" الحرص على الدنيا – صرف الهموم لغير الله "
" الحرص على الدنيا – صرف الهموم لغير الله "
الحرص على الدنيا: وهذه الخصلة يعجل الله عليها عقوبتين هما أصل البلايا والمحن:
الأولى: تشتيت الشمل.
الثانية: الفقر الدائم وانقطاع القناعة؛ فعن يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان هَمُّه الآخرة، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كان هَمُّه الدنيا، فَرَّقَ الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له» (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ).
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «فأما الحرص على مال فهو على نوعين:
أحدهما: شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه مع الجهد والمشقة.
قلت: ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة له وقد كان يمكن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلا والنعيم المقيم.. فالحريص يضيع زمانه الشريف ويخاطر بنفسه التي لا قيمة لها في الأسفار، وركوب الأخطار لجمع مال ينتفع به غيره. كما قيل:
ومن ينفق الأيام في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
فالحرص على الدنيا معذِّب صاحبه، مشغول لا يسر، ولا يلذ بجمعه لشغله، فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته؛ لالتفاته لما يفنى وغفلته عما يدوم ويبقى !
والثاني: أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول حتى يطلب المال من الوجوه المحرَّمة ويمنع الحقوق الواجبة؛ فهذا من الشُّحِّ المذموم؛ قال تعالى: " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [الحشر: 9].
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلك مَنْ كان قبلكم؛ أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» (رواه أبو داود وهو في السلسلة الصحيحة).
والحريص على الدنيا دائم الهموم مستديم الغموم، لا يقنع برزقه، ولا يطمئن لقضاء الله وقدره؛ فذُلُّه قائمٌ لا يزول، وفاقته حاضرة لا تعرف الأفول.
صرف الهموم لغير الله: فعن ابن مسعود - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل الهموم همًّا واحدًا على المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن تشعَّبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أيِّ أوديتها هَلَكَ» (رواه الحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
فالاهتمام – أي اهتمام - إذا لم يكن لله جل وعلا على ما يرضيه سبحانه فإنه لا محالة مهلكة لصاحبه مجلبة للشقاء والتعاسة.
قال ابن القيم: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله عنه – سبحانه - حوائجَه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه؛ فشغل قلبه عن محبَّته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم؛ فهو يَكْدح كدح الوحوش في خدمة غيره» (الفوائد).
مختارات