" سوءُ الظَّنِّ بالله ترك الأمر بالمعروف "
" سوءُ الظَّنِّ بالله ترك الأمر بالمعروف "
سوءُ الظن بالله: وهو من أقبح الخصال التي تُنبي عن ضعف التوحيد والجهل بالله سبحانه وبأسمائه وصفاته؛ فلا يُقْدم عليه إلا ضعيف الإيمان موسوس في دينه لا يعرف ربَّه ولا يذكر نعمه وفضله وخيره، وكيف يسوء ظنٌّ بالله - جل وعلا - وهو أرحم الراحمين، وأصدق القائلين، وأحكم الحاكمين! فالظلم كل الظلم، والجور كل الجور أن ينسب إلى الله سبحانه وتعالى: السوء؛ فهو قُدُّوسٌ مُنَزَّهٌ عن العيوب والنقائص.
لذلك كان حسنُ الظن به واجبًا على المؤمن، ولا يسيء الظن بربه إلا مخذول آذن على نفسه بتعجيل العقوبة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله» (رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع).
فاحذر - أخي الكريم - من أن تَظُنَّ بالله ظَنَّ السوء، وأن تعتقد أنه خلقك ليعذبك، أو أنه يسيء إليك ويحسن إلى غيرك، أو أنه منعك رزقه تنكيلا بك، وإنما أحسن الظن به؛ فإنه سبحانه أرحم بك من أبيك وأمك وأحن عليك من الخلق أجمعين وأرأف بك من رأفتك بنفسك.. فكيف يريد لك الأذى فضلاً على أن يلحقه بك !
ولو تأملتَ بعين بصيرة لوجدت أن لله حكَمًا بليغة في أحوالك، وأنه – سبحانه - ما منعك إلا ليعطيك، وما خفضك إلا ليرفعك، وما ابتلاك إلا ليهب لك حسنات لا تستطيع أنت بلوغها بعملك؛ لتستحقَّ بها الدرجات العلا.. تأمَّل في نفسك كم خالفتَ أمرَه، وكم غمست برَّه، وكم عصيت أمره! وها أنت لا زلت تأكل طعامه، وتشرب شرابه، وتشم هواءه؛ أوليس ذلك دليلًا واضحًا على أنه أرحم بك من الخلق أجمعين: " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ "، ثم تَذَكَّر دائمًا أن الله ما ابتلاك بما ابتلاك به إلا لشيئين:
الأول: أنك أذنبتَ ذنوبًا؛ فالبلاء الذي أنزله بك سَيُكَفِّرها برحمة الله.
الثاني: أن الله قد أراد لك المنزلة العليا عنده؛ فابتلاك ليجزيك على البلاء بالحسنات التي تؤهلك لتلك المنزلة.
قال ابن مسعود رضى الله عنه: «إن الله يعطي الدُّنيا مَن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب» (رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح موقوف على ابن مسعود له حكم الرفع).
فعلى المسلم أن يُحْسنَ ظَنَّه بالله عز وجل، ويعمل على اجتناب كل ما يغضبه ويسخطه؛ ليكون ظنُّه الحسن قد وافق اجتهاده وعمله الحسن.
يقول ابن القيم الجوزية: وكيف يُحْسن الظَّنَّ بربه من هو شارد عنه حالٌّ مرتحل في مساخطه وما يغضبه، متعرِّضٌ للعنته، قد هان عليه حقُّه وأمرُه فأضاعه، وهان نهيُه عليه فارتكبه، وأَصرَّ عليه، وهل هذا إلا من خدع النفوس، وغرور الأماني (الجواب الكافي لابن القيم).
قال الحسن البصريُّ: «إن المؤمنَ أحسن الظَّنَّ بربِّه فأحسن العمل، وإن الفاجرَ أساء الظَّنَّ بربِّه فأساء العمل».
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم اسْتَهَموا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على مَنْ فوقهم فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» (رواه البخاري).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»(رواه الترمذي وحسنه).
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: إنكم لتقرؤون هذه الآية: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ "، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمَّهم الله بعذاب منه»(رواه أبو داود والنسائي).
فهذه الأحاديث تدلُّ على أنَّ تركَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعجِّل الله عليه العقاب في الدنيا، وهو من أسباب عموم العقوبة على الناس إذا تواطؤوا على تركه.
مختارات