآن ولو كانت القدمان مستورتين !!!
وهذه الصِدِّيقة أسماء بنت الصدِّيق رضي الله عنها وأرضاها، تكتب درساً تسجله لنا أسفار التاريخ بماء الذهب تقول: " انطلقتُ يوماً إلى أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعمل بها، وفي يوم من الأيام حملتُ النوى على رأسي، وقفلتُ راجعة إلى الدار، وفي الطريق قابلتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم حملي فناداني وأناخ بعيره ليحملني، فاستحييتُ أن أركب معه وأن أسير مع الرجــال، فعرف ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومضى وتركني، ومضيتُ أنا حتى بلغتُ الدار "..
وأترك هذا الصورة الناطقة تختزل أسفاراً من المروءة والمجد، يهشُّ لها وجه الشمس وتبتسم لها نجوم السماء، أتركها دون تعليق وأكتفي بما ربما يعتمل في قلبكِ ويذرف من عينكِ..
فيا من تركب مع السائق مسلماً كان أم كافراً، تذكري دائماً هذا الحديث وقولي: أين هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ وأين أنا من أسماء..؟؟
وتذكري ذلك وأنت تدخلين على الطبيب دون محرم !!
وتذكري ذلك وأنت تتحدثين مع البائع بطريقة غير لائقة، حتى ليكادُ المرء أن يجزم أنه أخوك أو خالك أو عمك..
فإذا كنتِ تريدين السلامةَ لدينكِ والطهارةَ لقلبكِ - وأحسبكِ كذلك - وذهبتِ إلى السوق لحاجة فاذهبي مع ذي محرم، واتركي له أمر محادثة الرجال والاختلاط بهم، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه..
وقد علمنا هذا الأدب ربنا عز وجل، حيث خاطب أفضل الرجال وأفضل النساء بقوله: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب، ذَلِكُم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).. فيا سبحان الله إنه خلق الحياء.. الحياء خلق هذه الأمة !!
وفي أيام الحج، خطب صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم فقال: " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجتْ حاجّة، وإني اكتتبتُ في غزوة كذا وكذا.. فقال صلى الله عليه وسلم: " انطلق فحج مع زوجتك ".. قالها عليه الصلاة والسلام دون قيد أو شرط، ولم يسأل عن حالها أهي شابة أهي موثوقة؟ أهي مع رفقة مأمونة؟؟، قالها لرجل ليس بذاهب إلى منافسة رياضية أو إلى سَمْرة مسائية مع الأصدقاء، ذاهب إلى الغزو في سبيل الله، وهذه المرأة ليست مسافرة من أجل زيارة قريبة أو صديقة من أجل التسوق و التفسح وتغيير الجو، ولكنها ذاهبة إلى جهاد المرأة من الحج والعمرة !!
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر فيما خرجه بعض أهل العلم في المتواتر الذي يرتقي من رتبة الظن الغالب إلى اليقين في الثبوت: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ".
أخيّتي افتحي قلبك أزيلي عنك هذه الغشاوة، فإنه يوشك أن ينفلت الخطام وأن يتناثر العقد...
أرى تحت الرماد وميضَ جمر +وأخْلِقْ أن يكون له ضِرامُ
وقد غفلت أمية عن سناها+ويوشك أن يكون لها اضطرامُ
أقول من التعجب ليت شعري + أ أيقاظ أمــية أم نيامُ
وقال الآخر:
أرى ناراً تأجَّج من بعيدٍ *** لها في كل ناحيةٍ شَـعاعُ
وقد نامت بنو العباس عنها ***وأضحت وهي غافلةٌ رتاعُ
كما نامتْ أميـة ثم هبتْ *** لتدفع حين ليس لها دفاعُ
ويومها ستكونين أنت الخاسرة أولاً و آخراً.. وتوشك الفتن أن تموج كموج البحر، وحينذاك فإن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها..
وقد جاء في وصف أهوال فتنة الدجال أنه ينزل في سبخة بمرقناه، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه (2) نسأل الله العصمة والتثبيت..
و لا تحسبي أن ذلك بعيد، وإن أمام الدجال سنون خداعة، و ها قد بدأت العلامات تظهر واحدة تلو الأخرى، فقد أعلن مؤخراً وزير الزراعة الإسرائيلي في ما نقلته وكالات الأنباء العالمية، أن مياه بحيرة طبرية بدأت في التناقص الشديد، والتي سوف تؤول بها إلى الجفاف و لابد من وجود حل لمشكلة المياه...
إن هذا الخبر في غاية الخطورة: لأن واحدةً من علامات ظهور المسيح الدجال المؤكدة في الصحيح جفاف بحيرة طبرية، كما ذكر هو بنفسه حيث سأل عن ثلاثة أمور منها أنه قال: أخبروني عن بحيرة طبرية هل فيها ماء؟ قالوا: نعم، قال: إنّ ماءها يوشك أن يذهب !! و هذا في الحديث الطويل من قصة تميم الداري رضي الله عنه – وكان من أحبار النصارى ثم أسلم ونال شرف الصحبة- الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم…
وقد نُقل عن العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه عندما سمع بانخفاض مياه بحيرة طبرية إلى الربع غلبه البكاء، وقال هذا زمن خروج الدجال... وإن من علاماته أنه يأتي والناس في ذهول عن ذكره، حتى إذا أصبح على مشارف المدينة وصعد أحداً ينظر إلى الحرم النبوي ويقول " هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد " فعن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب فقال: (يوم الخلاص و ما يوم الخلاص) ثلاثا فقيل له: و ما يوم الخلاص؟ قال: يجئ الدجال فيصعد أحداً فينظر المدينة فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب منها ملكاً مصلتاً فيأتي سبخة الحرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق و لا منافقة و لا فاسق و لا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص).(3)
وقد رأيت بعيني صورة التقطتْ للمدينة النبوية من الأقمار الصناعية، وإذا أظهر ما فيها زادها الله تشريفاً وتعظيماً مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بدا كالقصر الأبيض في وسط المدينة، وعلق بعض العلماء بأنه ولأول مرة في التاريخ يكون لون المسجد النبوي في مثل هذا اللون، اللهم سلم.. اللهم سلم …
أخيّتي أزيلي عنك هذه الغشاوة.. أفيقي، إن التبرج من كبائر الذنوب، ويترتب عليه دخول النار والحرمان من الجنة وناهيك بذلك، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه " صنفان من أهل النار لم أرهما.. وذكر منهما: ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا " ورواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة وجاء فيه " وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة عام "...
فيالله هل بقي عندك بعد هذا كله حيرة أو تردد في الإقلاع والبراءة الكاملة من هذه الكبيرة.. وهل لازلتِ تقدِّمين رِجْلاً وتؤخرين أخرى نحو الاستقامة وسلوك المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك... أخيتي:حجابَك، فإنه حجابُك من النار !!
غربيات لا يبغين بالإسلام بدلاً!!
أختاه.. وأنت تتراجعين إلى الوراء وتنـزلين عن مكانك العالي، ألم يخطر لكِ ببال أيّ امرأة أنتِ؟ وأيّ دين تنتسبين إليه؟!!
ألم تسمعي عن تلك النصرانية التي أروي لك قصتها من تجرِبتي في الغربة دون واسطة، وقد كنا في رحلة دعوية وترفيهية و ما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا وقد جاءت البشائر بإسلامها وانشراح صدرها لدين الإسلام وارتدائها للحجاب، وعندما سألنا كيف تم ذلك؟ قالت: إن سبب اعتناقها للإسلام هو ما رأته من مظاهر الحشمة والحياء بين المسلمات ومن تركهن للاختلاط والتبرج الذي دمر قيم الأسرة والمجتمع في بلادهم وما رأته من اصطفاف المسلمين للصلاة في الجانب الآخر في مشهد هو غاية في التأثير..
والشيء المثير حقا أن أولئك النسوة اللاتي كن سببا لهدايتها،كان كلهن من الأمريكيات اللاتي اخترن الإسلام على ما سواه من الأديان وتعبدن لله لا سواه وعضضن بالنواجذ على لا إله إلا الله.. واقتدينَ بأمهات المؤمنين فلبسنَ الحجاب الكامل دون أن يُرى من إحداهن شيء !!
أخيّة.. ألم تعلمي عن تلك المرأة النصرانية الأخرى التي رأت فتيات مسلمات يمشين في الطريق وتشرفن بارتداء الحجاب، وبعد أن سَألتْ عن خبرهن وقيل لها أنهن يَدِنَّ بالإسلام، اتجهت إلى دراسة هذا الدين حتى انتهى بها المطاف إلى اعتناقها للإسلام !!
إن هذا المشهد الذي قد يظنه البعض عاديا وغير مؤثر، قد كان له الدور الأول في إنقاذ نفس إنسان من النار، وجريان مثل أجر هذه الأخت المهتدية لهاتيك الفتيات المحجبات وهن غافلات لا يدرين عن أمرها شيئاً.
وأما مشاعر هؤلاء المسلمات بعد ذلك وسعادتهن وراحتهن فلا تسألي !! هذه مجموعة من الغربيات اللاتي ذقن طعم الإيمان ولذة الاستقامة على هذا الدين يقلن: " زادني الحجاب جمالاً ـ الحجاب إعلان عام بالالتزام ـ الحجاب شعار تحرر ـ الحجاب يوفر لي مزيداً من الحماية ـ عندما أسلمتُ أصررتُ على ارتداء حجابي بالكامل من الرأس إلى القدم ـ الحجاب جزء مني، من كياني، فقد ارتديته قبيل إسلامي لإحساسي أنني أحترم نفسي وأنا أرتديه ".
وأخريات منهن يصرخن: " أحس في قلبي رقة لم أعهدها قبل إسلامي ـ شعرتُ أنني كنت دائماً مسلمة ـ اكتسبتُ من الإسلام القوة لمواجهة الناس ـ أجاب الإسلام عن جميع تساؤلاتي ـ وجدت في الإسلام ضالتي وعلاج أزمتي ـ قبل إسلامي كنتُ لا شيء ـ أصبح هدفي الأسمى الدفاع عن هذا الدين ـ صارت الصلاةُ ملاذي والسجود راحتي وسكينتي ـ فرحتي لا تُوصف ـ شدتني العلاقة المباشرة بين العبد وربه ـ المرأة الغربية لا تعرف ماذا تريد ـ تعرفتُ إلى وحدانية الله فبكيت ـ المرأة الغربية ليست متحررة كما قد تتوهم المسلمة ـ نطقتُ بالشهادتين فسرتْ في عروقي قوة خارقة ـ الإسلام هو الذي أعطاني الأمان ـ اكتشفت كنوزاً كنت أجهلها ".
ومن الكلمات التي تعبر عن الفرح الغامر الذي يستنطق الدمعة من الجفن، ومن هذا الذي تفيض به قلوب الداخلات في دين الله كلمات اليونانية " تيريز " تصرخ حتى ليكاد أن يصل صوتها إلى نجوم السماء الزهر: " لا أريد أن أتحدث، ففرحي بالإسلام لا يوصف أبداً، ولو كتبتم كتباً ومجلدات لن تكفي لوصف شعوري وسعادتي، أنا مسلمة، مسلمة، مسلمة، قولوا لكل الناس إنني مسلمة وسعيدة بإسلامي، قولوا لهم عَبْر وسائل الإعلام كلها: " تيريز اليونانية أصبحت خديجة: بدينها، بلباسها، بأعمالها، بأفكارها " (4).
ويطيب لي هنا أن أُثَـنّي بقصة العالمة الألمانية (زيغريد هونكة) صاحبة الكتاب الشهير " شمس العرب تسطع على الغرب " والذي بينتْ فيه، كما هو معلوم، فضل مدنية المسلمين وثقافتهم على الغرب ونهضته الأخيرة بعد عصور الظلام التي غطتْ أوربا في غطيطها قرونا طويلة.. زيغريد هونكة التي تَمَلّك حب العرب وحضارتهم ومجدهم شَغاف قلبها بما لا يكاد أن يكون له مثيل بين الأوربيين، وأحبت الإسلام لحبها لهم ولعلمها بأنه هو الذي أخرجهم بين الأمم خير أمة أخرجت للناس..
وقد حدثني بخبرها الدكتور علي الدفاع عالم الرياضيات المعروف في جامعة البترول بالظهران بنفسه مشافهة قال: كنت في أحد المؤتمرات العلمية في أوربا وقد تحدثتُ إلى الدكتورة هونكة وكنت مطلعا على كتاباتها وإنصافها لعقيدتنا وحضارتنا ورأيتُها وقد كبِرت سِنُّها قلت لها: إن لي حلم جميل أرجو له أن يتحقق !! فقالت لي: وما هذا الحلم؟؟ قال فأجبتُها: بأن حياتك العلمية والثقافية الطويلة في الدفاع عن مآثر العرب والمسلمين وتاريخهم أرجو أن يكون لهذه الحياة الحافلة وهذه السيرة العلمية المميزة تكملة جميلة وأن تختم بأحسن ختام وذاك بأن تدخلي في الإسلام!! قال محدثي وقد رأيتُ عينيها قد اغرورقتا بالدموع ثم قالت لي بالعربية الفصيحة: " بيني وبين ذلك قاب قوسين أو أدنى " قال فما مر عام أو أكثر حتى سمعتُ خبر اعتناقها للإسلام، وسمعتُ خبر وفاتها بعد ذلك بمدة رحمها الله.. انتهى.
وعندما سُئلتْ في أحد المؤتمرات الإسلامية ما نصيحتها للمرأة العربية التي تريد طي الماضي وخلع الحجاب، قالت زيغريد هونكة: " لا ينبغي لها أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عقدي مهما كان مصدره، لأن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي فقدها لمقومات شخصيتها، وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، اللاتي عشنه منطلقات من قانون الفطرة التي فطرن عليها، وأن تلتمس العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها، وأن تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة الممثلة في كونها أم جيل الغد العربي، الذي يجب أن ينشأ عصاميا يعتمد على نفسه " (5)
ومثلها قالت الصحفية الأمريكية (هيلسيان ستاسنبري) بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع.. وعندما عادت إلى بلادها لم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها و تمحض نصيحتها حيث تقول: " إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا ".(6)
حسرات وعبرات !!
وإن مما أخشاه عليكِ يا أختي الغالية أن تكوني في مثل حال هذه المرأة المسلمة وحسرتها وهي تقول:
" كنت شابة يافعة أحب الحياة وأكره ذكر الموت..أغادر مجلس رفيقاتي متى ما تتحدث إحداهن عن حادث أليم أو مرض عضال !! وكنت أتابع أخبار الموضة بشغف وشوق أركض لأجل أن ألحقها فلا يفوتني منها خبر.. حتى عباءتي لم تتركها الموضة على حالها، فقد أغراني حب الجديد بأن أتفنن في طريقة لبسي لها فتراني حيناً أضعها على كتفي لا على رأسي لأجل أن أظهر زينتي وشيئا من أناقتي..
أما نقابي بل قل نقاب الفتنة، فقد بدأت ألبسه تمشياً مع الموضة وتحججاً واهياً بعدم الرؤية، عيناي أظهرتهما كحيلتين.. من خلال فتحات نقابي، ومضيت أتابع عيون من حولي، وتحملني غفلتي وسذاجتي على أن أزهو فرحاً كلما رأيت أعين المارة ترمقني بإعجاب أو استغراب !
وذاتَ مرة سافرتُ إلى بلد غربي ولم أكتف بتجميل حجابي وحسب، ولكنني خلعته ورميت به في مقعد الطائرة التي أقلتني مسافرة ! وفي تلك البلاد شد بصري منظر امرأة متحجبة لا يظهر منها شيء، عباءة طويلة فضفاضة، خمار طويل مسدل... اقتربتُ منها فسمعتها تتكلم بلهجة أجنبية صرفة !! تعجبت وتساءلت أتراها امرأة عربيه مقيمة، اعتادت لغة القوم وتحدثتْ بها بهذه الطلاقة والقدرة؟! فضولي دفعني لأن أطرح عليها سؤالاً: أ عربية أنتِ.؟؟ قالت: لا ! بل أنا كندية مسلمة، دخلتُ الإسلام منذ سنة ونصف، ومن حينها وأنا كما ترين أرتدي حجابي وأسير وعزتي وفخري بديني الجديد يسيران معي..!
وضعتُ أنا يدي على رأسي بحثتُ عن حجابي ! لم أجده.. تذكرتُ أني رميتُ به على مقعد الطائرة.. ردَّدتُ كلمات ساخنة بيني وبين نفسي..يا الله..يا رب.. أ أجنبية لم تعرفك ولم تؤمن بك إلا منذ سنة ونصف، وأنا.. أنا جدي مسلم وأبي مسلم وأمي وأخي بل قومي كلهم مسلمون.. نشأتُ على طاعتك وتربيت في بيت يؤمن أهله بك، فكيف أتخلى بهذه السهولة عن حجابي وتتمسك هي به !! ". (7)
واسمحي لي أن أقتطع من وقتك قليلاً لأحدثك بقصة تلك الفتاة التي وُلدتْ ونشأت في بلاد الإسلام، ولكنها ما عرفت هذا الدين حيناً من الدهر، فأتركها تتحدث عن نفسها بنفسها:
" عندما تزوجتُ،ذهبتُ مع زوجي إلى فرنسا لقضاء ما يسمى بشهر العسل، وكان مما لفت نظري هناك، أنني عندما ذهبت للفاتيكان في روما وأردت دخول المتحف البابوي أجبروني على ارتداء البالطو أو الجلد الأسود على الباب..هكذا يحترمون ديانتهم المحرفة..وهنا تساءلت بصوت خافت: فما بالنا نحن لا نحترم ديننا؟؟!!
وفي أوج سعادتي الدنيوية المزيفة قلت لزوجي: أريد أن أصلي شكرا لله على نعمته، فأجابني: افعلي ما تريدين،فهذه حرية شخصية !! وأحضرتُ معي ذات مرة ملابس طويلة وغطاء للرأس، ودخلت المسجد الكبير بباريس فأديت الصلاة، وعلى باب المسجد أزحتُ غطاء الرأس، وخلعتُ الملابس الطويلة، وهممتُ أن أضعها في الحقيبة، وهنا كانت المفاجأة.. اقتربتْ مني فتاة فرنسية ذات عيون زرقاء لن أنساها طول عمري، ترتدي الحجاب.. أمسكتْ يدي برفق وربتتْ على كتفي، وقالت بصوت منخفض: لماذا تخلعين الحجـــاب؟ ألا تعلمين أنه أمر الله؟!!
كنت أستمع لها في ذهول، والتمستْ مني أن أدخل معها المسجد بضع دقائق، حاولت أن أفلتَ منها لكنّ أدبها الجم، وحوارها اللطيف أجبراني على الدخول،سألتني: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟..أتفهمين معناها؟؟..إنها ليست كلمات تقال باللسان، بل لا بد من التصديق والعمل بها... " لقد علمتني هذه الفتاة أقسى درس في الحياة.. اهتز قلبي، وخضعت مشاعري لكلماتها ثم صافحتني قائلة: انصري يا أختي هذا الدين !!
ثم خرجتُ من المسجد وأنا غارقة في التفكير لا أحس بمن حولي " (8).
إلى آخر كلامها.... فالحمد لله فقد كانت هذه الأخت الفرنسية سبباً لهداية هذه المرأة العربية وهي كانت سببا لتوبة زوجها، وكلاهما صار بعد ذلك داعية إلى الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم !!!
أيّ امرأة أنتِ بين النساء!!
أختاه.. وإنما سُقتُ لك هذه الأمثلة وهي غيض من فيض لأقول لك ما قاله الله عز وجل: (أَلَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُونَ).. فيا ريحانة الفؤاد ويا سليلة الأمجاد، آن لك أن تعودي إلى ربكِ وخالقكِ ورازقكِ وإلى دينكِ، الذي لن تفلحي إلا بالتمسك به وإلا بالتوبة من سكرة هذه الغفلة المهلكة، التي تكاد أن تلقي بك في متاهات الضلالة وفي دروب الغواية والعياذ بالله...
آن لك أن تتجللي بحجابك الكامل لا الحجاب المزوق المزيف، وآن لك أن تعيدي حياءك وسترك وعباءتك الأولى على رأسك سيفاً في وجه الباطل الذي عربد وكاد أن يلقي بكِ في شراك العدو لولا أن الله سلم..
لقد آن لك أن تعلمي أن صرح هذا الباطل الذي أغراك مظهره، والذي أمسى ينتفخ حتى صار كالبالون الكبير، يوشك أن ينفجر لأدنى شوكة تصيبه من هنا أو هناك..
وإلا فأنت تقرأين قول الله عز وجل في محكم التنـزيل: (وَقُل جَاءَ الحَقُّ وَ زَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً) فإن من عادة الباطل أن يزهق حينما يجيء الحق، وقال تعالى في الآية الأخرى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق) …
وآن لك – يا أخية - أن تَقْطَعي تلك اليد الآثمة التي تسللت وامتدت إلى خماركِ وجلبابكِ، وقطّعتْ أثوابكِ يمَنةً ويَسرةً، ولم تبق عليك إلا لباساً يظهر أكثر مما يستر والله المستعان !!
فيا شقيقة الرجال ويا مصنع الأبطال..كوني صخرةً صُلبةً في جدار الأمة، و لا تكوني سهماً في كنانة الأعداء يشدخون به هامة الفضيلة وعالية الكرامة !! وإياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك !
أختاه.. أخوفك بالله الذي يعلم السر وأخفى أن تظني أنّ ما تفعلينه من إنقاص حجابكِ وحياءكِ شيئاً فشيئاً، يوماً بعد يومٍ، ذكاء أو فطنة !! (أَلا إنَّهُم يثْنُونَ صُدُورَهُم ليَسْتَخفُوا مِنهُ ألا حِينَ يَسْتَغشُونَ ثِيَابَهُم يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَ مَا يُعْلِنُونَ).
وحذّر الله من سبيل المنافقين وقال عنهم: (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ مَا يَخدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَ مَا يَشْعُرُونَ). وإني أعيذكِ بالله من ذلك وأذكِّرَكِ أن ذلك ظلمٌ لنفسكِ أولاً وقبل كل شيء، ثم إنه ظلم لأهلكِ ومجتمعكِ وأمتكِ وإعانةٌ على الفساد والإفساد.
واعلمي يا أخية أن الله عز وجل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما جاء في الحديث..ولا إِخالكِ تقدمين على مغامرة مخطورة كهذه، خصمكِ فيها الله جل جلاله الجبار المنتقم.. وفي الصحيح المتفق عليه " إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرم الله عليه ".
وإن من أخطر تبعات التبرج والسفور أنه سنة في الإسلام سيئة، عليكِ من وزرها ووزر من تبعكِ فيها إلى يوم القيامة، من النساء اللاتي لازلن يترددن في منـزلة بين المنـزلتين، ومن صغيرات اليوم / أمهات الغد اللاتي صرن ينظرن كيف تفعلين فيقلدن - دون أن ينقص من أوزارهن شيئاً - وقد جاء في القرآن المجيد (لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).
ألا وإن كل ما هو محرم على البالغة، لا ينبغي أن تنشّأ عليه الصبية، ولا تقولي إنها صغيرة فإنها غداً كبيرة !
يا دُرّة حُفظتْ بالأمس غالية واليوم يبغونها للـهو والطربِ
يا حُرة قد أرادوا جعلها أمة غربية العقل،لكنّ اسمها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده دوما،وآخر هاديه أبو لهب؟
وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفتْ خطى حمالة الحطب
أختاه لستِ ببنتٍ لا جذور لها ولست مقطوعة مجهولة النسب
أنت ابنة العُرب والإسلام عشتِ به في حضن أطهر أمٍ من أعز أب
فلا تبالي بما يلقون من شُبهٍ وعندك العقل إن تدعيه يستجب
سليه:من أنا؟ ما أهلي؟ لمن نسبي؟ للغرب أم أنا للإسلام والعرب؟
لمن ولائي؟ لمن حبي؟ لمن عملي؟ لله أم لدعاة الإثم والكذب؟
حول تحرير المرأة
لقد زعموا - ومنهم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - أنهم يريدون تحريرك !
فأسألك بالله أحقاً أنكِ رقيق تباع في سوق النخاسة؟
أخبريني.. منذ متى وأنت كذلك.. حاشا وكلا، ولكنهم يريدون تحريرك من حريتك الحقة بعد إخراجك من بيتكِ وعفافكِ، من أجل أن تكوني رقيقاً لشهواتهم الدنيئة، وقد سمّوها بغير اسمها، ومن أجل أن تصبحي وتمسي مطمعاً لقلوبهم المريضة الفاسدة.!!
(وَالله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمَاً).
ولا أحسب القوم جاءوا بجديد، فطريق الشيطان واحدة وخطواته لم تتغير قِيد أنملة..وما إثارة نعرة العداء بين الجنسين إلا لوثة من لوثاتهم التي نقلوها عن سادتهم في الضلالة من الغربيين، ولها أصل في التوراة المحرفة ثم نقلتها يد التحريف إلى الإنجيل أيضا، فيما طُوِّرَ بعد بما سُمِّي بحركة " النسوية " (Feminism). ومن تتبع تاريخ هذه الحركة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية و ما آلت إليه، تالله يفتأ يذكر نعمة الهداية إلى الحنيفية السمحة !
وقد وظفوها - وهي الآن عندنا أيضاً - لذرِّ الرماد في العيون لإخفاء أهدافهم الخبيثة من جانب، ولإشعال مشاعر الحقد عند المرأة بدعوى أنها في صراع مع الرجل لتفكيك وخلخلة ترابط الأسرة والمجتمع من جانب آخر، على مبدأهم إياه " فرق تسد "، وكذبوا وصدق الله: (وَ لا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُم).
ودعواهم هذه نقض لأوثق عرى الإيمان ألا وهو مبدأ الولاء و البراء وهو أصل من أصول عقيدتنا وأنى لهم.. قال تعالى (وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِيَاءُ بَعْضٍ)، (وَالمُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ)، بل جاء في سورة الروم ما هو أعظم دستور في التاريخ لطبيعة العَلاقة بين الرجل والمرأة في سياق الامتنان وفي لحاقه التفكر في عظيم آيات الرحمن قال جل جلاله: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّن أَنفِسِكُم أَزْوَاجَاً لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّودَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ).. فهي علاقة مودة للأبد ورحمة لا عداوة ونكد !! وقال صلى الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال " وكان من آخر كلامه " استوصوا بالنساء خيراً "، قالها يوم كان الغرب - وبقي كذلك قروناً عديدة مديدة - يقيم المؤتمرات حول هل للمرأة روح أم لا؟ وهل المرأة إنسان أم شيطان؟؟؟!!!
وعندنا نحن المسلمين امرأة واحدة مؤمنة صالحة، خير من ملء الأرض من الرجال الكفرة الفجرة.. وإنما الصراع منذ الأزل بين أهل الحق وأهل الباطل وليس كما يقولون في صحافتهم وإعلامهم فلا تنطلِ عليك هذه الحيلة الماكرة !!... (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُم وَعِندَ الله مَكْرُهُم وَإِن كَانَ مَكْرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ، فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام).
مؤتمرات أم مؤامرات
وأما الغرب الصليبي واليهودي ودعاواه في مؤتمراتهم وآلتهم الإعلامية الضخمة، التي أجلبوا فيها بخيلهم ورَجِلِهم، فإنه أحقر من أن يلتفت إليه - وأنا شاهد عليه والله شهيد على ما أقول -، فالمرأة عندهم تحت ظلال الحرية المزعومة حذاء -إي وربي- يلبسه أراذلهم من شاء متى شاء ويخلعه متى شاء إذا شاء، بل هي عندهم أهون من ذلك و لا يسمح المقام أن أقول أكثر من ذلك فهذا مقامُ تلويح لا مقامُ تصريح !!
وأكتفي هنا بمثال واحد عن أشهر ممثلة أمريكية وقد جعلوها صنما للفتنة يعبد من دون الله، ألا وهي مارلين مانرو.. وقد عاشت تعاسة لا يشبهها تعاسة حتى أقدمت على الانتحار، ثم اكتشف محقق قضيتها رسالة في صندوق الأمانات كُتب عليها لا تفتح قبل وفاتها.. وقد كتبتْ فيها بخط يدها إلى فتاة تطلب نصيحتها: " احذري المجد.. احذري كل من يخدعك بالأضواء.. إني أتعس امرأة على هذه الأرض..لم أستطع أن أكون أماً.. إني امرأة أفضل البيت..الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية...الخ " !! (9)
ولو أنهم سمعوا صوت عقلائهم لتجنبوا كثيرا من الرزايا، ومن ذلك كلمة الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي وقد أصاب كبد الحقيقة يقول: " اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، و لا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا متُّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة " (10)
والعجيب أن الغرب و ما يدعو إليه في مؤتمراتهم تلك -وآخرها كان في نيويورك / يونيو عام 2000-، و ما تشتمل عليه من المؤامرات ومن توصيات مخجلة، داعية إلى تدمير المرأة والأسرة ومن صنوف الرذائل التي لا ترضاها بهيمة الأنعام فضلا عن الإنسان الذي كرمه الله، كل ذلك متحقق في مجتمعاتهم وفي المرأة الغربية على أكمل وجه !!
إذا لماذا كل هذا الضجيج لماذا؟؟.. أجل لكي يصدِّروا هذا الأوبئة إلى مجتمعات العالم الثالث وغايتهم الأولى هو العالم الإسلامي برمته على طريقة " إياكِ أعني واسمعي يا جارة " !!
و ما عاد هذا يخفى على ذي لب، فقد صاروا لا يطيقون أن يروا ثوب الكرامة و لا عباءة الفضيلة عندنا، بعد أن تعروا منهما ورأوا أنهم سائرون في طريق ليس فيه رجعة، ويريدون أن يأخذوا معهم من استطاعوا من بني جلدتنا، فهم حقا دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها !!
أمَا لو كانت دعوى تحرير المرأة عندهم فيها بعض خير للمسلمين لوضعوها في السراديب وغلّقوا عليها الأبواب، تماماً كما يفعلون في شأن التقنية والصناعات الأساسية والثقيلة وصناعة الإلكترونيات الدقيقة و رقاقات الحاسب الآلي..!!
ولكن القوم كما قال ربنا فيهم وهو أصدق قائل: " وَدٌّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً "، وفي الآية الثانية (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُم كُفَّارَاً حَسَدَاً مِنْ عِندِ أَنفِسِهِم)..
بل شموخ الإيمان
أختي الغالية..
أيّ امرأة أنت بين النساء تحمل القرآن بيمينها والسنة..
رضِيتْ بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً..
أبعد أن توَّجكِ الله بأبوين مؤمنين صالحين ورضعتِ لُبانة الإيمان منذ الصغر، ونشئتِ في بيت مسلم ملؤه الطهر، وتعلق قلبُكِ كلمةَ التوحيد ومعنى الإخلاص، تكونين كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً؟؟
أيجوز لك بعد تلك الكرامة أن تكوني تبعا لمخلفات الغرب الفكرية والخلقية والاجتماعية..؟؟
ألا تعلمين أن المرأة الغربية عندما تراكِ كَلِفة بتقليدها والسير على خطاها تنظر إليك باحتقار وازدراء شديدين كما عبر عن ذلك بعضهن..؟؟ أيجوز لك هذا التهافت وهذا السقوط المريع؟؟
كلا والذي لا إلهَ غيرُه !!!
ارفعي رأسك اعتزازاً بدينكِ الحق، واشمخي بأنفكِ شموخ الإيمان لا كبراً و لا بطراً..!
واختاري من الطريقين ما هو أليق بتكريم الله لكِ ! واسلكي أحسن النجدين فكوني من الشاكرين لا من الكافرين !!
وإن الله عز وجل قال في محكم كتابه عن مآل الخلائق ومصائرهم: (فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ) !!
نعم في يوم القيامة، يوم الحسرة، يوم الندامة:
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ 103 وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ 104 يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ 105 فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ 106 خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ 107 وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ 108 "..
فاختاري يا أخية من الطريقين ما يوصلك إلى أحسن الغايتين.. وأحسبك قادرة على ذلك.. وأسأل الله لي ولكِ التوفيق والسداد.
مختارات