الأصل الرابع والعشرون : كف عن الشكوى وابدأ العلاج
الأصل الرابع والعشرون: كف عن الشكوى وابدأ العلاج
كثير من الناس ليل نهار ليس لهم هم الا الشكوى.. التبرج كثير!.. والفتن ! و.. و.. يقول إسماعيل الهروى: " الزهد فى الدنيا نفض اليدين عن الدنيا ضبطا أو طلبا، وإسكات اللسان عنها مدحا أو ذما، والسلامة منها طلبا أو تركا ".
الشاهد الذى نستخرجه من هذا الكلام المهم: أن الذى يحب الدنيا يتكلم عنها كثيرا ولو بالذم.. كذلك يعد الرجل مفتونا بالنساء إذا أكثر من ذكرهن ولو بالذم، والذى يتكلم عن المال كثيرا ولو بالذم فهو أيضا مفتون.. ومن هنا فالذى يشتكى كثيرا فمفتون، قال الملك العليم – سبحانه – فى آية من الآيات الفاضحة: " ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا " (التوبة: 49).
تجد أحدهم يقول: لا أريد أن أذهب إلى الدرس الفلانى لأن هناك نساء وأنا ضعيف !!.. يا مفتون.. تقول له: اخطب الجمعة فيقول لك: أخاف من الرياء !.. مفتون.. عجبا لك !، طوال الوقت تتكلم وتقول: حلال وحرام، ونصبت نفسك شيخا، لماذا عند تحمل المسئولية تخاف من الرياء؟!!.. اللهم ثبتنا على الإيمان وارزقنا الإخلاص.
الإمام مالك كان إذا أعطى موعظة بكى وقال: " يحسبون أن عينى تقر بكلامى، كيف وأنا أعلم أن الله سائلى عنه يوم القيامة ماذا أردت به "..
إخوتى فى الله، هل تظنون أنى أفرح حينما أقول درسا أو أخطب جمعة؟!.. هل يوم القيامة ستكونون جالسين أمامى بهذه الصورة؟!!.. إن ربى سيسألنى: تحركت من هنا إلى مصر الجديدة لتعظ، لماذا؟ لأجل الناس أم لأجلى؟، فماذا أقول له؟!.. اللهم ارزقنا الإخلاص واجعلنا من أهله.
كف عن الشكوى وابدأ العلاج.. تجد بعض الناس يشكو من الوسوسة وليس وليس به شىء، ولكنه يظل يقول: الوسوسة.. الوسوسة.. حتى يوسوس فعلا.. بسبب كثرة شكواه.. يظل يشكو: النساء.. النساء، فيقع فى الفتنة، ولو كف عن الشكوى وبدأ فى العلاج، لكفاه الله هذه الفتنة.
إن مصيبة كثير من الإخوة أنهم مشغولون بالزواج.. فترى الواحد منهم يمشى فى الشارع فيقول فى نفسه: أتزوج هذه أم هذه؟.. لا، بل هذه.. لا لا بل مثل هذه... إذا أردت الراحة فارفع هذا الموضوع عن تفكيرك، وعش حياتك الإيمانية كما ينبغى، ووقت أن تقرر الزواج تزوج فى نفس اللحظة.. أما أن تعيش هكذا، مشتت الفكر، تشتكى دوما من هذه القضية، فلن تنجو من الفتن أبدا.. فأرح دماغك الآن عن هم الزواج طالما أن ظروفك الإيمانية والحياتية لا تسمح..
هذا هو الحل للفتنة: عدم الشكوى وعدم الهم وعدم الضيق والمرض بسببها.
بعض الناس يقول: المال.. ما لنا وللمال، المال دنيا، فكلامه المتكرر هذا عن المال دليل على أنه مفتون بالمال وبالدنيا، وفرق بين من يشكو ليعان وبين من يشكو ليتهرب.
سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – لما قال له ربه: " اذهب إلى فرعون إنه طغى " (النازعات: 17)، " قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون " (القصص: 33 – 34).. اشتكى، ولكنه طلب العون فاعين.. أعانه الله ووهب هارون النبوة وهذه من البركات أن يرزق أحد النبوة قال موسى: يا رب، وأخى، فقال – سبحانه -: وأخوك.
ولذا أريد منك حينما يرزقك الله الالتزام.. أريدك أن تقول: يا رب، وأخى.. يا رب، وأبى.. يا رب، وأمى.. يا رب، وأختى.. يا رب، وجارى.. ادع الله أن يهديهم وانشغل بإصلاحهم بدلا من أن تظل تشكوهم وتشتكى منهم فتكرههم ويكرهوك.. ادع الله لهم وكف عن الشكوى، لينجيهم كما نجاك.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له: نطبق عليهم الأخشبين؟، قال: " لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله " [متفق عليه].. خرج وتعب واستفرغ وسعه..
فليس همنا أن يحرق الله الكفار، وإنما همنا أن يهديهم، فما بالك بأهلك الذين تشكوهم.. اللهم اهد المسمين وغير المسلمين.
أيها الإخوة، كفوا عن الشكوى وابدأوا العلاج.. كفاكم شكاوى.. أنا لا أستطيع القيام للفجر، ولا أقدر على الدعوة، ولا أقدر على كذا، ولا أستطيع كذا.. طالما تشتكى فلن تقوم ولن تقدر ولن تستطيع.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الموسوس وقال له: إن أحدنا ليجد فى نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: " الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة، إذا وجد أحد منكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله، وليستعذ بالله ثلاثا ولينته " [صححه الألبانى]، " ولينته ": أى لا يفكر فيها مرة ثانية.
" الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة ".. أى إن الشيطان حينما ييأس، ويخيب فى إغواء الرجل، لا يجد شيئا يكيد به سوى هذه الوسوسة فهى سلاحه الضعيف ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله ".
وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا فى قطع الوساوس: " اتفل عن يسارك ثلاثا وقل: اللهم ربى لا شريك له " [أخرجه أحمد وابن حبان فى صحيحه].
اتفل على الشيطان، فهذا احتقار له وازدراء وإهانة، حتى لا يأتيك مرة ثانية.. ولا تعبأ به، وإنما انشغل بالله وحده فقل: الله ربى لا شريك له.. ثم انته عن ذلك، أى: لا تتكلم ولا تسأل أحدا ولا تقرأ عن هذه المسألة ولا تبحث عنها، وإنما انته، لتنقطع الوساوس.
إذا فالعلاج فى أربعة أمور:
1 – قل: آمنت بالله ورسوله.
2 – استعذ بالله من الشيطان الرجيم.
3 – اتفل عن شمالك ثلاثا.
4 – اسكت.. التزم الصمت.. لا تشتك.. انته.. أغلق هذا الباب تماما.
كثير من الشباب يقول: أبى يعمل كذا وكذا، وأمى تقوم بكذا وكذا.. وأختى.. وأخى.. والمسجد فيه كذا، والامام يفعل كذا.. والشيخ قال كذا.. ويظل يشتكى.. ارحم نفسك، ولا تكثر الشكوى.. لا تكثر الشكوى، وإنما اسكت.. اصمت لتستريح وتريح الناس من همك ومشاكلك، فالناس بهم ما يكفيهم، وإنما الراضى منهم من أرضاه الله، فارض بالله واشك همومك إليه وحده يكفيك ما أهمك فهو – سبحانه – يعلم حالك.
إخوتاه، إن الذين يشكون الواقع لن يغيروه مطلقا، بل ولن يتغيروا هم أيضا، سيظلون هكذا فى وحل الفتنة يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدأوا العلاج من عند أنفسهم.
إن الوصول إلى الله – أحبتى فى الله – يحتاج منا ألا نقف أمام المشاكل والهموم مكتوفى الأيدى، واضعين أيدينا على خدودنا نشتكى إلى كل رائح وغاد، بل لابد من التحرك والعلاج.. فعاهد نفسك – أخى فى الله – من الآن ألا تشتكى مطلقا.. كف عن الشكوى وابدأ العلاج، ليعينك الله على الوصول إليه.
* * *
مختارات