الــبــــَرُّ -جل جلاله-
56
الــبــــَرُّ -جل جلاله-
الــبــــَرُّ -جل جلاله-
أيها العبد الفقير! لازم باب مولاك الكريم، وتعزز بالمولى العزيز العليم، توسل إليه بطاعته؛ فإنه البر الرحيم.
هنا؛ يتفضل عليك بنعمه؛ إن أطعته أكرمك وفضلك، وإن ضيعت ما مضى سيرحمك ويمهلك، وإن تبت وأنبت شكر، وإن عصيت وأسأت ستر.
فكيف يصبر عن قربه من وجد طعم عبوديته وحبه؟ أم كيف لا ينقطع إليه من وجد لذة التذلل بين يديه؟!
إِذَا كَانَ حُبُّ الهَائِمِينَ مِنَ الوَرَى
بِلَيْلَى وَسَلْمَى يَسْلُبُ اللُّبَّ وَالعَقْلَا
فَمَاذَا عَسَى أَنْ يَصْنَعَ الهَائِمُ الَّذِي
سَرَى قَلْبُهُ شَوْقًا إِلَى المَلإِ الأَعْلَى
وصدق من قال: "والله! ما أوحش الطريق لـمن لم يكن الله مؤمنه، وما أضل الطريق لـمن لم يكن الله دليله".
فسبحان البر الرحيم! الذي عم إحسانه وبره وخيره جميع أهل الأرض والسماوات، في كل اللحظات؛ من أصناف البر الظاهرة والباطنة.
والله قال: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20]، والله أثنى على ذاته العلية بقوله: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 28].
فربنا -سبحانه وتعالى- العطوف على عباده، الرحيم الرفيق بهم، المصلح لأحوالهم، وشؤونهم الدنيوية والشرعية.
ومن كمال بره -تبارك وتعالى-: أنه يبر بالمحسن في مضاعفة الثواب، ويبر بالمسيء في الصفح والتجاوز عنه.
وربنا البر اللطيف بعباده؛ يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.
وهو البر بأوليائه؛ إذ خصهم بولايته، واصطفاهم لعبادته، ويدفع عنهم جميع أنواع الشرور والسيئات والملمات.
وتتجلى سعة بره فيما أعده لأوليائه في دار خلده: (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور:28].
وَالبِرُّ فِي أَوْصَافِهِ سُبْحَانَهُ
هُوَ كَثْرَةُ الخَيْرَاتِ وَالإِحْسَانِ
صَدَرَتْ عَنِ البِرِّ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ
فَالبِرُّ حِينَئِذٍ لَهُ نَوْعَانِ
وَصْفٌ وَفِعْلٌ، فَهُوَ بَرٌّ مُحْسِنٌ
مُوْلِي الجَمِيلِ وَدَائِمُ الإِحْسَانِ
فالله -سبحانه وتعالى- هو: البر بعباده، العطوف عليهم، المحسن إليهم، يوسعهم خيرًا وكرمًا وفضلًا وشكرًا وإجابةً؛ (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان:20].
الكل قد أقيم في خدمتك..
الكل قد أقيم في خدمتك..
فالملائكة الذين هم حملة عرش الرحمن ومن حوله؛ يستغفرون لك!
والملائكة الموكلون بك يحفظونك، والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقك ويعملون فيه.
الأفلاك سخرت منقادةً دائرةً بما فيه مصالحك، والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنتك وأوقاتك، وإصلاح رواتب أقواتك.
والعالـم السفلي كله مسخر لك؛ الأرض والجبال والبحار والشجر والثمر والنبات والدواب.. كل ما فيه لك؛ (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية:13].
نسيم البـــر..
نسيم البـــر..
ومن إحسانه -سبحانه وتعالى-: أن يسر لنا الطريق إليه؛ فيسر شريعته علينا، وجعلها سمحةً، ونفى عنها الحرج، ولم يكلفنا ما لا نطيق: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر: 17]. ومن بره بنا: أنه -تبارك وتعالى- يتقبل القليل منا، ويثيب عليه الكثير، ويعفو عن كثير من السيئات، ويكفينا هذا الحديث العظيم؛ الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ:
فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا؛ كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا؛ كَتَبَهَا اللهُ -عز وجل- عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ.
وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا؛ كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا؛ كَتَبَهَا اللهُ سَيّئَةً وَاحِدَةً» [أخرجه البخاري ومسلم]. ومن بره بنا: أنه يفرح بتوبة عبده، وأننا إذا أذنبنا لم يفضحنا؛ بل وفتح لنا أبواب التوبة: (۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «قَالَ اللهُ -سبحانه وتعالى-: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِي وَرَجَوتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِيْ.
يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِيْ.
يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغفِرَةً»[حديث صحيح. رواه الترمذي].
لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا نَسْتَلِذُ بِهِ ذِكْرًا لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا طَيِّبًا يَمْلُأُ السَّمَا إِلَهِي تَغَمَّدْنِي بِرَحْمَتِكَ الَّتِي
وَإِنْ كُنْتُ لَا أُحْصِي ثَناَءً وَلَا شُكْرَا وَأَقْطَارَهَا وَالأَرْضَ وَالبَرَّ وَالبَحَرَا وَسِعْتَ وَأَوْسَعْتَ البَرَايَا بِهَا بِرَّا
حظـك منه..
حظـك منه..
وربنا بر، يحب البر، ويأمر به، ويحب التخلق به من عباده.
وأجمع الآيات: قوله -سبحانه وتعالى-: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177]. ولن ينال العبد بر الله -سبحانه وتعالى- به في الآخرة إلا باتباع ما يفضي إلى بره ومرضاته، قال -سبحانه وتعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92]. قال الرازي -رحمه الله-: "كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة؛ وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة".
اللهم! من علينا، وقنا عذاب السموم؛ إنك أنت البر الرحيم!
مختارات