" الضَّلالُ بعد الهدى – الكبر - الخيانة "
" الضَّلالُ بعد الهدى – الكبر - الخيانة "
الضَّلال بعد الهدى: له عقوبات مُعَجَّلةٌ كثيرة؛ منها أن المعصية والضلالة تدعو إلى أختها، ومنها الجدل، ومنها أن الله ينسي العبد نفسه فينسى مصالحها في الدنيا والآخرة، وهذه العقوبات إذا اجتمعت في الإنسان أوردته موارد الهلاك والفتن، وأوجبت له المصارعَ والمحن، نسأل الله أن يُجَنِّبَنَا ما ظهر من ذلك وما بطن !
فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضَلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» (رواه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع ).
يقول ابن القيم الجوزية - رحمه الله: «حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء؛ أحدهما ردُّ الحقِّ لمخالفته هواك؛ فإنك تعاقَب بتقليب القلب ورد ما يردُ عليك من الحق رأسًا، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك؛ قال تعالى: " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " [الأنعام: 110]».
والثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقته؛ فإنك إذا تهاونت به ثَبَّطَك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك، قال تعالى: " فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ " [التوبة: 83].
فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنأ بالسلامة (دائع الفوائد).
الكبر: وهو خصلة ذميمة يبغضها الله ويبغض أهلها ويجزي عليها صاحبها بنقيض ما أراد !
فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من آدميٍّ إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته»(رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة ).
قال المناويُّ في فيض القدير: (5/466): " الحكمةُ ما يُجْعَلُ تحت حنك الدَّابَّة، يمنعها المخالفة كاللِّجام، والحنك متصل بالرأس، «بيد ملك» موكَّلٌ به؛ فإذا تواضع (العبد) للحق والخلق قيل للملك من قبل الله تعالى: ارفع حكمته، أي: قَدْرَه ومنزلته، ويقال: " عالي الحكمة " فَرَفْعُها كنايةٌ عن الإعذار؛ فإذا تَكَبَّرَ قيل للملك: دع حكمتَه؛ كنايةً عن إذلاله؛ فإنَّ صفةَ الذليل تنكيسُ رأسه.
فثمرةُ التَّكبُّر في الدنيا الذِّلَّةُ بين عباد الله، وفي الآخرة طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: مَنْ تطاول تعظيمًا خفضه الله - عز وجل - ومن تواضع لله تخشُّعًا رفعه الله (الجزاء من جنس العمل).
أخي كم بغى العبادُ على بعضهم بسبب الكبر يوم أن جعلوا ذاك وضيعًا! وهذا رفيعًا! وكأنما خُلق ذاك من الطين! وخلق هذا من المسك الأذفر !!
وما أغلاها – أخي - تلك الوصية النبوية وهي تعلم الخلق أسس الحياة السعيدة ! قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن الله أ وحى إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ! ولا يبغي أحد على أحد»(رواه مسلم).
فيا أيها المتواضع، إنما أنت كأرض انحدرت أركانُها فأمسكت الماء فنفع الله بها الخلق.. ويا أيها المتكبر، إنما أنت كأرض عالية مستوية يمرُّ عليها الماء؛ فلا هي تنتفع منه لنفسها! ولا هي بنافعة غيرَها ! (التواضع لأزهري أحمد محمود).
الخيانة: فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من ذنب أَجْدَرُ أن يُعَجِّلَ الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب..» الحديث (صحيح الجامع).
قال الذَّهبيُّ في ترجمة المنتصر بالله الخليفة العباسي: «ورد عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه: " ذهبت يا أمَّاه مني الدنيا والآخرة، عاجلتُ أبي فعُوجلتُ. وكان يُتَّهم بأنه واطأ على قتل أبيه، فما أمهل».
وقال الذَّهَبيُّ في ترجمة " ابن هبيرة "، قال ابن الجوزي: استيقظ وقت السحر، فقاء فحضر طبيبه ابن رشاءة، فسقاه شيئًا - يقال أنه سمه - فمات، وسُقي الطبيبُ بعده بنصف سنة سُمًّا فكان يقول: سَقَيْتُ فسُقيتُ، فمات (الجزاء من جنس العمل ).
وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيُبلى بظالم
مختارات